ماذا بقي من ورقة تفاهم مار مخايل؟ (1)
by اندريه قصاصعادة يصار إلى إعادة النظر، بين حين وآخر، بأي إتفاقية أو تفاهم بين طرفين أو أكثر، وذلك لمعرفة إذا كان المضمون لا يزال يتطابق مع الواقع، فيصار إلى تعديل ما يجب تعديله ويُلغى ما يجب إلغاؤه، وفق ما تقتضيه مصلحة الطرفين أو الأطراف التي وقعت على هذا التفاهم أو الإتفاق، وذلك خشية ان يبقى ما كتب حبرًا على ورق، وأن يكون الواقع المستجد قد تخطى ما سبق أن تم الإتفاق عليه، خصوصًا إذا كان قد مضى على هذا الإتفاق أو ذاك التفاهم سنوات من دون تكبدّ عناء مراجعته بفعل المتغيرات التي تكون قد طرأت على الواقع السياسي، الذي أملى في وقت من الأوقات مثل هكذا إتفاق أو تفاهم.
وقد يكون من المفيد أن يعاود كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" إعادة النظر في بعض بنود ورقة تفاهم مار مخايل، أقله بعد إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية وبعد تسلم الوزير السابق جبران باسيل رئاسة التيار، على رغم أن هذه الورقة هي من بنات أفكاره.
وفي متابعة لنص ورقة تفاهم مار مخايل، يتبين أن ثمة بنودًا مهمة يجب تعديلها بما يتلاءم مع الواقع، خصوصًا بعد التباين في وجهات النظر بين الحزب والتيار، على رغم تأكيد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بما معناه أن هذه الأمور غير حرزانة وهي صغيرة ولا يمكن أن تؤثر على العلاقة بين الحلفاء.
ومن بين البنود التي يجب أن يعاد النظر فيها نورد ما يلي:
أولًا، في بند الحوار، إذ يتبيّن أن "مشاركة الأطراف ذات الحيثية السياسية والشعبية والوطنية، وذلك من خلال طاولة مستديرة" لم تؤت ثمارها على رغم أنه لم يتم التوافق على أي أمر في طاولات الحوار.
ثانيًا، ما قاله المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان عن نهاية صيغة لبنان بشاره الخوري ورياض الصلح، وهو ليس بعيدًا في العمق عن روحية "حزب الله" يتناقض مع ما جاء في بند الديموقراطية التوافقية، حيث جاء فيها "إن الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور، ولجوهر ميثاق العيش المشترك"، وهو يتناقض أيضًا مع سعي الحزب إلى قيام مؤتمر تأسيسي، وقد إعتبر البعض كلام الشيخ قبلان توطئة لطرح فكرة هكذا مؤتمر.
ثالثاً، إن تجميد التشكيلات القضائية وفق ما إرتأه مجلس القضاء الإعلى يتناقض مع ما جاء في بند بناء الدولة لجهة مراعاة "الاستقلالية التامة لمؤسسة القضاء واختيار القضاة والمشهود لهم بالكفاءة بما يفعّل عمل المحاكم على اختلافها"، وبالتالي يمكن إعتبار ما جاء في الكلام عن مكافحة الفساد بضرورة "العمل على إصلاح إداري شامل يكفل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لا سيما أولئك المشهود لهم بالجدارة والكفاءة ونظافة الكف، وذلك عبر تفعيل دور مجلس الخدمة المدنية وقيامه بصلاحياته الكاملة"، لا يعبّر تمامًا عن الواقع التحاصصي في ملف التعيينات، إذ لا نرى أن الرجل المناسب يعيّن في المكان المناسب، بل غالبًا ما يؤتى بالشخص المطلوب وفقًا لإنتماءاته السياسية، فضلًا عن التباين في وجهات نظر كل من الحزب والتيار حول ملف الفساد، حيث يتهم التيار الحزب بأنه لم يضع كل ثقله من أجل بلورة صيغة مقبولة وقريبة إلى الواقع، وهذا ما خلق بين الطرفين نفورًا، قد يحتاج إلى تدخلات على مستويات رفيعة وعالية لرأب الصدع وعدم ترك الشرخ يكبر بينهما.
(يتبع)