تجليات القصة القصيرة الإيرانية

المترجم المغربي أحمد موسى يختار ثلاثة عشر نصا لثلاثة عشر قاصا إيرانبا ويترجمها إلى العربية.

by
https://i.middle-east-online.com/styles/article_book_cover/s3/2020-05/ham2_11.jpg?csDZPbpixsgZM1F.GFE7bXUWzzOvshDn&h=61f332b9&itok=AxzXhQh6
https://i.middle-east-online.com/styles/home_special_coverage_1920xauto/s3/2020-05/ham5_4.jpg?5ziIPEyIFaX9Cpjf.FqfhJ_nNFYffVDF&itok=uFJPNUgt
الأدب الإيراني في مساره الحديث يتجه صوب الرواية والقصة

تشكل هذه المختارات القصصية القصيرة الموسومة بـ "ربيع كتماندو الأزرق" إلى حد كبير مشهد القصة القصيرة في إيران، ومن جانب آخر تستجلي كوامن الحياة الاجتماعية الإيرانية، بآلامها وآمالها، على مدى عقود عدة، حيث تنبش في دوافنها المثقلة بعبق التاريخ وسحر التراث وبديع الذاكرة، والغنية بالأبعاد الإنسانية والروحية، وتنقّب في أصداف القصص عن النفاسة والبهاء واللآلئ الشرقية ذائعة الصيت.
تضم المختارات التي صدرت عن دار الربيع العربي ثلاثة عشر نصاً أبدعها ثلاثة عشر قاصّاً وقاصّة من أبرز وأشهر الكُتّاب الإيرانيين الذين لمع نجمهم وحاز الكثير منهم أرفع الجوائز، محلياً وعالمياً، تفتح نصوصها على عوالم حكائية لهؤلاء النخبة من الأدباء الإيرانيين بفضاءاتها التخيلية عاكسة تنوعاً وتشعباً في القضايا المعالجة والأسئلة المطروحة.
الأدباء ونصوصهم: صادق هدايت "داود الأحدب"، جلال آل أحمد "تزاور العيد"، بهرام صادقي "مع كامل الأسف"، غلام حسين ساعدي "المفتش"، جمال مير صادقي "طق طق"، أحمد محمود "مدينتنا الصغيرة"، إسماعيل فصيح "عقد قران"، علي أشرف درويشيان "الحَمَّام"، كلي ترقي "سيدة روحي الكبيرة"، شهرنوش بارسي بور "ربيع كتماندو الأزرق"، منيرو رواني بور "كنيزو"، زويا بيرزاد "بقعة"، عباس معروفي "حفل السآمة".
المترجم د.أحمد موسى الذي يعمل حاليًا أستاذًا للغة الفارسية وآدابها والأدب المقارن في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة / المغرب، قدم للمختارات بدراسة أضاء فيها مشهد القصة القصيرة الإيرانية ومراحل تطوره، حيث قال إن "الأدب الإيراني في مساره الحديث يتجه صوب الرواية والقصة. ولأن الكتابة في قالب القصة والرواية تلقى إقبالًا متزايدًا في المجتمع الإيراني بات الكُتَّاب والمبدعون يركّزون في منجزاتهم على هذا الجنس الأدبي أكثر من ذي قبل. ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن الناس يرون صورة حياتهم وأحوالهم وأحداث مجتمعهم منعكسة بجلاء أكثر في مرآة الأدب القصصي، وأن الرواية والقصة القصيرة أضحتا من أكثر القوالب الأدبية واقعية وقدرة على وصف التحولات المجتمعية ورسمها.

ومن المؤكد أن هذا الجنس الأدبي الاجتماعي الذي لم يمر وقت طويل على ظهوره في إيران سوف يواصل مسيرة نضجه وتكامله. يعتقد النقاد في إيران أن مرحلة ما بعد الثورة الدستورية (1906) هي مرحلة الرواية والقصة بامتياز، والدليل على ذلك هو كثرة الآثار القصصية المنشورة.
وأضاف أن الرواية والقصة القصيرة بشكلهما الغربي وأسلوبهما المعاصر دخيلتان على إيران من الثقافة الغربية، ولا يتعدى عمرهما المائة عام. في البدء كانت الأعمال الروائية ترد إلى إيران باللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية والتركية والعربية ويطّلع عليها فقط من لهم دراية بهذه اللغات، ثم في مرحلة لاحقة نشطت الترجمة الفارسية وأقبل الكُتّاب والمترجمون على نقل هذه الإبداعات إلى لغتهم مما كان له عظيم الأثر على تحسين الأسلوب الفارسي وتخليص اللغة الفارسية من شكلها القديم وتحديثها وجعلها أكثر يسرًا وسلاسة.
ولفت موسى أن بعض النقاد الإيرانيين يرون أن شروع الكتابة القصصية في إيران شكّل ثورة لغوية، حيث اتجهت اللغة الفارسية في هذا الإبان إلى أحضان الطبقة الشعبية واقتربت من ذوق عوام الناس وإدراكهم ولغتهم. لذلك شاعت الكتابة البسيطة والخالية من التكلّف والممتزجة باللغة العامية، ولعل الكاتب والقاص الرائد محمد علي جمال زادة كان تتويجًا وخير مثال لهذا المسار، كيف لا وهو الذي به يُؤرخ للأدب القصصي الإيراني المعاصر، ويعتبر حدثًا مهمًا في تاريخ الأدب الإيراني، وهو صاحب أول مجموعة قصصية إيرانية "يكي بود يكي نبود" (كان يا ما كان). بعد جمال زادة، عُدَّ صادق هدايت أبرز كاتب قصصي وصاحب أسلوب في الكتابة القصصية. أولى قصصه الرائعة رأت النور في باريس: مادلن، حي بقبر، الأسير الفرنسي، حاجي مراد. وبعد عودته إلى إيران كتب مجموعة من القصص أبرزها قصة "داود الأحدب" التي ارتأيت جعلها فاتحة هذه المختارات. إذن يعتبر هدايت نقطة تحول في القص الإيراني ومعه بدأت الحياة الأدبية الجديدة في إيران. 
وأوضح أنه بعد جمال زادة وهدايت جاءت كوكبة من الكُتَّاب القصصيين امتاز كلّ منهم بأسلوبه المتفرد وسماته الخاصة. جلال آل أحمد أحد الكبار الذين جعلوا الأدب رسالة ومسؤولية، وتميّز عن سابقيه برؤاه الاجتماعية والتزامه الكبير وأفقه المتنور، وكل هذه الخصال انعكست في أعماله بوضوح. من أشهر أعماله القصصية مجموعة "ديد وباز ديد" (التزاور) التي اخترت منها قصة "تزاور العيد" وضمَّنتها هذه الأضمومة. بهرام صادقي هو الآخر يُصنَّف ضمن الكبار رغم قلة آثاره. امتاز صادقي بالبحث في عمق الطبقات الذهنية لمجايليه. أثراه المشهوران هما تواليًا رواية "ملكوت" التي ترجمتها إلى العربية تحت عنوان "جن إيراني" وصدرت عن منشورات الربيع عام 2018، ومجموعة قصصه "الخندق والأكواز الفارغة"، وانتقيت منها قصة "مع كامل الأسف" الموجودة بين قصص هذه المختارات.
ورأى موسى أنه مع عقد الستينيات من القرن الماضي فُتح باب جديد في وجه الأدب القصصي في إيران؛ وبزغ نجم كُتَّاب أضفوا على القصة القصيرة الإيرانية رونقًا. غلام حسين ساعدي أبدع في توصيف الفقر وتشريحه وكتب المسرح أيضًا. أصدر آثارًا خالدة، من أشهرها مجموعتي "أصحاب عزاء بيل" و"سمرٌ بهيٌّ"، التي اخترت منها قصة "المفتش" المدرجة ضمن هذه النصوص المترجمة. جمال مير صادقي من الكُتَّاب البارزين الذين أوجدوا طيفًا جديدًا من القصص التي تتناول المنطقة الفاصلة في الحياة بين الأصالة والحداثة. شهرته عمّت الآفاق وأعماله تُرجمت إلى عدة لغات عالمية. خلّف آثارًا كثيرة من أبرزها رواية "طول الليل"، ومجموعة "الخوف" التي ترجمت منها قصة "طق طق". 
أحمد محمود هو الآخر بصم هذه المرحلة بطابعه الخاص وساهم في إحداث التحول الذي شهدته القصة القصيرة في إيران. أعماله نالت شهرة كبيرة، أخص منها بالذكر روايته "الجيران". أما مجموعته "الصبي البلدي" فاخترت منها قصة "مدينتنا الصغيرة". 

https://i.middle-east-online.com/styles/slick_media/s3/2020-05/ham3_11.jpg?peHZI4HDSdPLaCr_g.7Epeyl7.zn8mIe&itok=dTstNF0-
https://i.middle-east-online.com/styles/slick_media/s3/2020-05/ham4_6.jpg?Rqvys7U1qF9Hg2exkcPUC5EeV.27V.Lk&itok=TVvHsU-l
https://i.middle-east-online.com/styles/slick_media/s3/2020-05/ham_13.jpg?3IcOiJqlOi85bcBDz9m4aKPkucbsh0W1&itok=AzUdPZ7X

من رواد هذه المرحلة أيضًا الكاتب المبرّز القاص والروائي المعروف إسماعيل فصيح. كتاباته كانت دومًا تحظى بقبول القراء والمثقفين في إيران رغم إهمال النقاد لأعماله. الكثير من قصصه تدور حول تجربته الخاصة في الحياة. عُرف بغزارة إنتاجه. من آثاره الجديرة بالذكر رواية "شتاء 1984". اخترت له في هذه المجموعة قصة "عقد قران". 
من الوجوه البارزة أيضًا في هذه المرحلة من تاريخ الأدب القصصي الإيراني الكاتب والقاص التقدمي علي أشرف درويشيان الذي عرّت كتاباته القصصية واقع الطبقة المعدمة والفقيرة في المجتمع الإيراني في التاريخ المعاصر إبان عصر محمد رضا شاه. انعكست مصاعب حياة هذا القاص في مرحلتي الطفولة والحداثة، بشكل خاص، في مجموعته القصصية "آبشوران" التي انتقيت منها قصة "الحمّام" المقدّمة للقراء في هذه المختارات. وهي المجموعة التي كنت قد ترجمتها في العام 2016.
وأشار إلى أنه في عقد الثمانينيات والتسعينيات برزت أسماء واعدة ومؤثرة، رجالية ونسائية، أشير على وجه الخصوص إلى القاصة المبدعة گلی ترقی التي صوّرت في أعمالها صورة الإنسان المريض واليائس والعاجز والمنزوي، الأشخاص الذين لا يربطهم بالمجتمع أي رابط. من بين أحسن قصصها قصتها المترجمة في هذه المختارات "سيدة روحي الكبيرة"، وقصتي "حافلة شميران" و"بيتي في السماء". 
شهرنوش پارسی پور، كاتبة وقاصة ومترجمة تنتمي إلى هذا الجيل، مشاغبة وجريئة في كتاباتها وآرائها التي طالما أثارت ضجة. من منجزاتها الخالدة رواية "طوبا ومعنى الليل"، ومجموعة قصص تحمل عنوان "قلادات بلورية" وقد اخترت منها قصتها البديعة "ربيع كتماندو الأزرق". 
منيرو رواني پور التي اشتهرت بروايتها "الغرقى" ومجموعتها القصصية "كنيزو" التي ترجمت منها قصة "كنيزو" الرائعة في هذا الكتاب، هي الأخرى من الروائيات والقاصات ذوات الباع الكبير والأثر البارز في هذه المرحلة. 
زويا پیرزاد، الكاتبة الإيرانية ذات الخلفية الدينية المسيحية، مجتهدة، وكثيرة العطاء. حازت على جوائز عدة في إيران وخارجها، وهي أيضًا مترجمة. لها إبداعات كثيرة جيدة، من أشهرها رواية "أنا سأطفئ المصابيح"، والمجموعة القصصية "ككل العصاري" التي انتقيت منها قصة "بقعة" وقدمتها للقارئ في هذه المختارات.
 وأخيرًا جعلت خاتمة هذه القصص المنتقاة "حفل السآمة"، وهي قصة مقتطفة من مجموعة "آخِرُ أحسنِ جيل" للقاص والروائي والشاعر وكاتب المسرحية عباس معروفي صاحب رائعة "سيمفونية الموتى" التي ترجمتها إلى اللغة العربية وصدرت عن دار المتوسط بميلانو غرة العام 2018.
وختم موسى بقوله إن محتويات أي كتاب يعكس، إلى حد كبير، ما يستحسنه الكاتب شخصيًا. قد يبدو لبعض القراء أن انتقاء هذه النصوص القصصية وضمَّها في هذه المجموعة عملٌ خضع لهوى المترجم أو رغبته بعيدًا عن أي ضابط أو تفسير. ولا بد هنا من أن نتفق على نقطة أساسية، وهي أنه لا توجد مجموعة يمكنها إقناع كل القراء. لقد اخترت هذه القصص المدرجة بين دفتي هذا الكتاب بناء على أحقيتها الأدبية، لأني لمست فيها قدرتها على النفوذ إلى قلب القارئ العربي وإثارة ذائقته، وفتح عوالم القص الإيراني في وجهه. ومع كثرة النصوص واختلافها وتنوع مشارب كُتّابها وخلفياتهم، ارتأيت اختيار أروع قصة لكل قاص أو قاصة وترجمتها، وحرصت على انتقاء هؤلاء الرواد من بين آخرين كثر، وهم يمثلون تاريخ الكتابة القصصية منذ بدايته إلى الآن.