الأغراض غير الضرورية تدمر مساحة البيت وتنتهك العلاقات الأسرية
هواية تكديس الأشياء المبالغ فيها تهدد صاحبها بالإصابة باضطراب التكديس القهري مما يخلق أكواما من الأشياء تعيق قدرته على الاستفادة من الأماكن داخل المنزل.
by العربيميل بعض الأشخاص إلى تجميع وتكديس الكثير من الأغراض غير الضرورية مثل الجرائد القديمة أو القصاصات الورقية أو الأجهزة والأدوات المنزلية المكسورة، ويرفضون التخلص منها مصرين على الاحتفاظ بها بدعوى أنهم قد يحتاجونها في يوم ما، في إشارة إلى معاناتهم من اضطراب الاكتناز القهري الذي يؤثر سلبا على حياتهم وحياة المحيطين بهم.
لندن- يجد بعض الأشخاص صعوبة في التخلي عن الأغراض المفضلة لديهم ويؤثر ميلهم إلى الاحتفاظ بالأغراض القديمة وعدم الرغبة في تغيير طريقة الحياة المعتادة ومحاولة حماية النفس من التغييرات على علاقتهم مع الأشخاص المحيطين بهم ويتسبب في الخلافات العائلية.
وأكد المختصون أن اكتناز وتكديس الأشياء لهما آثار جانبية كثيرة على الشخص وعلى المحيطين به، حيث يسبب هذا الاضطراب لصاحبه الضيق والغضب، و يؤثر على مساحة المنزل و يجعلها أضيق، ويصيب العلاقات الأسرية بالتصدع ويثير الكثير من المشاكل بين أفراد الأسرة، كما أن المصابين بهذا الاضطراب يبدأون في الابتعاد عن جميع معارفهم وأصدقائهم ويفضلون العزلة الاجتماعية.
وذكر محمد بن عمر أنه فوجئ بعد مدة قصيرة من الزواج بأن زوجته لا تفكر في الاستغناء عن أبسط الأشياء وتسعى دائما للاحتفاظ بكل أغراضها التي يرى أنه لا أهمية لها في حين ترى زوجته أنها ذات أهمية بالغة ويجب الاحتفاظ بها.
وأشار إلى أنه يوما بعد يوم لاحظ تكدس الكثير من الأشياء التي لا موجب لها ولا يحتاجون إليها مما أحدث فوضى عارمة في كافة أرجاء البيت، وذلك على العكس من توجهه الذي يروم النظام وعدم المبالغة في تكديس الأشياء.
وبين علماء النفس أنه غالبا لا يتقبل شريك الحياة مباركة الشريك على تكديس الأشياء في المنزل والاحتفاظ بأشياء قديمة تثير الفوضى، وأشاروا إلى أن التخلص من كل الأشياء التي يتم تكدسيها مرة واحدة قد يؤدي إلى الشعور بالندم ويعزز مشاعر القلق.
وقال إيهاب رزقي “عندما أفتح أدراج المطبخ أو خزانة الملابس وأرفف المكتب والشرفة وأدراج الطاولات وأينما توجّهت في منزلي أجد كومة من الأشياء التي كدستها زوجتي على مر السنين، أشياء لا فائدة ترجى منها، ترى زوجتي أنه من خلالها تحافظ على ذكرياتها فكل غرض منها يحمل ذكرى معينة خاصة، متجاهلة حجم الإزعاج الذي تسببه لكافة أفراد الأسرة الذين يعبرون على الدوام عن عدم حاجتهم إلى هذه الأشياء التي تملأ حياتهم بالفوضى وتؤثر على راحتهم النفسية التي يحتاجون إليها في منزلهم الذي يفترض أن يجدوا فيه السكينة والنظام لا الفوضى وتكدس الأشياء غير الضرورية”.
وأوضح الخبراء أن هواية تكديس الأشياء المبالغ فيها تهدد صاحبها بالإصابة باضطراب التكديس القهري، الذي عرفته الجمعية الأميركية للطب النفسي بأنه الإفراط في جمع الأشياء التي قد يراها الآخرون عديمة القيمة، فالمصابون باضطراب التكديس القهري يجدون صعوبة في التخلص من ممتلكاتهم أيا كانت، مما يخلق أكواما من الأشياء تعيق قدرتهم على الاستفادة من أماكن معيشتهم أو عملهم.
وأكدت الجمعية الأميركية للطب النفسي أن تكديس الأشياء لا يدمر مساحة البيت فقط، بل يتجاوز ذلك لينتهك العلاقات بين أفراد الأسرة، مشيرة إلى أن الأشياء التي يتم تكدسيها لا بد أن تؤثر على الأشخاص الذين يتشاركون البيت، سواء كانوا أهلك أو زوجتك أو زملاء تشاركهم السكن.
وذكرت أن التكديس في نهاية المطاف يؤدي إلى خلق صراعات داخل العائلة ويفكك أواصر العلاقات الأسرية، منبهة إلى أن المكدسين يميلون إلى العزلة، خاصة أنهم لا يستطيعون استقبال الضيوف أو الأصدقاء في بيوت مملوءة بالخردة، ناهيك عن الارتباط الوثيق بين التكديس والشراء القهري، إذ يجد المكدسون أنفسهم دائما في أزمة مالية يخلقها إنفاقهم المتزايد على شراء أشياء لا يحتاجون إليها وعجزهم المتواصل عن سداد الفواتير. وكشفت الدراسات أن الأشخاص الذين يزيد عمرهم عن 55 عاماً يكونون أكثر عرضة لهذا الاضطراب ثلاث مرات مقارنة بباقي الأشخاص، وإن كانت البدايات الحقيقية للمرض قد تظهر في سن المراهقة عند بعض الأشخاص. وتوصلت دراسة أميركية أنجزت سنة 2014، إلى أن 70 في المئة من المصابين بالاكتناز القهري كانوا من النساء، بينما كان منهم 85 في المئة غير متزوجين.
وأوضح عالم النفس الإنجليزي الدكتور توم جراهام أن معالجة البيانات والتصنيف داخل عقل الشخص المصاب باضطراب الاكتناز تكون مختلفة عن الشخص الطبيعي، حيث يعتقد أن المصاب بهذا الاضطراب يتعرض لمشاعر متضاربة من الحيرة وعدم الثقة والقلق أثناء عملية اتخاذ القرار، وهذا ربما يكون السبب الرئيسي لميل المصاب إلى الاحتفاظ بأي شيء وعدم التخلص منه، حتى لو كانت قيمة الشيء شبه معدومة، لكي يريح نفسه من عناء التفكير واتخاذ قرار التخلص من الشيء أو إبقائه.
وقالت ناشطة على فيسبوك “زوجي مصاب باضطراب الاكتناز القهري.. وكلما أريد التخلص من شيء قديم لا فائدة ترجى منه يعترض بشدة وأجبرني ذلك على التخلص من الكثير من الأشياء في غيابه”.
وصرحت أخرى “كان زوجي مصابا بهذا الاضطراب وعبرت له عن انزعاجي من هذا الأمر مرارا وتكرارا، ووصل الأمر إلى نشوب خلافات كثيرة بيننا، حتى أصبحت أرسل إليه فيديوهات عن تأثير ذلك على الطاقة والرزق وأن اختزانه للغبار يجلب الطاقة السلبية وأن بيوت الأثرياء لا تحتوي على ‘كراكيب’ حتى أصبح يتخلص من كل شيء فائض وغير مهم”.
ولفت الخبراء إلى أن المصاب بهذا الاضطراب يجد صعوبة في تنظيم المهام اليومية واتخاذ القرارات ويتبنى المماطلة والتأجيل كأسلوب حياة، كما أنه يشعر بالإحراج أمام الآخرين والرغبة في الانعزال وعدم التواصل الاجتماعي هربًا من حكم الآخرين عليه.
70 في المئة من المصابين بالاكتناز القهري كانوا من النساء، بينما كان منهم 85 في المئة غير متزوجين
وأشاروا إلى أنه يسهل تمييز اضطراب الاكتناز القهري والتكديس عن هواية جمع الطوابع أو أعداد المجلات القديمة أو العملات المالية أو حتى جمع طراز معين من السيارات، فمحبو الجمع يبحثون عن أصناف بعينها من الأشياء ذات القيمة المعنوية أو المادية، ومن ثم ترتيبها وتصنيفها وعرضها بشكل مُنسّق على الآخرين والتباهي بها. على عكس مرضى التكديس، الذين يجمعون أي شيء وكل شيء بلا تنسيق أو تنظيم ومن ثم وضعه في أي مكان دون الاهتمام به أو بالحفاظ على حالته ويخجلون من عرضه على الناس.
كما أن هواة الجمع لا يشعرون بالضيق من امتلاء أماكن معيشتهم بالأشياء التي يقومون بتجميعها وتتسبب في خلق فوضى في المكان، حيث إن الشعور بالضيق واحد من أعراض اضطراب الاكتناز.
ونبهت دراسات إلى أن هناك عوامل وراثية في الإصابة بهذا الاضطراب. وربط علماء نفس بين الأزمات النفسية الحادة، كفقدان حبيب أو وفاة أحد أفراد الأسرة أو الطلاق أو الطرد من العمل أو فقدان بعض الممتلكات في كارثة طبيعية مثل الزلزال أو الحريق أو الإعصار، وبين الإصابة بهذا الاضطراب. كما لوحظ على المكتنزين وجود أعراض اضطرابات نفسية إدمان الكحول.
وأكد المختصون أن التخلص من الأشياء المتراكمة يبث البهجة في نفوس كافة أفراد الأسرة لكن الأشياء المرتبطة بذكريات عاطفية قد تمثل جزءا من الحياة ويصعب التفريط فيها، ونصحوا الأقارب والأصدقاء الذين يعرفون شخصا مصابا بهذا الاضطراب بألا يجبروه على فرز الأشياء المتراكمة، ولا يعطوا أنفسهم الحق في فرزها نيابة عنه، حيث إن هذا قد يسبب له أزمة نفسية.