شاطئُ شكّا "يبتسم"...كارتيل الإسمنت آيلٌ للإنهيار

by

"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش

عام 1993 أصدرت الدولة اللبنانية قرارًا يمنع استيراد الإسمنت من أي مصدر خارجي دون التقدّم للحصول على إجازة من وزارة الصناعة. كان قد سبق ذلك القرار بسنوات قرار يفرض على المستورد رسومًا جمركية تصل إلى 75% من كلفة الإسمنت المستورد إضافة إلى 10% أخرى تُفرض على الإستهلاك الداخلي.

هكذا، وببضعِ قراراتٍ حمت الدولة اللبنانية كارتيل الإسمنت فارضة على السوق احتكارًا مقوننًا دون دراسة آثاره الجانبية والمباشرة والسلبية على القطاع الصناعي والبيئة وكذلك الإقتصاد بشكل عام، كرمى لعيون مكوّناً سياسيًا كان من أبرز شركاء سلطة ما بعد الحرب الأهلية.


تتقاسمُ القطاع شركات ثلاث تشكل الكارتيل الفعلي وتقسّم انتاجها فيما بينها بالنسب التالية:
تحوز شركة سبلين على نسبة 23٪؜ من الإنتاج فيما يتوزّع المتبقّي بنسبة 38٪؜ على هولسيم و39٪؜ على شركة السبع، وفي حال تجاوز احدى الشركات للنسبة الممنوحة لها يُصار إلى تعويضها في الشهر الذي يليه. تحترم هذه الشركات النسب المتفق عليها، على عكس تعاطيها مع القانون الذي تنسفه تبعًا لمصالحها!

أمّن التحاصص السياسي في حينه أرضًا خصبة لهذه الشركات كي تحتكر السوق من جهة وتتمادى بمخالفتها القوانين. لم تلتزم الشركات الثلاث بتأهيل المقالع والكسارات وتشجيرها بعد انتهاء مهل رخص الإستخدام، كما انها استفادت من غطاء سياسي لتحصيل استثناء على قرار منع الصناعات من ان تتعدى نسب البتكوك فيها 1%، لتصل إلى 6% وهي فضلات بترولية جافة تسبّب أضرارًا بيئية عالية وأمراض سرطانية.

اقتصاديًا، يتم بيع طن الإسمنت للداخل اللبناني بحوالي المئة دولار فيما تبيعه الشركات الثلاث نفسها للخارج مصدّرًا مع كل تكاليفه الإضافية بسعر وسطي يقدّر بـ 50 دولار للطن الواحد!

نجح الغطاء السياسي بتحويل كارتيل الإسمنت إلى محمية غير طبيعية، فماذا سيتغيّر اليوم؟

تتجه الحكومة اللبنانية اليوم إلى عدم تجديد رخصة معمل هولسيم في شكا، وذلك لمخالفته كل المعايير البيئية وكذلك التجارية. عدم التجديد يعني إغلاق المعمل وتوقفه عن الإنتاج، وبالتالي إرسال أكثر من ألفي عامل جلّهم من اللبنانيين إلى البيوت.

هذه الخطوة التي يمكن معالجة سلبيّاتها تستند إلى عدة عوامل ملزمة. سلوك الدولة مسار الإستيراد سيعود بمنفعة عامة أكبر لجهة الكلفة التي يكبّدها التلوث البيئي ومعالجة مرضى السرطان ودعم أدويتهم حكوميًا. خلال 27 عامًا تكبّد المواطن اللبناني ما قيمته 7 مليار دولار كان ليوفّرها لو أن الدولة سمحت باستيراد الإسمنت، فلو كان مقوننًا ومدارًا بشكل صحيح لما هرّبت الأموال من درب المال العام. سعر طن الإسمنت المستورد من تركيا أو مصر على سبيل المثال تبلغ كلفته 30 دولارًا كسعر وسطي فيما سعر الطن في لبنان هو حوالي 100 دولار!

من جهتها، أعلنت شركة السبع إقفال أبوابها وتسريح موظّفيها متذرعةً بعدم قدرتها على الإنتاج في ظل الظروف الحالية راميةً اللوم على الحكومة لتركها الفقراء لمصيرهم.

علاوةً على ذلك، تدرس الحكومة استثمار الأملاك البحرية في منطقة شكا والتي يمكن لها تعويض الوظائف المهدورة من خلال توظيف العمال في المصانع في أي منشأة سياحية أو أكثر قد تُمنح عقدًا على شاطئ المنطقة البترونية، وبحسب المعلومات فإن جهات عديدة أبدت رغبتها بالإستثمار على واحد من أجمل شواطئ لبنان.

تسعى الحكومة من خلال هذا التوجّه إلى تحرير السوق ومحاربة الإحتكار، كما الضرب بيد من حديد تجاه الغطاء السياسي الذي يؤمن استباحة المعايير البيئية وصحة المواطنين، فهل ستفتح الإستيراد لرفع المنافسة وخفض الأسعار؟ وهل ستنجح هذه المرة أم أن بعض من شكّلها سيقف حائلًا بينها وبين الإنجاز الفعلي؟

الإدّعاء أن هذه الحكومة هي حكومة تكنوقراط يحتاج لإثبات، والإثبات هو استرداد القطاعات التي تشكل ثقلًا كبيرًا لجهة المداخيل فيكون استردادها وفتح ملفاتها هو استرداد للأموال المنهوبة من الشعب، فهل سيفعلها الوزير عماد حب الله؟