كيف سيبدو العالم بعد الجائحة؟ «1من 2»
by مانفريد كيتس دي فريسبعد كشفه وجود خلل وظيفي في المجتمع، تستدعينا أزمة كوفيد - 19 لإعادة التفكير في مستقبلنا. كما تبدأ رواية الطاعون لألبير كامو بموت الجرذان، يتبعها تسونامي من الوفيات بين البشر. يتردد قادة البلدة في البداية في الاعتراف بالوباء، لكن سرعان ما يجدون أنفسهم مجبرين على أخذ الوضع على محمل الجد. مع فرض الحكم العسكري، لم يسمح لأحد بدخول أو مغادرة المدينة. عدم القدرة على التواصل مع الأحباء أو رؤيتهم يثقل كاهل الجميع - فبالنسبة إلى البعض، كان الأمر أكثر من تهديد الموت نفسه. القانون والنظام ينهاران بسرعة، ومع استمرار الطاعون في اكتساح البلدة، أصبحت الجنازات تتم بشكل سريع دون مظاهر احتفالية أو عواطف. أثبت المصل الأول الذي كان لقاحا حينها فشله. وفي النهاية، سمحت النسخة الثانية من المصل برفع الحجر الصحي.
ألا تبدو هذه القصة مألوفة؟ نشهد سيناريو مشابها اليوم. حاول كامو وصف كيفية استجابة البشرية لحكم الإعدام المفروض عليهم والتعايش معه، فالموت أصبح جزءا من دورة الحياة. ربما كان يحاول أيضا أن يرينا سهولة سقوط المجتمع وانهياره.
في عام 1947، وهو التاريخ الذي نشرت فيه رواية كامو، وصلت إلينا الرسالة لتذكرنا بعدم القدرة على التنبؤ بالحياة والمستقبل، وأثارت اهتمامنا حول الكيفية التي تتطور بها البشرية. لكن لم يلق لها بالا أحد. في عام 2011، جاء فيلم العدوى للمخرج ستيفين سوديربرج ليعطينا تحذيرا أكثر عصرية حول حالة عدم الاستقرار التي تحيط بالبشرية. عديد من مشاهده نعيشها اليوم تقريبا. يدور الفيلم حول ظهور فيروس ينتهي بقتل ملايين الأشخاص حول العالم. هرع المسؤولون من مراكز السيطرة على الأمراض ومنظمة الصحة العالمية إلى معرفة أصل الفيروس وكيفية انتشاره ومحاولة إيجاد علاج له. وكما هو الحال اليوم، استغرق الأمر كثيرا من التأرجح قبل أن يدرك أي شخص خطورة الوضع. يظهر الفيلم المعاناة الاقتصادية للأشخاص العاديين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سنتعلم من تجربة كوفيد - 19؟ إنه السؤال المثير للاهتمام، كيف ستكون العواقب التي ستترتب على جائحة كورونا بعد انتهاء الأزمة؟ هل ستعود الأمور إلى طبيعتها؟ هل نريد ذلك حتى؟ أو هل تعلمنا شيئا من تجربة الوباء؟
نأمل أن يتم التوصل إلى علاج لفيروس كورونا. لكن بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور، يجب ألا ننسى أن تهديد الأمراض المعدية لن يختفي. فالأوبئة ليست منتجا خياليا. بصراحة نحن أمام نقطة انعطاف دراماتيكية.
سيكون لطريقة استجابتنا لهذا الوباء تأثير كبير في مستقبل البشرية. سلط الفيروس التاجي، أكثر من أي شيء آخر، الضوء على مواطن الخلل على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أظهر أيضا وجود أزمة قيادة. فهو بمنزلة دعوة إلى القيام بتغييرات جذرية على الصعيد الاقتصادي والسلوك الاجتماعي ودور الحكومة في حياتنا.
أقترح سيناريوهين للمستقبل: أحدهما متشائم نوعا ما، والآخر أكثر تفاؤلا. بإمكاننا أن نرى أجزاء من هذين السيناريوهين تتداخل.
وحول السيناريو المتشائم، يميل معظم الأشخاص إلى التراجع في أوقات الأزمات وأن يصبحوا أكثر تبعية. عادة ما يؤدي ذلك إلى إطلاق صرخة من أجل قيادة بإمكانها أن تهدئ الخوف الذي يعتريهم وحالة القلق التي تسيطر عليهم. وقد يفسر ذلك ظاهرة متناقضة: حتى القادة غير الأكفاء قد ترتفع شعبيتهم في مثل هذه الأوقات. في الواقع، هل قادة أهم الدول في العالم كانوا على مستوى التحدي؟ هل يمكن الوثوق بهم؟
تميل المجتمعات إلى الانكماش عوضا عن التواصل عندما تسوء الأمور. فشعورنا بالعجز يزيد من جاذبية سياسات الهوية الوطنية، والعودة إلى القومية. يمكن أن نتوقع أن تصبح سياسات الهوية الوطنية أكثر قوة. في الواقع، نحن نشهد هذا السيناريو بالفعل، إذا ما أخذنا في الحسبان محاولة دول مختلفة الاستيلاء على المواد المطلوبة بشدة للتغلب على الوباء... يتبع.