https://s.addiyarcomcarloscharlesnet.com/storage/attachments/1822/01_282946_large.jpg

صلاح ستيتية و ... اليهود

by

«ياصاحبي، اليهود يبحثون، بالأشعة ما تحت الحمراء وربما بالأشعة ما فوق البنفسجية،  عن الأدمغة اليهودية. هذه كانت حال العرب أيام زمان. الآن، لا أدري لماذا يعشق العرب الرؤوس الفارغة. لعلك تسأل مثلي الى أين تأخذنا تلك الرؤوس الفارغة بعدما بتنا رعايا، وضحايا، العدم ؟».

صلاح ستيتية عاتب عليّ من العالم الآخر لأنني لم أكتب عنه يوم رحيله. تلك الثقافة اللامتناهية التي تهز الروح.  تلك الشخصية المرهفة التي لا تهيل التراب على... ظل وردة.

روى لي قصة شاب يهودي كان يعمل مصححاً في صحيفة لبنانية ناطقة بالفرنسية.  في بداية الحرب هاجر الى فرنسا،  وقصد المجلس الاستشاري لليهود.  وحين لا حظوا أن ثمة لمحات ابداعية في لغته،  وفي رؤيته،  فتحوا أمامه أبواب الصفحة الأولى في جريدة «اللوموند»،  حيث راح يكتب مقالة مكثفة،  ويوقع بحرف لاتيني.

هكذا بقي غامضاً،  ولسبب غامض،  الى أن كشف عن وجهه لدى صدور كتاب له،  بتوقيع الحرف اللاتيني اياه،  وظهوره في برنامج برنار بيفو الشهير «أبوستروف».

عندنا الفاجعة (الجائحة ؟).  في العديد من الدول العربية يفترض أن تكون وزارة الاعلام مستودعاً للببغاءات (أو للمومياءات).  الوزير الذي لا يصل رأسه الى قدمي الفرعون يتصرف في وزارته كما الفرعون.  هذا الفرعون البائس الحافي القدمين،  والحافي الرأس،  يعتبر أن كل من يساند قضايا دولته،  ولو كان من خارج هذه الدولة،  مرغم على ذلك.  مثلما هو القهرمانة يرى في كل صحافي. .. القهرمانة.

 تلك خلاصة تجربة طويلة مع هذا الطراز من وزراء الاعلام.  كيف للطناجر الفارغة أن تخاطب العقل الآخر حول القضايا الوجودية،  والقضايا الاستراتيجية ؟

زميل من بلد عربي قال لنا «وزير اعلامنا يعرف عن ساقي أي راقصة أكثر بكثير مما يعرف عن المصائب التي تنهال علينا من كل حدب وصوب».  لطالما قلنا أن يعرب بن قحطان لم يترك لنا سوى ساقي شهرزاد.

صلاح ستيتية كان يسأل «أين المؤسسة العربية لتتصدى للمؤسسة اليهودية» الضاربة في اللاوعي،  وفي الوعي،  الغربي.  في كل شخصية سياسية أو فكرية أو اقتصادية تجد شيئاً من اليهود وشيئاً من اليهودية».  متى لم نكن نحن في النظرة الغربية سقط المتاع ؟

صاحبنا الذي رحل منذ أيام اختار اللغة الفرنسية،  والأرض الفرنسية،  والمثوى الفرنسي،  كان قلقاً،  ويائساً،  كيف يمكن للمنطقة العربية التي أعطت ذلك التراث الفذ.  التراث الذي فجّر عصر الأنوار في القارة العجوز (وأطلق قاطرة المستقبل)،  أن تستيقظ،  وتشارك في اعادة بناء العالم بل وفي اعادة بناء الزمن. 

قلت له أن الحل قد يكون بتحييد الله،  وتحييد التاريخ.  مقاربتنا القبلية لله جعلته يتوزع قطعة قطعة بين الأديان،  وبين الطوائف.  نظرتنا الى التاريخ كانت بنبش عظام موتانا ووضعها في العراء.  بعد فترة كتب،  في «النوفيل أوبسرفاتور»،  لنضع الله بين مزدوجين».  الله،  كما رآه،  لا يمكن أن يكون اله الكراهية،  واله الدم،  واله النار. ..

دائماً كنت أتساءل ما اذا كان صلاح ستيتية يكتب (يفكر) بلغة الجمر أم بلغة الكريستال.  قوله «الشعر لغة اللغة».  ماذا عن السياسة ؟ هاله أن يبقى العرب،  عرب ابن رشد،  وعرب ابن خلدون،  طوال تلك القرون على أبواب الهباء.  حتى أهل الكهف استفاقوا،  واستفاق معهم كلبهم. 

لا أدري ما خلفية عودته عن عرضه لي أن نضع كتاباً  حول تأثير اليهود في الثقافة الغربية. هل خشي أن يصيبه ما أصاب روجيه غارودي الذي أزيل اسمه،  بكل تلك الفظاعة وبكل تلك الضغينة، حتى من الموسوعات الفلسفية الفرنسية والغربية ؟

ماذا يمكن أن اقول لصاحب «حملة النار» و«دفاتر الصحراء» سوى أننا صحراء، وتتيه فيها النوق،  وتتيه فيها الأزمنة،  ويتيه فيها كل من يسأل. .. متى تتوقف تلك الغيبوبة بين الغيب والغياب ؟

صلاح ستيتية اختار التراب الفرنسي مثوى له لأن ثمة من يضع زهرة على قبره... !