زيارة دياب إلى الناقورة: التوقيت.. الشكل والمضمون
قطع رئيس الحكومة حسان دياب برنامجه العادي في السرايا ليزور مقر قيادة القوات الدولية (اليونيفيل) في الناقورة. في التوقيت بدت الزيارة متناسبة مع أجواء عيد التحرير، وصودف أنها جاءت مباشرة بعد كلام السيد حسن نصرالله عن «اليونيفيل» ورفض أي تغيير أو توسيع في طبيعة مهامها ونطاق عملها، في التوقيت أيضا جاءت زيارة دياب المفاجئة لقيادة قوات «اليونيفيل» عشية طرح ملف التمديد لهذه القوات سنة جديدة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم، وبعد مجموعة الإشكالات التي شهدتها بلدة بليدا الجنوبية بين وحدة من القوة الفنلندية وأهالي البلدة الذين اعترضوا على دخول الأحياء الداخلية من دون تنسيق مع الجيش. في الشكل، حملت تشكيلة الوفد الرسمي اللبناني الذي أقلته المروحية الى الناقورة، والذي ضم كلا من رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش جوزف عون، رسالة واضحة الى المجتمع الدولي ومجلس الأمن خصوصا، تؤكد إصرارا على أن العلاقة القائمة بين هذه القوات والحكومة اللبنانية لم تخرج بعد من إطارها الشرعي والرسمي والحكومي، وأن حديث البعض عن دور للأهالي في بناء العلاقات بين هذه القوات والمنطقة يشكل خروجا على قواعد السلوك التي تحكم نشاط هذه القوات وعلاقتها بالمسؤولين اللبنانيين. أما في المضمون، فقد شكلت تصريحات دياب أثناء الزيارة رسالة إضافية يفترض أن تكون موجهة الى الداخل اللبناني وقبله الى مجلس الأمن الدولي الذي كان يناقش قبل أيام ملف التمديد لـ «اليونيفيل» على وقع مطالب أميركية بتقليص عديدها وتغيير في قواعد سلوكها لمزيد من الفاعلية في لجم السلاح غير الشرعي وتعزيز دور القوات العسكرية اللبنانية الشرعية كقوة وحيدة تسيطر على منطقة انتشارها في الجنوب من دون مشاركة أي قوة أخرى. ولذلك فقد أكد دياب، تجاوبا مع هذه الرغبة الدولية ولقطع الطريق على أي تعديل مرفوض في قواعد سلوك هذه القوات ودورها، تمسك لبنان الرسمي بدور هذه القوات ومهماتها كما هي، معتبرا أن وجودها هنا ليس بإرادة دولية فحسب، إنما برغبة لبنانية أيضا، مجددا تأكيد تمسك حكومته ولبنان بالتزام القرار 1701 وكل مقتضياته. كما أشار دياب الى «العدو الإسرائيلي» وحمله مسؤولية الخرق المتواصل للقرار 1701. أوساط قريبة من حزب الله تصف زيارة دياب بالجيدة وتضعها في خانة التكامل الوطني وتعزيز العلاقة بين الدولة والحكومة والجيش والمقاومة وتوحيد الموقف في اتجاه ملف سيادي واستراتيجي. وترى أن كل المطالب بتعديل قواعد الاشتباك وزيادة عديد قوات «اليونيفيل» وإعطاءها صلاحيات مداهمة القرى والتفتيش عن مخازن السلاح المزعومة ومعامل الصواريخ الدقيقة، هي إسرائيلية وأميركية وهدفها حصار المقاومة وتعطيل حركة المقاومين ووقف الإمدادات لها، لاسيما على الحدود بين لبنان وسورية. أوساط قريبة من 14 آذار تعلق على الزيارة والموقف على النحو التالي «يبدي دياب حرصا لافتا على نقض الاتهامات الدولية حول استحواذ حزب الله على الجنوب من ضمن الوضع اللبناني برمته، غرضه من ذلك تمرير المفاوضات مع صندوق النقد بأقل خسائر ممكنة، بالإضافة إلى ذلك نيته تظهير إمساك الدولة بمقاليد الوضع الجنوبي، يساعده في ذلك حزب الله الذي لم يتدخل بالزيارة مطلقا، كذلك الجيش اللبناني بعدما أضفى حضور قائد الجيش جوزف عون «الكمال السيادي» عليها. لا تستبعد هذه الأوساط التداخل بين ما حصل في بليدا والذي يدور على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد، مما أدى إلى تسريع إتمام الزيارة إلى الجنوب ولفها بإطار بعث الرسائل إلى أكثر من موقع. من جملة هذه الرسائل تلك التي صدرت عن السيد حسن نصرالله سواء تجاه «اليونيفيل» أو مفاوضات صندوق النقد. بدا نصرالله لينا ما أتاح مزيدا من الاستفادة من جانب دياب الذي يعاني من «تسرب» في قاعدة بيانات علاقاته ضمن التركيبة ويسعى إلى التعويض عبر الاستظلال باليرزة. يستظل رئيس الحكومة بقائد الجيش وهذا واضح، إنها واحدة من مفاتيح اللعبة الداخلية التي يسعى إلى الاستفادة منها كي لا يظهر مغلوبا على أمره.
في الأساس يعلم أن مصدر حمايته سياسيا يتموضع في الضاحية، لكنه يحرص على رسم «خط بياني» في العلاقة مع حارة حريك حرصا منه على استتباب أمر التفاوض مع الصندوق الدولي. لا يريد وجع رأس، لكنه في المقابل يعوض عن خسائره عبر مزيد من التعاون مع وزراء الثنائي الشيعي ورفع التنسيق مع الوزراء المحسوبين على الحزب على طاولة مجلس الوزراء.. إنها لعبة «جمع التناقضات التي ظهر أن دياب يطمح إلى إمساكها منذ مدة قصيرة».