https://www.aleqt.com/sites/default/files/styles/scale_660/public/rbitem/2020/05/29/1390701-905116100.jpeg?itok=qfFL4BHp

أوروبا على حافة تغير تاريخي في عصر الجائحة .. صندوق التعافي الاقتصادي يحطم المحاذير

by

اعتاد الاتحاد الأوروبي على الإحباط وخيبة الأمل عندما يحاول بلورة تعامل جماعي مشترك مع أي أزمة اقتصادية كبيرة، لكن خطاب أورسولا فون دير لين رئيسة المفوضية الأوروبية أمام البرلمان الأوروبي أمس الأول، بشأن مشروع إنشاء صندوق التعافي الأوروبي لمواجهة تداعيات الجائحة يمكن أن يكون خطابا تاريخيا.
ووفقا لـ"الألمانية"، يقول فرديناندو جيوجليانو المحلل الاقتصادي الإيطالي، إن رئيسة المفوضية عرضت مشروع الصندوق المقدرة قيمته بـ 750 مليار يورو (825 مليار دولار) لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة تداعيات الجائحة.
وأضاف، ما زال المشروع يحتاج إلى موافقة دول الاتحاد الأوروبي بالإجماع حتى يدخل حيز التطبيق، إذ إنه من المحتمل أن تعارضه بعض دول شمال أوروبا وبخاصة هولندا والنمسا، ورغم ذلك فإنه إذا توصلت دول الاتحاد إلى اتفاق على شيء قريب مما طرحته فون دير لين فسيمثل ذلك تحولا جذريا للاتحاد.
وأكد في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء، أن المفوضية تعتزم، وفقا للمشروع المقترح اقتراض مبلغ مالي كبير من أسواق المال الدولي ثم تقوم بتوزيعه على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة من 2021 إلى 2024، بحيث تحصل الدول الأشد تضررا من الجائحة اقتصاديا، على الجزء الأكبر من التمويل.
وأشار إلى أنه في الوقت نفسه، سيتم تقسيم أموال الصندوق إلى عدة أجزاء، الجزء الأول بقيمة 500 مليار يورو يتم دفعه إلى "آلية التعافي والمرونة" ليوجه إلى الحكومات مباشرة، كما سيتم تخصيص 31 مليار يورو لبرنامج دعم الشركات، التي تحتاج إلى مساعدة حكومية مؤقتة، و9.4 مليار يورو للاستعداد لمواجهة أي أزمات صحية كبيرة في المستقبل.
وبحسب جيوجليانو، الذي ينشر تحليلاته في عديد من وسائل الإعلام الأوروبية مثل صحيفة "لو ريبابليكا" الإيطالية، فإن إيطاليا وإسبانيا ستكون أكثر المستفيدين من الصندوق، في حين ستحصل ألمانيا على جزء صغير نسبيا، وبعد ذلك سترد المفوضية الأوروبية الأموال المقترضة للدائنين من خلال ميزانيتها على مدى فترة طويلة تصل إلى أربعة عقود.
وأكد أن ذلك الصندوق يحطم مجموعة من محاذير الاتحاد الأوروبي، فالجزء الأكبر من أموال الصندوق، ستقترضه المفوضية من أسواق المال، في الوقت نفسه، فإنه لن يتم إصدار "سندات يورو" مشتركة بالشكل الكلاسيكي، لأن الدول الأعضاء ستظل ملزمة بدفع مساهماتها بشكل منفرد في ميزانية الاتحاد الأوروبي، التي يتم حسابها على أساس نسبة من إجمالي الناتج المحلي لكل دولة، ليتم سداد ما اقترضه الصندوق من هذه المساهمات.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يكون عمل هذا الصندوق لمرة واحدة ومرتبط بالجائحة، ورغم ذلك فإنه سيكون نموذجا مفيدا جدا إذا ما اختارت منطقة اليورو الاقتراب بصورة أكبر من الاتحاد المالي المطلوب بشدة الآن. وأضاف: "التغير الثاني الكبير بالنسبة للاتحاد الأوروبي يتمثل في أن نحو ثلثي أموال صندوق التعافي المنتظر سيقدم للدول المحتاجة في صورة منح لا ترد وليست قروضا، وهذا هو الجزء الأشد إثارة للجدل في الخطة، ويمكن أن يتم تعديله في المفاوضات المنتظرة بشأن الخطة بين الدول الأعضاء".
وأفاد بأن في الوقت نفسه ستكون هناك خلافات عديدة مرتبطة بهذه النقطة لأن الدول، التي ستحصل على المنح ستلتزم بتطبيق إصلاحات اقتصادية، كما ستكون ملزمة برصد نفقات إضافية لتحقيق أولويات الاتحاد الأوروبي مثل الاستثمار في مجال التكنولوجيا ومواجهة ظاهرة التغير المناخي، ومع ذلك يظل اعتماد مبدأ تقديم منح لدول الاتحاد الأوروبي تحولا كبيرا، مقارنة بآلية التمويل الحالية المعروفة باسم آلية الاستقرار الأوروبية التي لا تقدم إلا قروضا للدول المتعثرة ماليا.
وأكد أن المحظور الثالث المحتمل تحطيمه هو عدم فرض أي ضريبة موحدة على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث إن المفوضية تتطلع إلى إيجاد مصدر جديد مستمر لإيراداتها، الذي يمكن أن يساعد على ديون صندوق التعافي، ويشمل المصدر المقترح فرض ضرائب بيئية ورسوم على الشركات متعددة الجنسية لمصلحة المفوضية. وأشار إلى أن هذا هو الجزء الأشد غموضا في خطة المفوضية الأوروبية للتعافي، لكنه يمكن أن يكون الجزء الأكثر عمقا فيها، فهو يمكن أن يمثل بذرة خزانة عامة للاتحاد الأوروبي، التي يمكنها إنفاق أموالها، حيثما ترى ملائما في المستقبل.
ويرى المحلل الإيطالي فرديناندو جيوجليانو، أن فون دير لين رئيسة المفوضية الأوروبية، ستواجه وقتا عصيبا لتسويق هذه الخطة لدى الدول الأوروبية الأربع المحافظة ماليا والمعروفة باسم "الرباعي المقتصد" وهي الدنمارك والنمسا وهولندا والسويد، إذ إن هذه الدول تفضل تقديم المساعدات لدول الاتحاد المتعثرة ماليا كقروض، خوفا من إساءة استخدام الأموال، التي تقدم كمنح.
وأكد أنه في حين تستفيد دول شرق أوروبا تقليديا من الجزء الأكبر من مخصصات "صندوق التماسك" الخاص بالاتحاد الأوروبي، فإنها لن تكون في مقدمة المستفيدين من أموال صندوق التعافي المنتظر، نظرا لأنها الأقل تضررا من جائحة كورونا، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة كيف ستتعامل هذه الدول مع مشروع الصندوق المقترح، الذي يحتاج إلى الموافقة بالإجماع لتمريره، وهو ما سيكون من الصعب تأمينه في ضوء المواقف الراهنة لدول الاتحاد. وقال: "مع ذلك يمكن لرئيسة المفوضية الأوروبية الاعتماد على دعم ألمانيا وفرنسا، وهما أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي، واللتين طرحتا مشروعا مشابها لمشروع المفوضية الأوروبية، لكن برأسمال قدره 500 مليار يورو، كما أن إسبانيا وإيطاليا ودول جنوب أوروبا الأخرى ستؤيد مشروع المفوضية، لأنها ستحصل على الجزء الأكبر من أمواله".
وأكد أنه إذا ما تم إقرار خطة الاتحاد الأوروبي، فإن التاريخ سيتذكر عام 2020 بالنسبة إلى الاتحاد بأنه أكثر من مجرد العام الذي شهد الجائحة.