العالم يدفع ثمنا يفوق جميع التصورات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي بسبب أزمة كورونا
تبدو قارة آسيا على الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الناجمة عن انتشار فيروس كورونا المستجد فيما تسرع أوروبا اجراءات رفع العزل وتتزايد الإصابات في أمريكا اللاتينية. لكن في كل أنحاء العالم يتبين أن الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للوباء التي تضاف الى الكلفة البشرية العالية، خارجة عن المألوف.
وفيما تجاوزت حصيلة الوفيات 350 ألفا في العالم (ثلاثة أرباعها في أوروبا والولايات المتحدة) الأربعاء، يكشف الاتحاد الأوروبي عن خطة النهوض الاقتصادي البالغة قيمتها ألف مليار يورو في محاولة لانعاش اقتصادات الدول الاعضاء ال27. وحتى في الدول التي قاومت أنظمتها الصحية الأزمة، فإن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تبدو متراجعة جدا.
وقالت جاكلين الفاريز (42 عاما) في مدريد وهي تحمل كيس مساعدات غذائية في حي شعبي "أنا أغطي وجهي لانني أشعر بالخجل صراحة، لم أطلب أبدا في السابق مساعدات غذائية". وتقف في الصف مع حوالي 700 شخص آخرين أمام جمعية في الحي حولت الى بنك غذائي.
في اسبانيا تتزايد معدلات الفقر بشكل أسرع مما كانت عليه خلال الأزمة المالية في 2008 لكن العالم بأسره يعاني.
الفقر والبطالة..التكلفة الباهظة لكورونا
بحسب منظمة اوكسفام غير الحكومية فان الأزمة الصحية يمكن ان تدفع 500 مليون شخص الى الفقر.
في البرازيل، يتوقع الخبراء هبوط إجمالي الناتج الداخلي هذه السنة بنسبة 6 إلى 10 بالمئة وارتفاع معدل البطالة البالغ حاليا 12,2 بالمئة إلى أكثر من 18 بالمئة.
في فرنسا، ومع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بمعدل 20 بالمئة في الفصل الثاني، يراهن الخبراء على تراجع باكثر من 8 بالمئة كمعدل سنوي. وقال المعهد الوطني للاحصاء "إنه أكبر انكماش منذ انشاء الحسابات الوطنية في 1948".
وبعد الأرجنتين ولبنان اللذين اعلنا التخلف عن سداد الديون، يخشى خبراء مجموعة الدول العشرين أن يتسبب الوباء قبل نهاية السنة بعدوى التخلف عن الدفع لدى الدول الناشئة غير القادرة على احترام التزامات تسديد ديونها.
وفي جنوب إفريقيا، زاد الوباء من البؤس وأغرق عددا كبيرا من حوالى أربعة ملايين أجنبي غالبيتهم يقيمون بشكل غير شرعي، في العوز.
وقال دجانغا الناطق باسم العائلات اللاجئة في حي مايفير في جوهانسبورغ "هنا كثير من الناس يعانون بسبب العزل. غالبيتهم مهاجرون أو لاجئون ولا يمكنهم العمل". وتابع هذا المحامي البالغ من العمر 50 عاما "في السابق كانوا يعملون في متاجر او يبيعون في الشارع، لكن لم يعد لهم الحق في ذلك. بدون أوراق لم يعد لديهم من خيار سوى التسول".
ما وضع الأطقم الطبية عبر العالم؟
تسبب انتشار فيروس كورونا المستجد بضرر كبير للاقتصاد والأنظمة الاجتماعية والصحية في العالم أجمع، لكنه ترك أيضا أثرا كبيرا على المعالجين الطبيين الذين يتعرضون منذ بداية السنة لضغط كبير في العمل وإجهاد استثنائي.
وقال كسافييه نويل الخبير في مسائل الصحة العقلية في جامعة بروكسل الحرة "نواجه جميعا خطرا كبيرا للتعرض للاجهاد ما بعد الصدمة". وأضاف لوكالة فرانس برس أن الذين يعملون في وحدات العناية المركزة "واجهوا معدل وفيات وطريقة وفاة غير معتادة على الإطلاق في إطار مجرد من الإنسانية بدون حضور عائلاتهم للتخفيف عنهم".
واظهرت دراسة أجريت في مطلع أيار/مايو على 3300 معالج طبي في بلجيكا أن 15 بالمئة منهم يفكرون في التخلي عن هذه المهنة مقابل 6 بالمئة في الاوقات العادية.
في اسبانيا، أظهرت دراسة أجرتها جامعة مدريد أن 51 بالمئة من 1200 معالج طبي شملتهم الأسئلة بدت عليهم عوارض "اكتئاب" وأن 53 بالمئة يعانون من مؤشرات يمكن تصنيفها في خانة "إجهاد ما بعد الصدمة".
امريكا اللاتينية..البؤرة الجديدة؟
وفي أمريكا اللاتينية، فإن الدول لا تزال في حالة تعبئة لمواجهة الوباء والتداعيات التي يخلفها على المجتمعات والأنظمة الصحية الهشة.
وحذر فرع إقليمي من منظمة الصحة العالمية الثلاثاء من أن انتشار فيروس كورونا المستجد "يتسارع" في البرازيل والبيرو وتشيلي داعيا الى عدم التراخي في تطبيق إجراءات العزل الهادفة الى إبطاء الإصابات.
وقالت كاريسا إتيان مديرة منظّمة الصحّة للبلدان الأمريكيّة ومقرّها واشنطن "نحن في أميركا الجنوبيّة قلقون بشكل خاصّ، لأنّ عدد الإصابات الجديدة المسجّلة الأسبوع الماضي في البرازيل هو الأعلى على مدى فترة سبعة أيّام منذ بداية الوباء". وأضافت أنّ "البيرو وتشيلي سَجّلتا أيضاً معدّلات مرتفعة، في مؤشّر الى أنّ الانتشار يتسارع في هاتين الدولتين".
وسجلت البيرو من جهتها عددا قياسيا من الإصابات الجديدة بلغ 5772 في 24 ساعة من أصل إجمالي 130 ألف حالة كما أعلنت وزارة الصحة الثلاثاء.
تجاوز العدد اليوميّ للإصابات الجديدة أعداد الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة، ممّا جعل أمريكا اللاتينيّة "من دون أدنى شكّ" البؤرة الجديدة للوباء، بحسب منظّمة الصحّة للبلدان الأمريكيّة.
وقالت كاريسا إتيان "بالنسبة إلى معظم دول الأميركيّتَين، الوقت ليس مناسباً الآن لتخفيف القيود أو الحدّ من استراتيجيّات الوقاية".
ماذا عن تدابير العزل؟
في أوروبا، يتواصل تخفيف العزل لكن بدون نسيان الوفيات. وتبدأ اسبانيا الأربعاء حدادا وطنيا من عشرة أيام تكريما لضحايا الفيروس الذي تسبب بوفاة أكثر من 27 ألف شخص في البلاد.
في المقابل، ولليوم الثالث على التوالي اعلنت الولايات المتحدة عن تسجيل 700 وفاة في اليوم بكوفيد-19 بحسب تعداد جامعة جونز هوبكينز عند الساعة 00,30 ت غ الاربعاء.
في نيويورك، المدينة الأكثر تضررا بالوباء حيث أعلن إغلاق الشركات حتى حزيران/يونيو على الأقل، عاد ثمانون وسيطا نيويوركيا إلى قاعة المداولات في وول ستريت للمرة الأولى منذ 23 آذار/مارس.
ولم تكن البورصة المكان الرمزي الوحيد الذي أعاد فتح أبوابه وإنما مواقع أخرى في العالم مثل كنيسة المهد في بيت لحم وموقع بومبيي في ايطاليا فيما سيكون دور البازار الكبير في اسطنبول لكي يبدأ باستقبال الزوار خلال بضعة أيام.
وهي المرة الأولى التي يبقى فيها هذا السوق المسقوف، أحد أكبر أسواق أوروبا، مغلقا لمثل هذه الفترة الطويلة منذ انشائه قبل ستة عقود.
السياحة والرياضة..هل تتنفسان الصعداء قريبا؟
في المقابل، لا يزال يجب انتظار الأول من حزيران/يونيو للدخول الى الكولوسيوم، الموقع الذي يزوره أكبر عدد من السياح في إيطاليا. وكشف المسؤولون عن هذا الصرح التاريخي في العاصمة الإيطالية أن "الأشهر الماضية كانت صعبة جدا مع صمت سوريالي يصعب قبوله".
أعادت أبرز المواقع الشهيرة في إيطاليا فتح أبوابها أمام العموم منذ أسبوع، بومبيي الثلاثاء وكاتدرائية القديس بطرس في روما الأسبوع الماضي ومتاحف الكابيتول وكاتدرائيات فلورنسا وميلانو. وتعتزم متاحف الفاتيكان اعادة فتح ابوابها في الأول من حزيران/يونيو.
في باريس أيضا، عاد أوائل الزوار الثلاثاء الى بعض المتاحف بعد فترة عزل طويلة.
من جهتها، كانت ألمانيا أكثر حذرا وأعلنت الثلاثاء رغبتها في تمديد العمل بقواعد التباعد الاجتماعي حتى 29 حزيران/يونيو بهدف احتواء الوباء.
لكن هذا لم يمنع كرة القدم الألمانية من مواصلة المباريات بدون جمهور. فقد فاز بايرن ميونيخ الثلاثاء 1-0 على دورتموند ليحسم "الكلاسيكر" على ملعب "سيغنال إيدونا بارك" في المرحلة الثامنة والعشرين من الدوري الألماني لكرة القدم ويقترب من اللقب الثامن تواليا.