مزيد من الإيجابية والإبداع والحب
by هالة بدريمع الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البشرية جمعاء اليوم بسبب أزمة (كوفيد 19) التي فرضت على الناس تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي فيما بينهم، قد يقع البعض في دوامة التفكير السلبي الذي يقود إلى القلق والإحباط والاكتئاب. لكن لهذه الأزمة جوانب إيجابية أيضاً، فقد أتاحت أمام الكثيرين فرصة للابتعاد عن الضغوطات اليومية، وإعادة ترتيب أفكارهم وعلاقتهم بمحيطهم الأسري، واكتشاف بعض المواهب الكامنة عندهم.
أعتقد أن هذه المرحلة التي نمر بها منحت أصحاب التفكير الإيجابي لحظات نادرة لخوض نوع من التأمل الذاتي والمعرفي لتعزيز فاعليتهم في المجتمع والحياة. فمن يتمتع بتفكير إيجابي ينقل إيجابيته إلى الأشخاص الذين يحيطون به، مؤثراً بذلك على محيطه الاجتماعي العام. فيا ليت كل واحد منا يبدأ يومه على الدوام وهو يفكر في قرارة نفسه أن هذا اليوم هو أفضل من الذي مضى!
يتميز الشخص الإيجابي بأنه كائن نشيط، متّقد الذهن، معطاءٌ، ويمتلك إحساساً عالياً بالآخرين، يؤدي مسؤولياته بكل حب وتفاؤل، إذ يواجه محن الحياة ومصاعبها بكل عزيمة وإصرار على هزيمتها باتخاذه القرارات الصحيحة، وإيجاد الحلول المناسبة، ما يجعله يمضي قُدُماً في حياته الشخصية والمهنية بزخم أكبر. وهذه السمات لا بدّ من توافرها عند الأشخاص الذين يتولّون مسؤوليات قيادية في المؤسسات التي يديرونها.
إن ثقافة أي مؤسسة وقيمها هما حجر الأساس الذي تبني هذه المؤسسة وفقه شكل علاقتها مع موظفيها. ثمة اتجاهان متباينان تتبناهما المؤسسات، عموماً، تجاه الأفراد العاملين فيها: أحدهما يتجاهل السمات الإنسانية للموظفين، ويتعامل معهم بوصفهم أجزاءً من آلات الإنتاج التي يمكن استبدالها في أي وقت!
في حين أن الاتجاه الآخر يكرّس مفهوم الثقة المتبادلة بين طرفي العلاقة: المؤسسة - الموظف، ويقدّر عالياً قيمة كل فرد عامل باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أسرة العمل، وشريكاً مهماً فيه؛ الأمر الذي ينعكس على أدائه الوظيفي، ويطلق طاقاته الإبداعية، معززاً أواصر المحبة بينه وبين مكان عمله بما يسهم في ازدهار المؤسسة ونمائها.
والاتجاه الثاني هو ما ننحاز إليه انحيازاً تاماً ونتبناه في «دبي للثقافة»، إذ نتعامل في منتهى الشفافية مع موظفينا ونوفر لهم جميع قنوات التواصل الفعال معنا، كما نزوّدهم بآخر المُستجدّات المتعلقة بالأوضاع العامة وبظروف العمل، متقبّلين بكل رحابة صدر وجهات نظرهم واقتراحاتهم.
تمثّل علاقة الثقة المتبادلة بين المؤسسة والموظف أحد أهم مؤشرات نجاح المؤسسات في ظروفنا الراهنة. ففي حين يثق الموظف بأن أيّ إجراءات تتخذها الجهة التي يعمل فيها هي خطوات مدروسة تأخذ في عين الاعتبار مصلحته ورعايته والحفاظ على استمراريته في العمل بقدر الإمكان؛ فإن المؤسسة، بدورها، تثق في إمكانية أداء الموظف مهامه عن بُعد من دون تقاعس على الرغم من عدم وجود رقابة مباشرة عليه.
كلٌّ منا لديه مسؤولية فردية ومجتمعية؛ ليكون فاعلاً وإيجابياً في مواجهة هذه المحنة التي نعيشها في العالم أجمع. فما أحوجنا، اليوم، إلى التحلّي بمزيد من التفكير الإيجابي والإبداع والحب! فالإبداع نشاط إيجابي مغمّس بالحبّ، والمبدع شخص إيجابي في محيطه، ومحبٌّ لما يصنعه.
* مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة».