معضلة المياه تلاحق العراق في زمن أزمته المركّبة
مشكلة المياه تجعل العراق تحت رحمة طهران وأنقرة اللّتين لم تتردّدا في السطو على حصّته المائية مستغلّتين انصراف الحكومة عن هذه قضية الحيوية.
by العربمشكلة المياه التي تزداد تفاقما عاما بعد عام في العراق في غياب استراتيجية حكومية واضحة لمعالجتها، تمثّل الضلع المكمّل لمظاهر تراجع الدولة العراقية على مختلف الأصعدة وتعاظم مشاكلها، وهي كذلك وجه من وجوه ضعف دبلوماسية العراق وعدم قدرتها على إدارة مفاوضات جادة مع تركيا، وبدرجة أقل مع إيران، للحفاظ على الحصة المائية للبلد من الأنهار التي تنبع من أراضي الدولتين الجارتين.
بغداد- أعادت مطالبة لجنة نيابية عراقية بالضغط على تركيا لزيادة الحصّة المائية للعراق تسليط الأضواء على معضلة المياه في البلد، وذلك على أبواب صيف قد لا تقتصر حرارته على الطقس لتمتدّ إلى الشارع الذي اعتاد منذ سنوات على تصعيد حراكه الاحتجاجي في مثل هذا الفصل من كلّ عام، حيث تبرز مشاكل إضافية من بينها نقص الكهرباء وندرة المياه النظيفة الصالحة للشرب.
ويجعل وقوع منابع أهمّ الأنهار التي يعتمد عليها العراق في توفير المياه المستخدمة في الشرب والزراعة والصناعة، في كلّ من تركيا وإيران، العراقيين تحت رحمة طهران وأنقرة اللّتين لم تتردّدا في السطو على حصّته المائية، مستغلّتين ضعف حكوماته المتعاقبة منذ سنة 2003 وانصرافها عن قضية المياه الحيوية ذات الامتدادات الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة.
ودعت لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى استخدام الملف الاقتصادي للضغط على دول منابع المياه من أجل زيادة حصة العراق المائية.
وقال نائب رئيس اللجنة منصور البعيجي في بيان صحافي إنّ على الحكومة “التدخل سريعا للضغط على تركيا لزيادة حصتنا المائية، خصوصا أن لأنقرة ملفا اقتصاديا كبيرا في العراق، يجب على الحكومة استخدامه وسيلة ضغط وعدم اتخاذ موقف المتفرج جراء ما يحصل من حرب مياه نتعرض لها منذ فترة طويلة من قبل دول المنبع”.
وأضاف البيان ذاته يجب أن “تكون هناك زيادة في حصة العراق من قبل دول المنبع لأن حرب المياه لا تقل خطورة عن الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، لأنّها ستدمر الزراعة في بلدنا خصوصا بعد هبوط أسعار النفط بسبب جائحة كورونا، وضرورة عدم الاعتماد على النفط وتنويع مصادر إيرادات الدولة ومنها القطاع الزراعي”.
ولم تغب قضية شح المياه عن المظاهرات التي شهدها العراق في مواسم الصيف الماضية، دون أنّ يتحقّق ما طالب به المحتجّون في ظلّ غياب المعالجات الحكومية الناجعة للملف، وكذلك عدم امتلاك بغداد لأوراق ضغط على تركيا بعد أن أثّرت مشاريعها الاقتصادية الكبرى على حصّة العراق المائية في نهري دجلة والفرات، على غرار سدّ أليسو الضخم المقام على نهر دجلة في منطقة الحدود بين محافظتي ماردين وشرناق، والذي شرعت تركيا في ملئه دون التشاور مع العراق.
وعلى عكس ما هو منتظر بشأن استخدام العراق لبعض الأوراق للضغط على تركيا لاحترام حقوقه المائية، تستخدم أنقرة الملف ذاته لممارسة ضغوط عكسية على بغداد لتحصيل المزيد من المكاسب خصوصا الاقتصادية والأمنية.
ومن الأهداف التركية الحصول على امتياز ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيا من قبل أنقرة، بحريّة داخل الأراضي العراقية، وصولا إلى إقامة قواعد عسكرية داخل العراق، وهو ما تقوم به تركيا عمليا وتفرضه كأمر واقع ولكن دون موافقة رسمية معلنة من قبل السلطات العراقية.
ويحاول العراق منذ سنوات التوصّل إلى تفاهمات مع تركيا للحفاظ على حصّته المائية في دجلة وتجنّب أزمة جديدة من شأنها أن تعكّر أوضاعه الصعبة أصلا، لكن غياب الاستراتيجية الواضحة لدى الطرف العراقي منعته من تحقيق أي مكسب يذكر في هذا المجال.
وكان العراق قد اضطرّ في سنة 2018 إلى ممارسة التقشّف المائي من خلال تحديده أنواع المزوعات المسموح للفلاحين بزراعتها على أساس اختيار أقل الأنواع استهلالكا للمياه.