دوامة الكراهية والعنف في أميركا
by واشنطن ــ فكتور شلهوبمرة أخرى ينفجر العنف العشوائي في مدينة أميركية. ومرة أخرى السبب ذاته: شرطي أبيض يقتل مدنيا أسود وأعزل. ردة الفعل في الشارع كانت كالعادة، مظاهرات وصدامات مع الشرطة على مدى اليومين الأخيرين بلغت ذروتها ليلة الخميس في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، مكان وقوع الحادثة.
الضحية فارق الحياة بالاختناق بعد أن رمى الشرطي بثقله على عنقه لمدة تسع دقائق وهو مطروح أرضاً ومكبل اليدين، إلى أن لفظ أنفاسه. ولم تنفع استغاثاته في حمل أحد من رجال الشرطة الثلاثة الذين بقوا متفرجين على عملية الخنق من غير حراك. المشهد الذي كشفه فيديو سجّله عابر سبيل، عمم الاعتقاد بأن ما حصل جريمة كراهية عنصرية باعتبار أن الضحية غير مسلح وجرى توقيفه بسبب مخالفة لا تسوغ هذه القسوة.
"
ثمة إقرار واسع بأن النظام العدلي القانوني معطوب ومنحاز، وهذا الانحياز في عدالة القانون استولد عدالة الانتقام العشوائي
"
وزاد من الاحتقان والغضب أن المدعي العام رفض في رده الأول توجيه تهمة للشرطي للتحقيق معه مقدمة لمحاكمته. ظروف كلها أدت كالعادة إلى ردة فعل ناقمة بعد أن جرى سحب رجال الأمن من الساحة، بحيث تطورت إلى حرق أبنية ومنشآت منها مقر الشرطة في المنطقة. ويذكر أن هذه هي الحادثة الثالثة من نوعها التي استهدفت أميركيين سودا في ثلاث ولايات خلال شهر واحد.
هذه الأسطوانة صارت مألوفة. الفيروس العنصري الكامن يستيقظ بين الفينة والأخرى ليضرب ضربته بحيث يحدث خضّة، ثم يعود بعدها إلى تحت السطح ليكرر دورته في واحدة من المدن والولايات، وهكذا دواليك. كانت مثل هذه النعرة معروفة تاريخياً في ولايات الجنوب بشكل خاص. لكنها لم تعد حكراً عليها. فجرائم الكراهية تتجول في معظم المدن. ثمة إقرار واسع بأن النظام العدلي القانوني معطوب ومنحاز، وهذا الانحياز في عدالة القانون استولد عدالة الانتقام العشوائي الذي لا يؤدي سوى إلى تغذية الكراهية.
تلك دوامة تعذر الخروج منها. جرى تصحيح لهذا النظام في عهد ترامب. لكن الخلل ما زال قائماً وباعتراف كثير من المسؤولين، ومن بينهم المترشحان الرئاسيان، السناتور بيرني ساندرز، والسناتور إليزابيت وارن، وغيرهما. في ظله استفحلت ظاهرة الشرطي الأبيض والضحية الأسود، وفي كل مرة يردد المسؤلون عبارات التطمين من نوع "تعلمنا"، وأن مثل هذه الحوادث "لن تتكرر"؛ لكنها على العكس تتوالى وبشراسة أكبر وصلت إلى عملية الخنق هذه وبدم بارد.
هذا الحال أثار الخوف من الأفظع. خاصة في صفوف السود الذين يقول أحد قادتهم: "تعبنا من القتل المجاني". وبدلاً من التطمين وإبداء الحرص على تطبيق القانون مع الشرطة، لوّح الرئيس ترامب باستخدام القوة رداً على عمليات النهب والشغب. تحذيره ترك ارتدادات سلبية، لأنه خلا من التأكيد على ضرورة مساءلة رجال الأمن عند تعاملهم العنيف مع الأميركيين السود. تشارك في هذا التذمر أوساط ليبرالية كثيرة من البيض، تغمز من زاوية "انتعاش النزعة العنصرية في السنوات الأخيرة". وتحذر أكثر من احتمال احتدام هذه المناخات قبيل انتخابات الرئاسة، مع السعي لتوظيفها لصالح المرشح الديمقراطي.
الآن يجري العمل على تطويق الحادثة وحصرها. في هذا الخصوص، جرى توجيه تهمة القتل من الدرجة الثالثة للشرطي. خطوة لا بد منها لوقف التظاهرات وأعمال العنف. لكن قياساً على السوابق، قد ينال الشرطي عقابه من غير ضمان لعدم تكرارها؛ فالعلة مزمنة وما زالت بقاياها مستوطنة في تلابيب الحياة الأميركية. والوضع الأميركي الراهن مأزوم بدرجة غير مسبوقة، وأرضه خصبة لانتعاش التناقضات. في زمن انتشار كورونا والبطالة، كان آخر ما يحتاجه هو إشعال الفتيل العنصري.