الكارثة المصرية... اختزال عربي
by ناصر السهليقبل ثلاثة أشهر، كانت المراسلة التلفزيونية الدنماركية بوك دامغورد، تكتب من القاهرة عن فيضان مياه الصرف الصحي نحو سكنها، وعن "كورونا الذي ينتشر، وسرعان ما سينهار القطاع الصحي".
تعرية المطر والأوبئة لتهالك البنى التحتية لأنظمة الاستبداد ونشر التخلف ونهب الثروات، لا تخص القاهرة فقط. لكن مصر، الدولة العربية الأكبر سكانياً، التي ظلت لعقود طاردة للكفاءات العلمية، تمثل اليوم أوضح صورة عن المدى الذي تصل إليه عبودية البعض للحذاء العسكري والنظم الشمولية.
فمنذ بداية التحذير من الجائحة، وقبل أن يطاول الموت، وتهم سخيفة بالخيانة والأخونة، أطباء مصر، لم يكن في حسبان دولة العسكر سوى اللقطة. وكغيره من حكام أوهام اللقطة، أوفد النظام وزيرة الصحة هالة زايد بمعدات طبية إلى روما، لاستجداء لقطة مع وزير خارجية شعبوي، لويجي دي مايو، وفي الخلفية قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني. فهذا النوع من الأنظمة لا تهمه تكلفة اللقطة، وطريقة دفع المليارات، وإظهار التملق، ولو بطائرة أميرية من أبوظبي مطلية بالذهب، لنقل "ملكي" لمواطني الاحتلال.
ولا غرابة في "خرندعية" (عبثية) المستبدين، بأن يُحمَّل المواطن مسؤولية موته، إن خلف القضبان أو بقصف البراميل أو انتشار الأوبئة. فبعد بروباغندا "قوة وعظمة القائد وقلبه الرحيم"، مشفوعة ببعض التجهيل والترويج لـ"الشلولو" (أكلة مصرية) كعلاج لكورونا، ونظرية المؤامرة الإخوانية، والتشفي بما أصاب شعوب شقيقة وجارة، يصير "الشعب المدني" مسؤولاً عن موته، والأكثر بؤساً أن ترى دمى "الإعلام" تتنمر على البشر وتمنّنهم بمِنح العسكر. فالأنظمة "الخرندعية" متنقلة بين التخوين والدين والشعبوية المفرطة، في وطنية أمنية تلصصية، همها الأول نهب جيوب المواطنين، بعيداً عن أسئلة يخوت الحكام وقصورهم ولوحاتهم، جمهوريين وملكيين وأصحاب عمامات، وملاذها "إنقاذ الوطن"، ولو بتسخير المنابر كلها لشحذ الهمة على شد الأحزمة، ومزيد من النهب.
فلا عجب أن تتوسع اليوم، عربياً، أنظمة طبقية، وفيها يصنَّف المواطنون كرعايا مزارع الحكام، بين "شرفاء" و"خونة". فحتى في دولة "البعث"، حيث شعار "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية"، أخبرنا مبكراً وريث استبداد عائلي عن الشعب كـ"فيروسات وجراثيم"، إذ تجرأ الناس على التظاهر ضد فساده وطبقته الحاكمة. باختصار، عادة ما يتبع انكشاف خزعبلات المستبد مزيد منها، وإصرار عليها. ولكي يقنع الشعب بجدية أننا "أمام منعطف تاريخي وخطير" يستنفر الاستبداد أدواته كلها، الداخلية والخارجية، ومن بينها استدعاء "الإرهاب"، والانتحار والنحر. فلنتوقع إذاً مزيداً من الكوارث.