واشنطن - باسيل: الصولد الكبير
by عبدالله قمح"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عثرَ الأميركي على ثغرةٍ في جدار التيار الوطني الحر تمكِّنه من استخدامها كوسيلة إبتزاز في علاقته مع حزب الله.
غالب الظّن، أن الاميركي يعتقد أنه في إبتزاز التيار لحزب الله يُحقّق هدفَين في آنٍ معاً: إرباك التيار وبالتالي إفقاده عنصر قوة يمهد لإخراجه من التحالف الصلب مع الحزب، وثانياً عزل الحزب عن الدائرة المسيحية عبر إنتزاع الغطاء عنه من خلال إبعاد التيار، وبذلك يكون حزب الله قد فقد عنصراً سياسياً أساسياً.
ما يريدُه الأميركيون اليوم من التيار البرتقالي هو الآتي: فكّ الارتباط السياسي مع حزب الله وإعادة ترسيم حدود العلاقة معه مقابل إعادة النظر أميركياً في مسألة فرض عقوبات على الجهات السياسية المتحالفة مع الحزب، بمعنى أوضح التيار.
بمعنى آخر يُريد الأميركي توظيف التيار في مجال إبتزاز حليفه وفق معادلة هجينة: "أنا ابتز التيار والتيار يتكفل بابتزاز الحزب" لقاء تجنيب نفسه غضب العقوبات.. وهكذا، يظن الاميركي أنه يحقق مكاسب على ظهر غيره وتالياً يؤسّس إلى سحب الحالة العونية تدريجياً من حضن الضاحية الجنوبية. بالنتيجة الطرفان، أي الحزب والتيار، يخسران في هذه الحالة.
أمرٌ من هذا القبيل في حال تحقّق سيؤدي إلى تمايزٍ تدريجي بين الحليفَين، والتمايز يجلبُ النقار عادةً، والنقار مصيره الطلاق في النهاية. لذلك يوزع الاميركيون الأدوار فيما بينهم. مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يتولى عملية ابتزاز القيادة العونية "من فوق" وآخرها تصريح الأربعاء الذي توعد فيه بـ"فرض عقوبات على قوى سياسية داعمة للحكومة متحالفة مع حزب الله"، والسفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا تقود "من تحت" مشروع تهدأة العونيين وفق مقتضيات وشروط جديدة تخرج بانطباع ترتيب نموذج مختلف في العلاقة مع حزب الله.
الجميع تقريباً يعلم أن شينكر يقصد في تصريحه التيار الوطني الحر تحديداً، واختياره رمي "قنبلته" الآن بشكل متزامن مع اهتزاز العلاقة بين الحليفَين الماروني والشيعي مدروس، فمن الواضح أن شينكر يريد من وراء إختيار هذا التوقيت بالذات أن يزيد من منسوب التباين بين الطرفَين من أجل مراكمةِ النتائج لاحقاً.
يُدرك الأميركيون جيداً أن التيار حذِرٌ في مسألة العلاقة مع حزب الله خشيةً من إنعكاسات التهديدات الاميركية بالعقوبات عليه، هذا ظهر منذ فترة حين بلغ "اللقلوق" معلومات عن وجود نية لدى الكونغرس في سن عقوبات على "برتقاليون" بحجة علاقتهم مع حزب الله. آنذاك، حرّك النائب جبران باسيل علاقاته في العاصمة الاميركية وقد أدّى ذلك إلى وضع الإجراءات جانباً لقاء دفع ثمنٍ "مجهول" للأميركيين!
والمشكلة أن التيار يعلم ما في داخل بنات أفكار الإدارة الاميركية في واشنطن لكنه يعمل من ضمنها، وهذا ينمُّ عن قراءتَين، فإما أنه يُراهن على تغييرات وتبدلات لاحقة فيحاول مسايرة الاميركي، أم أنه يُدرك بالضبط ما يريده الاميركيون، لذلك ترك مجالاً للتقاطع معهم لقاء أثمان سياسية ما، وهذا المرجح.
على الأرجح يبدو الاميركيون مرتاحون لهذا المسار الذي انتهجوه قبل مدة، ومن الواضح بالنسبة إليهم أنه يحقق أهدافاً سياسية لهم في مجال خلق تباعد بين الحليفَين الشيعي والمسيحي بأقلِّ أثمانٍ ممكنة، والاعتقاد السائد لدى سائر المتابعين تقريباً أن التيار يتجاوب إلى حدٍ ما مع الرغبات الاميركية لكن بشكل منتظم عبر توزيع أدوار دقيق ظهر بشكلٍ واضح خلال الاسابيع الفائتة.
إذاً، ثمّة جملة أسئلة "عميقة" تتكوّن اليوم على مسار العلاقة المهتزة بين الحليفَين الأصفر والبرتقالي: هل سيفي الابتزاز الأميركي بعرض إبعاد النائب جبران باسيل عن حزب الله ولو بدرجة محدودة كمقدمة لتوسيع الدرجات لاحقاً، وهل ثمّة وعود أميركية لباسيل بجوائز ترضية تعوّضه عن تحالفه مع الحزب؟
هل وصلت رسالة العقوبات الى اللقلوق باكراً فأعطى الايعاز الى "الجناح المتطرف" لـ"نكز" حارة حريك عبر سلسلة مواقف "تثيرها" فتؤدي غرض إظهار التباين والتمايز تمهيداً لعرضه على البيع في سوق حسبة الأميركيين؟
والسؤال الأكبر: هل بدأ باسيل الانعطاف "تكتيكياً" بغرض اللجوء صوب منطقة الأمان الأميركية من بوابة تمييز علاقته مع السفيرة شيا المحسوبة على الدائرة القريبة من الرئيس ترامب المتحكمة في القرار داخل البيت الأبيض عبر فريق وزارة الخارجية الذي يعتبر شينكر عضواً فيه سعياً لنيل تأشيرة دخول أميركية دائمة؟
باختصار يُمكن القول الآن أن معركة الرئاسة بدأت باكراً قبل عامين ونيف من موعدها، وتبدو الكفة الأرجح اليوم تميل صوب توسيع باسيل لدائرة علاقاته أميركياً عبر تميزه عن حلفائه التقليديين بقدر يكفي في اظهار التعديلات التي دخلت على مساره السياسي. من هنا يمكن قراءة إطلاقه يد الفريق السياسي المتموضع داخل "ميرنا الشالوحي" الذي يدفع صوب تحرير العلاقة مع حزب الله لقاء نيل مكتسبات في أماكن أخرى.
لذلك، مصلحة باسيل الآن تكمن في غض النظر عن التصريحات الصادرة عن كوادره بل وأطلق يدها أكثر بدليل اكتفائه فقط بتبريرها إلى حزب الله باعتبارها صادرة عن وجهة نظر يتولى تقديمها حشد من القياديين الذين لا يقوى باسيل على وأد إندفاعتهم خشية منه على وحدة التيار الداخلية وعدم العودة الى منطق التفرقة الذي ساد خلال اختياره لرئاسة التيار قبل أعوام.
حزب الله لغاية الآن ما زال يتفهم حليفه ودوافعه الداخلية على إعتبار انه يحاول من خلال التصريحات النجاة بنفسه من العقوبات الاميركية، وعلى الارجح سيبقى كذلك ما دام يعتبر أن اللعب ما زال ضمن حدود معينة، لكن وفي حال تمادى باسيل في الرهان على الحسابات الخاطئة وارساء المزيد من ثقافة استثمارها عندها سيكون للحزب كلام آخر.