بطالة الوباء .. أرقام غير مسبوقة
by كلمة الاقتصاديةمع عجز العالم عن حسم تفشي وباء كورونا المستجد، ورغم تراجع الإصابات عالميا، لا يزال هذا الوباء يضرب الاقتصاد العالمي، من "جبهات" مختلفة. ومنذ انفجار كورونا، كانت سوق العمل الأكثر تضررا منه، وذلك بسبب توقف الإنتاج بصورة تامة، أو بشكل جزئي حول العالم. ولد هذا حالات من الإفلاس ضربت الشركات الكبرى والمتوسطة والصغرى، وهناك ميادين مهددة بالخروج من السوق نهائيا، ليس بحكم توقف الاقتصاد، بل من جراء عدم توافقها مع الوضع الناتج عن الوباء. لهذه الأسباب وغيرها، تدخلت الحكومات من أجل الإنقاذ، أو كي تبقي آمال الشركات حاضرة خلال وبعد هذا الوباء. فبدأت بمنح الرواتب نيابة عن المؤسسات نفسها، وضمنت قروضا معفاة من الفوائد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وحرصت على الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من قطاعات ومهن.
في ظل هذا المشهد، تراكم عدد العاطلين عن العمل، إلى درجة أن قدرت منظمة العمل الدولية هؤلاء بأكثر من 150 مليون شخص بنهاية العام الجاري. دون أن ننسى أن الوباء أوجد 1.4 مليار فقير حول العالم، بسبب البطالة أو نتيجة عدم جدوى كثير من المهن في ظل الجائحة.
كما أشارت المنظمة نفسها في استطلاع أجرته، وهو ما يقلق أيضا، إلى أن نحو 16 في المائة من القوة العاملة الشابة في العالم توقفت عن العمل منذ بدء وباء فيروس كورونا، وهذا يقلل من فرص الشباب لدخول سوق العمل، خاصة في ظل وجود أرقام بطالة سابقة بين الشباب، وهو أمر خطير يضيق الخناق عليهم.
إن أكثر ما يرعب الحكومات عالميا، البطالة المرتفعة. ففي الولايات المتحدة، التي تفخر إدارة الرئيس دونالد ترمب، بأنها استطاعت في ثلاثة أعوام خفض البطالة، وتوليد مئات الآلاف من الوظائف في كل القطاعات، بلغ عدد العاطلين أكثر من 30 مليون شخص. وهؤلاء يحصلون تلقائيا على إعانات البطالة المتبعة. أما في بريطانيا، فالوضع ليس بأفضل حالا، حيث ارتفعت البطالة بصورة خطيرة للغاية، في حين تتوقع الدوائر المختصة أن تواصل الارتفاع في الأشهر المتبقية من العالم الحالي، ولا سيما إذا ما واصل العالم فشله في القضاء على كورونا.
أخبار تسريح الموظفين صارت يومية في كل أنحاء العالم، مع العلم أن مناطق تلقت ضربات على صعيد البطالة أكثر من غيرها. فأوروبا مثلا، تتعرض لهذه الآفة المتصاعدة بأشكال مخيفة، ولا سيما في ظل الانكماش الاقتصادي في بلدانها. فألمانيا، انكمش فيها الاقتصاد بمعدل 8 في المائة، وفرنسا قريبة، في حين يتحدث المختصون عن انكماش اقتصادي بريطاني بحدود 10 إلى 15 في المائة. والأمر بالسلبية نفسها في الأمريكتين الشمالية والجنوبية. ففي الولايات المتحدة - مثلا - ارتفعت البطالة في غضون أربعة أسابيع تقريبا من 4.4 إلى 14.7 في المائة! الأمر الذي عزز من تحركات الإدارة الأمريكية لإعادة فتح الاقتصاد بأقرب وقت ممكن، رغم الخلافات السياسية المحلية بهذا الخصوص. فهذه الإدارة التي بنت سمعتها على خفض البطالة، تواجه أكبر امتحان اقتصادي لها منذ وصولها إلى السلطة.
الناتج المحلي الإجمالي العالمي انخفض بمعدلات خطيرة في غضون الأشهر القليلة الماضية، وبات النمو العالمي في مهب الريح ويتجه - بالطبع - نحو الأسفل. حتى لو تم التخلص نهائيا من وباء كورونا وآثاره الصحية، فالمشكلة الكبرى التي يواجهها العالم الآن، معدلات التوظيف. وهذه النقطة خصوصا، تكمن فيها مخاطر جمة، بما في ذلك خطر بقاء شرائح العاطلين عن العمل في قوائم المتعطلين بعد الوباء، لأن وتيرة التوظيف ستتراجع حتما.
كل المؤشرات تدل على أن البطالة ستواصل الارتفاع، وأنها وصلت بسرعة فائقة إلى ما فوق مستوياتها خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008. فالعالم يعيش ركودا اقتصاديا هائلا، هو الأعمق من الحرب العالمية الثانية. وهذا الركود سيعزز البطالة المخيفة اقتصاديا واجتماعيا، خاصة أن الأرقام تتفاقم يوميا بسبب الآثار السلبية لانتشار فيروس كورونا، الذي ضرب القطاعات الاقتصادية والتجارية كلها، وأثر في مناحي الحياة اليومية، وأن الاستمرار في ارتفاع وازدياد أرقام معدلات البطالة بهذا الشكل المخيف، سيعصف بكل تأكيد بمستقبل التوظيف، ما لم يتم تدارك ومعالجة هذا الأمر بطريقة سريعة وذكية في الوقت نفسه.