عصفور ترامب
العقل المحافظ هو الذي يتمسك بالخضوع للعتيق. هو ذاته. سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو علميا. لا فرق إن كان أشقر أو أسمر. ولا فرق إن كان يجلس على أقوى كرسي في العالم أو على كرسي حلاق في شارع من شوارع العالم العربي.
by إبراهيم الجبينتقاس حيوية الأمم بإنتاجها، سواء كان ذلك الإنتاج علميا أو اقتصاديا أو حتى بيولوجيا، أما مردود ذلك الإنتاج فلا ينظر إليه بعين الاعتبار على مسطرة الزمن. فقد يعود الخير بعد سنين طويلة، وقد لا يعود، لأن ذلك رهن بعلم آخر لا يزال العرب يتهربون منه، ويلحقونه بما يسمى ”علم الغيب“.
لا بأس باليقين. ولكن الخطو في القادم من الزمن نوع من السير على أرض عشبية رطبة. من يدري متى تتحول إلى مستنقع أو بحيرة؟ ولا يصح أن نترك الخطى ومصيرها على الاتكال.
يدرس العالم اليوم كيف سيكون شكل الحياة بعد كورونا. العرب لم يصلوا بعد إلا زمن ما قبل كورونا. يعيشون في الماضي السحيق، فهو الأسلم بالنسبة إليهم. لأن المستقبل متطلب وضريبته باهظة.
هل يدرك من يطالب حكومات العالم الثالث بالتفكير في الغد ما الذي ستعنيه موافقتها على ذلك؟ إنه نوع من التجدد الذاتي الشامل في كافة وجوه الحياة. ليس في الإنسان وحسب بل أيضا في العمران واللباس والصورة والصوت والكلمة والطعام. وكم هو صعب هذا الانتقال، بما سيمزقه من ارتباط حميمي ما بين التخلف وصاحبه. عاشا معا وكبرا معا وتصادقا، حتى بات كل منهما في حاجة إلى الآخر لكي يستمر. ولكن حتى الطيور والأفاعي تغير ريشها وجلودها. ما نفع جلد قديم ميت وإن كان فائق الجمال لكنه يمنع الجسد الحي من التنفس؟
ويبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب بيباسة رأسه، وكأنه واحد منا، نحن العرب، يناطح الجميع بلا مبرر ويعاند التغيير. فلم يسلم من لسانه ساسة ولا صحافة ولا حتى تويتر الذي كان المكان الأبرز لشعبيته وحضوره وقراراته الكبرى. ومن حسابه على تويتر كان يحرك الجيوش ويهدد ويرغي ويزبد.
أما هذه الأيام فقد وضع تويتر ترامب في رأسه، وأرسل له التحذيرات. ليرد عليه بالوعيد والتهديد. وكان لهاتين التغريدتين أثر كبير يكشف كيف يفكر ترامب “يشعر الجمهوريون أن منصات التواصل الاجتماعي تعمل على إسكات أصوات المحافظين تماما”. وأيضا “سننظمها بقوة أو سنغلقها قبل أن نسمح لها بحدوث ذلك”. حتى بدا عصفور ترامب وكأنه ينقر محاولا تكسير الشاشة غضبا.
أليس طبيعيا أن تحاول الوسائل الحديثة جدا إسكات الأصوات المحافظة ذات الأفكار القديمة جدا؟ العقل المحافظ هو الذي يتمسك بالخضوع للعتيق. هو ذاته. سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو علميا. لا فرق إن كان أشقر أو أسمر. ولا فرق إن كان يجلس على أقوى كرسي في العالم أو على كرسي حلاق في شارع من شوارع العالم العربي.