https://img.arabi21.com/Content/Upload/large/520202911334666.jpg
على الرغم من أن الشعبوية ترتبط عادة بوجود زعيم كاريزمي إلا أن ذلك ليس سبيلها الوحيد لتحقيق التعبئة ـ عربي21

الشعبوية أيديولوجية جزئية يمكن النظر في اقتراحاتها.. كتاب

by

الكتاب: مقدمة مختصرة في الشعبوية
تأليف: كاس مودّة ـ كريستوبلروفيرا كالتواسر
ترجمة: سعيد بكار ـ محمد بكار
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ 2020

يختلف الباحثون حول السمات التي تحدد ماهية الشعبوية، لكنهم يجمعون على أنها بشكل عام وفي صورها المختلفة تعبر عن الاهتمام بـ "الشعب" ومصالحه وتطلعاته من جهة، وتهاجم وتنتقد المؤسسات الرسمية و"النخبة" السياسية من الجهة المقابلة. 

ويحدد مؤلفا هذا الكتاب كاس مودّة، المختص بدراسة الشعبوية، وكريستوبل كالتواسر، المهتم بدراسة السياسة المقارنة، الشعبوية باعتبارها "أيديولوجيا جزئية" تظهر دائما مقرونة بأيديولوجيات أخرى، الأمر الذي يساعدها على الانتشار والترويج لمشروعاتها السياسية بين عدد كبير من الناس، وهي لهذا السبب تظل عاجزة عن تقديم إجابات مفصلة وشاملة للقضايا السياسية التي تواجهها المجتمعات الحديثة، فهي، كما يوضحان، "ليست تقليدا أيديولوجيا متكاملا، بقدر ما هي حزمة من الأفكار التي تظهر مختلطة بأيديولوجيات متنوعة جدا، وتصل في بعض الأحيان إلى حد التناقض".

ثلاثة مفاهيم جوهرية

تمتلك الأيديولوجيا الشعبوية، رغم ذلك، ثلاثة مفاهيم جوهرية هي: الشعب، والنخبة، والإرادة العامة. الشعب يحتمل معاني ثلاثة؛ الأول يرتكز على تصور الشعب بوصفه "صاحب السيادة" وهي فكرة ديمقراطية ترى في الشعب حاكما حقيقيا ومصدرا أساسيا للسلطة. وظهرت بشكل أساسي مع الثورتين الفرنسية والأمريكية اللتين أقامتا "حكومة للشعب، ومن الشعب، ولمصلحة الشعب". 

المعنى أو التصور الثاني للشعب هو "العامة" ويشير إلى "مفهوم طبقي يجمع بين الوضعية الاجتماعية ـ الاقتصادية، والتقاليد الثقافية والقيم الشعبية للناس في سياق معين. ويدافع، بخلاف النظرة النخبوية، عن كرامة المجموعات المستبعدة بسبب وضعيتها الاجتماعية ـ الثقافية أو الاجتماعية ـ الاقتصادية".

ويستخدم المعنى الثالث للشعب بوصفه "الأمة"، وهو وصف يحيل إلى مجتمع قومي مبني على المدنية أو العرق.

تعرف النخبة كما الشعب من منظورين؛ اقتصادي طبقي، وقومي. "يربط الشعبويون النخبة بالسلطة الاقتصادية؛ لأن ذلك يعينهم على تبرير إخفاقهم السياسي (ويقولون) إن النخبة لا تتجاهل مصلحة الشعب فحسب، بل تعمل خلاف مصلحة الدولة أيضا". المفهوم الثالث" الإرادة العامة" يقصد به "اجتماع" أفراد الشعب لتكوين مجتمع وسنّ التشريعات التي تخدم مصالحه المشتركة. 

 

يحدد مؤلفا هذا الكتاب كاس مودّة، المختص بدراسة الشعبوية، وكريستوبل كالتواسر، المهتم بدراسة السياسة المقارنة، الشعبوية باعتبارها "أيديولوجيا جزئية" تظهر دائما مقرونة بأيديولوجيات أخرى الأمر الذي يساعدها على الانتشار والترويج لمشروعاتها السياسية بين عدد كبير من الناس.

 

تقول المنظرة السياسية البريطانية مارغريت كانوفان، إن مهمة السياسيين تصبح في هذا الإطار أن يكونوا من المثقفين الواعين ليحددوا الإرادة العامة للشعب، وكاريزميين بالقدر الذي يسمح لهم بتحويل المواطنين من أفراد أي مجتمع منسجم يمكنه تحقيق هذه الإرادة. لقد قدم هوغو تشافيز الرئيس الفنزويلي الراحل مثالا ساطعا لهذا التصور في خطابه الافتتاحي عام 2007 عندما قال: "لا يوجد شيء أكثر تجسيدا للعقيدة الشعبوية من استشارة الأمة برمتها في النقاط الرئيسية التي تنبني عليها الحكومة والقوانين الأساسية والقضاء العالي؛ فالأفراد كلهم عرضة للزلل والإغراء إلا الشعب، لأنه يملك درجة عالية من الوعي بمصالحه الخاصة، ويدرك مدى استقلاليته، ولذلك فقراراته كلها صائبة، ولا يمكن لأيّ كان أن يفسده أو أن يهدده". 

مثل هذا التصور، غالبا ما يقود إلى دعم التوجهات الاستبدادية، فوجود شعب متجانس موحد يفهم الأمور السياسية بطريقة واحدة، لا يمكن أن يتحقق " إلا بتحديد من لا ينتمي إلى عامة الشعب ومعاملته معاملة دونية. إن وضوح الإرادة العامة وقوتها عند الشعبويين، تتيح لهم إضفاء الشرعية على الاستبدادية والتعصب في الهجوم على أي شخص يجرؤ على تهديد تجانس الشعب".

التعبئة الشعبوية

يمكن ملاحظة الشعبوية كظاهرة سياسية في غاية التنوع، فالفاعلون الشعبويون منهم اليساري واليميني، ومنهم المتدين والعلماني، ومنهم المحافظ والتقدمي. وهو تنوع دفع بعض الباحثين إلى رفض الاعتراف بوجودها من الأساس، لكنّ مؤلفي الكتاب يجدان في ذلك حجة ضعيفة، إذ يؤكدان مرارا أنها لا تظهر إلا مقرونة بأيديولوجيات أخرى، أي إنها كما سبق القول أيديولوجيا جزئية. فمثلا الشعبويون اليساريون في معظمهم يجمعون بين الشعبوية والاشتراكية، واليمينيون يجمعون بينها وبين القومية. 

وعلى الرغم من أن الشعبوية ترتبط عادة بوجود زعيم كاريزمي، إلا أن ذلك ليس سبيلها الوحيد لتحقيق التعبئة لدعم قضيتها، ومع وجود أنواع مختلفة من التعبئة الشعبوية" يسهل فهم أسباب النجاح الانتخابي لبعض التجارب الشعبوية دون غيرها". 

ويمكن تحديد ثلاثة أنماط من التعبئة الشعبوية تتمثل في الزعامة الفردية حيث تتم التعبئة من أعلى إلى أسفل، والحركة الاجتماعية التي تتم فيها التعبئة من أسفل إلى أعلى، والحزب السياسي الذي تعمل فيه التعبئة باتجاهين. يحدث أن تجتمع عوامل متعددة تمكن الزعيم الشعبوي من تقديم نفسه للشارع، باعتباره صوته والقادر على حمل مطالبه وتحقيقها، من هذه العوامل تكوينه لآلية انتخابية فردية، بمعنى تأسيس حزب سياسي للتنافس في الانتخابات يقدم مرشحا أو اثنين لمنصب عام، غالبا ما يكون حزبا زائفا وواجهة "تستر قلة الأعضاء أو المجالس أو البنى الداخلية". أيضا فإن عدم ارتباط هذا الزعيم بأي تنظيم سياسي قوي قد يخدمه في التعبئة، فضلا عن انعدام الوسطاء بينه وبين الشعب. 

هناك أمثلة كثيرة على هذه التعبئة الفردية، منها ما حدث في الإكوادور بفوز رفاييل كوريا بالرئاسة عام 2006، الذي عرف عنه معارضته للمؤسسة الحاكمة وقوله إن الاحزاب السياسية مجرد تنظيمات احتيالية. وهناك مثال آخر في هولندا لغيرت فيلدرز، الذي أسس حزبا سياسيا كآلية انتخابية فردية." ولما كان فيلدرز العضو الوحيد في حزبه (حزب من أجل الحرية)، فإنه انفرد بسلطة تعيين ممثلي الحزب في السلطات التشريعية المتعددة، وصار يملي عليهم حتى كيفية التصرف والجهة التي يصوتون لها".

إلى ذلك تعمل، الحركات الاجتماعية على حشد الناس أمام "عدو موحد"، وهي تختلف عن الأحزاب السياسية في أنها لا تمتلك تنظيمات رسمية ولا تشارك في اتخاذ القرارات مشاركة منتظمة، ورغم أنها لا تقوم على وجود زعامة مركزية، فإن ذلك لا يمنع من ظهور بعض الشخصيات التي تؤدي دورا مؤثرا فيها بين الحين والآخر. 

 

يحدث أن تجتمع عوامل متعددة تمكن الزعيم الشعبوي من تقديم نفسه للشارع، باعتباره صوته والقادر على حمل مطالبه وتحقيقها، من هذه العوامل تكوينه لآلية انتخابية فردية، بمعنى تأسيس حزب سياسي للتنافس في الانتخابات يقدم مرشحا أو اثنين لمنصب عام، غالبا ما يكون حزبا زائفا وواجهة "تستر قلة الأعضاء أو المجالس أو البنى الداخلية"

 

ومع الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم المعاصر، ظهرت الكثير من هذه الحركات الاجتماعية الشعبوية، ربما كان أبرزها حركتا "احتلوا وول ستريت" في الولايات المتحدة الأمريكية، و"الساخطون" في إسبانيا. صاغت الأولى شعار" نحن 99% من الشعب، والثانية كان شعارها " نريد ديمقراطية حقيقية الآن. لسنا سلعة في أيدي السياسيين وأصحاب البنوك". حاولت الحركتان " تقديم تحديد يشمل أغلبية الأقليات المهمشة (بما فيها العرقية والدينية والجنسية) لمصطلح الشعب. وأما التمييز بين النخبة والشعب فبقي خلقيا، أي من حيث المصالح والقيم... ولهذا التمييز أهمية موازية عند الحركات الشعبوية اليمينية، وإن كانت تضيق مفهوم الشعب وتستثني منه فئات كثيرة". 

من جهة أخرى وعلى الرغم من العداء الأيديولوجي بين فكرة الأحزاب السياسية والشعبوية، فإن الأحزاب تظل هي النموذج المثالي للتعبئة الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا، ففي كل دولة أوروبية، تقريبا، هناك حزب شعبوي واحد على الأقل قوي وناجح.

زعماء خارجيون

تتعدد إذن خصائص الشعبوية وأساليبها، لكن يظل اعتمادها على الزعماء الأقوياء القادرين على القيادة أبرز دعائمها وأهمها، وهؤلاء الزعماء الشعبويون يحاولون عادة استخدام "لغة عامية" أو يتحدثون بمضامين عامة قريبة إلى تلك التي يتحدث بها رجل الشارع، وقد يستخدمون أيضا ألفاظا وإشارات وتلميحات سوقية، إنهم يحتاجون إلى "إقناع أتباعهم بعدم انتمائهم للنخبة الفاسدة وبأنهم جزء من الشعب الصالح، ولذلك يلعب الزعيم على وتر الأفكار الشائعة في ثقافة شعبه، ويقترح حلولا مبنية على الحس العام، وتكون عادة مخالفة لرأي أهل الاختصاص". 

ليس هذا فحسب، بل إن الزعماء الشعبويين يدعون عدم خبرتهم في عوالم السياسة، فهم "خارجيون" وغير مرتبطين بمؤسسة الحكم. يفعلون ذلك للنأي بأنفسهم عن السياسات الحكومية السابقة وعن فساد السياسيين وعدم كفاءتهم، غير أن واقع الحال يقول إن معظم هؤلاء الزعماء الشعبويين الناجحين كانوا منخرطين في السياسة، وعلى مقربة من صناعها والفاعلين فيها، حتى وإن ادعوا أنهم "خارجيون" فإنهم بعد وقت سيتحولون إلى شعبويين "داخليين"، أي من قلب النظام السياسي نفسه. لقد أدت "خمس عشرة سنة من حكم الثورة البوليفارية ( في فنزويلا) إلى تغيير شبه كامل للنخبة، وإلى ظهور طبقة حاكمة جديدة تدعى البرجوازية البوليفارية، وغيّر هذا الأمر وضعية تشافيز نفسه، فبعد مرور أكثر من عشر سنوات في السلطة، انتقل من كونه خارجيا في انتخابات 1999 إلى كونه داخليا قحا في انتخابات عام 2013".

يرى كل من كاس مودّة وكريستوبل كالتواسر أن الشعبوية مكون من مكونات الديمقراطية، والأدق أنها "الوعي السيئ للديمقراطية الليبرالية"، أو الرد على التجليات غير الديمقراطية لليبرالية، بدليل أن الشعبويين "يثيرون أسئلة محرجة حول أدوار المؤسسات الليبرالية غير الديمقراطية وقراراتها (مثل المؤسسات المالية العالمية).. ويقدمون أجوبة معادية لليبرالية تلقى قبولا كبيرا بين الناس". ويجد مؤلفا الكتاب أن الشعبويين يشكلون تحديا لجميع الأنظمة السياسية، وأن الطريقة المثلى للتعامل مع الشعبوية، هي الانخراط في حوار مفتوح مع الفاعلين فيها والداعمين لهم، مع الانتباه بوعي كامل لمطالبهم ومظالمهم، وفي الوقت نفسه يجب على الباحثين التركيز على محتوى الخطاب الشعبوي أكثر من تركيزهم على " الفاعل الشعبوي" وقبول الاقتراحات الجادة من هذا الخطاب وتبنيها.