عبد الرحمان اليوسفي.. من زعامة المعارضة إلى قيادة "حكومة التناوب"
by هشام بوعليشكلت حكومة التناوب التوافقي التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، محطة فارقة في التاريخ السياسي للمملكة، حيث دشنت مرحلة جديدة أنهت مسار صراع طويل بين الملكية وبعض أحزاب المعارضة المنتظمة في إطار الكتلة الديمقراطية.
الحكومة التي جنّبت البلاد "السكتة القلبية"، بتعبير الراحل الحسن الثاني، جاءت في سياق وطني وخارجي خاص، وسمه التوتر بسبب المصاعب الاقتصادية التي كانت تمر منها البلاد وتفاقم المشاكل الاجتماعية، علاوة على الإشكالات السياسية المتواترة بالمشهد الوطني منذ السنوات الأولى للاستقلال، والتغيرات التي عرفها المنتظم الدولي طيلة عقد التسعينات، لتختار الدولة فتح باب جديد بالبيت الداخلي بعنوان المصالحة وإعادة بناء الثقة، بقيادة الملك الراحل ومهرّب السلاح السابق.
بعد أن استقال من مهامه الحزبية وغادر المغرب إلى فرنسا سنة 1993، احتجاجا على نتائج الانتخابات التشريعية، عاد اليوسفي إلى المغرب في سياق الأجواء السياسية الجديدة التي عرفها المشهد الوطني،حيث أفرزت الرغبة التي أبداها الملك الحسن الثاني والمعارضة حواراً جديداً لممارسة سياسيّة جديدة، بعد أن فشل طيلة سنوات سابقة، ليجري تعيين عبد الرحمان اليوسفي، قائدا لما سمّي "حكومة التناوب" (1998-2002).
اختيار الرجل جاء بإجماع وطني من العرش والشعب، لتاريخ اليوسفي الحافل، بعد أن خبر العمل الوطني، مقاوماً قبل الاستقلال، وساهم إلى جانب شخصيات وطنية أخرى في إرساء معالم العمل الحزبي والسياسي بعده، من خلال عمله في حزب الاستقلال ومشاركته في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى أن تقلد الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي، بداية التسعينات خلفا للراحل عبد الرحيم بوعبيد، وخدمته دفاعاً عن حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية.
الراحل قال في واحدة من آخر الأنشطة التي شارك فيها شهر يناير الماضي، إن حكومته واجهت "إرثا ثقيلاً وصعوبات عدة وإكراهات متنوعة، ورغم ذلك حرصت على وضع إصلاحات اجتماعية كبرى همت فئات عريضة من مجتمعنا".
وأضاف اليوسفي، في تقديم خص به كتاب "عبد الرحمن اليوسفي: دروس للتاريخ" لإدريس الكرواي، أن التجربة السياسية والمؤسسية لحكومة التناوب في المغرب جعلت من العمل الاجتماعي والتضامني أحد أولوياتها البارزة.
وأشار الراحل أن إصلاحات الحكومة التي قادها همت "مجالات ترابية عديدة شملت التغطية الصحية ومحاربة البطالة ومقاومة الفقر والإقصاء، ولا سيما في الوسط القروي وهوامش المدن، مع إيلاء عناية للحوار الاجتماعي والمدني والشراكة الدولية من أجل التنمية البشرية المستدامة والأمن الاجتماعي".
إدريس الكراوي الذي عمل مستشارا للشؤون الاجتماعية للوزير الأول اليوسفي، قال إن الراحل كان حريصا على أن يكون الحوار الهادف والمسؤول أسلوباً في التعامل مع الشأن السياسي، وأن يقوم على بناء تعاقد سياسي وأخلاقي، موردا أنه كان "حريصا أن يكون هذا العقد مبني على الثقة والإيمان بسمو قضايا الوطن والمصالح العليا للوطن مع المغفور له الحسن الثاني ووارثه محمد السادس".
وأوضح الكراوي في شهادته لموقع القناة الثانية عن اليوسفي أنه "كان مسؤولا وزعيماً سياسياً وشخصية وطنية، مضيفا أنه "رجل دولة استثنائي بكل المقاييس؛ جمعت فيه خصال قل نظيرها، تظهر أنه مسؤول من طراز عالي، وزعيم مميز، وشخصية رفيعة، حيث كان سياسيا محنّكا من سماته البارزة، الحكمة والتبصّر".
وزاد صاحب كتاب " عبد الرحمن اليوسفي: دروس للتاريخ" في تصريح لموقع القناة الثانية أن الراحل "كان كتوما ومعتدلا لكن صلبا في مواقفه، ومتّزنا وعميقا في تحاليله"، مشيرا أن هذه القيم، كانت بالنسبة له "منهجية واحدة الوصول إلى ما هو الأهم واستراتيجي وجوهري، انطلاقا من إخضاع وقع الأمور إلى تقييم موضوعي".