السلة الغذائية المدعومة و”حليب السباع”
by أمين القصيفيخيرٌ أن تتحرك متأخرة من ألا تتحرك أبداً. يصح هذا القول في “الصحوة” الحكومية المتأخرة لمواجهة غلاء الأسعار الفاحش في الأسواق اللبنانية، على خلفية أزمة شح السيولة بالدولار وتفلت سعر الصرف في الأسواق الموازية وانهيار القدرة الشرائية لدى اللبنانيين.
ولعل أبرز مخاطر الأزمة المعيشية تلك المتصلة بالارتفاع الجنوني لمعظم السلع والمواد الغذائية الأساسية، وتأثير ذلك على الصحة العامة للعائلات اللبنانية. فمع بلوغ نسبة البطالة نحو 40% من اليد العاملة نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة، والتي ترتفع إذا ما احتُسبت البطالة المقنّعة والعاملون بنصف راتب أو أقل، ونسبة الفقر التي بلغت نحو 60% من اللبنانيين، باتت مئات آلاف العائلات تعاني من عدم القدرة على تأمين قوتها اليومي بالمكوّنات المطلوبة للصحة السليمة، عدا عن آلاف العائلات التي تعاني الجوع فعلاً.
وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، بدا متفائلاً جداً بنجاح مشروع السلة الغذائية والآلية التي سيتم العمل بها بدعم من مصرف لبنان، خلال إعلانه عنها يوم أمس الخميس، مراهناً على أنها ستؤدي إلى انخفاض الأسعار. وأشار نعمة إلى أن السلة الغذائية المدعومة تتضمن كافة المكونات الغذائية التي يحتاجها الإنسان من بروتينات حيوانية ونباتية ونشويات وغيرها، مؤكداً أن الآلية تضمن عدم هدر الدعم أو تهريبه. فإلى أي حد يمكن للمواطنين أن يركنوا إلى تفاؤل الوزير؟ وهل شربت الحكومة “حليب السباع” وسنشهد انخفاضاً فعلياً لأسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية ويتم ضبط الأسواق ومحاسبة المخالفين؟
الخبير الاقتصادي والمالي دان قزي، يرى، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “هذه الخطوة ليست سيئة. فمن الطبيعي أنه في حال تم دعم بعض السلع وتأمين الدولار لاستيرادها على سعر 3200 ليرة لبنانية، على الرغم من أنها ستكون أغلى من الفترة السابقة حين كان الاستيراد على دولار 1508، نخفِّف من غلاء المعيشة الضاغط”. لكنه يشدد على أن “الأمر مشروط بقدرة السلطات المعنية على تنفيذ هذه الخطوة كما هي على أرض الواقع. ففي حال تم التطبيق على الطريقة اللبنانية، هناك تخوف من إساءة استخدام هذا الدعم من قبل البعض واستغلاله لتحقيق أرباح إضافية”.
ويعبّر قزي، عن خشيته من هذا الأمر، ويقول، “نحن في النهاية في لبنان حيث يسرح الفساد وتستشري الرشوة”. ويلفت إلى أن “البعض قد يستغل دولارات الدعم على سعر 3200 ل.ل لصرفها في السوق السوداء بطريقة أو بأخرى على سعر السوق 4200 ل.ل أو أكثر، فتصل نسبة أرباحه إلى 30% و40% بدلاً من حقه المشروع 10% مثلاً”.
ويعتبر الخبير الاقتصادي والمالي ذاته، أنه “في حال المتابعة الجدية والمكثفة لمختلف جوانب تنفيذ آلية الدعم التي تم إقرارها، بدء من المستورد إلى السوبرماركت ومحال البيع، يمكن أن تساهم في خفض نسبي للأسعار”. لكنه يلفت إلى أن “تجارب تطبيق القانون والقرارات في لبنان غير مشجعة للأسف، والمراقبة شبه غائبة في مختلف المجالات”.
ويضيف، “فعالية هذه الخطوة تبقى مرهونة بالنتائج الملموسة على صعيد الملاحقة، وصولاً إلى المحاسبة الجدية لكل من يستغل هذا الدعم ويتحايل على الآليات المتبعة للتنفيذ من بين المستوردين والتجار. لكن لا شك أن هناك صعوبة في التطبيق”.
ويذكّر قزي، بأن “وزير الاقتصاد ذاته سبق وأعلن أنه يعاني من نقص في عدد مراقبي حماية المستهلك في الوزارة، فهل باتت الأعداد كافية الآن لضبط الأسواق عامة وآلية دعم المواد الغذائية خاصة؟ ويضيف، “إذا كان الأمر كذلك فهو جيد، وإلا فليستعينوا بفائض الموظفين في القطاع العام في الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة المختلفة لتغطية النقص، وليبدأوا بالآلاف الذين تم تعيينهم كتنفيعات انتخابية ولا عمل لهم، في خرق فاضح للقوانين، فيما هم لا يزالون يتقاضون رواتبهم وكامل مخصصاتهم نهاية كل شهر، وبعدها نرى النتيجة”.
ويوضح، أن “أساس المشكلة هو شح الدولار في الأسواق وارتفاع سعر الصرف وانعكاس ذلك على مجمل الاقتصاد وأسعار السلع والبضائع. فلا يكفي مثلاً أن يُفرض على الصرافين سعر 3200 ل.ل للدولار كسقف للبيع، بالنتيجة سيشتري الصراف الدولار عند حدود هذا السقف ولا يبيعه، فتنشط السوق السوداء أكثر. وهكذا بالنسبة إلى مستوردي المواد الغذائية المدعومة”.