فيروس كورونا: كيف يختلس نيجيريون على الإنترنت المساعدات الحكومية للأمريكيين العاطلين عن العمل
by سيباستيان سايبت , حسين عمارةفي الثامن من مايو/أيار الجاري سارعت آنا زيفارت بالاتصال برب عملها وهي في حالة من الذعر. هذه الأمريكية التي تعيش في مدينة سياتل، شمالي غرب الولايات المتحدة، قد تلقت للتو رسالة من الحكومة تخبرها أن مبلغ إعانة البطالة الشهرية قد دُفِع وحوِّل إلى حسابها البنكي... ورغم ذلك لم يكن أحد قد أخبرها أنها فقدت وظيفتها، مثل عشرات الملايين من الأمريكيين خلال فترة الركود الاقتصادي التي تعرفها الولايات المتحدة جراء جائحة فيروس كورونا. بيد أن زيفارت لم تكن هي من استلمت المساعدة لكن شخصًا آخر انتحل شخصيتها من أجل الاستفادة من نظام المساعدة الطارئة للضحايا المتضررين اقتصاديا من الأزمة الصحية كما أفادت صحيفة نيويورك تايمز.
في الوقت نفسه لاحظت البنوك في أوكلاهوما وماساتشوستس وفلوريدا عددًا متزايدًا من أوامر تحويل الأموال تحت غطاء المساعدة المالية للعاطلين عن العمل. وعن هذا تقول إيلين دود، نائبة رئيس قسم مكافحة الاحتيال في رابطة مصارف أوكلاهوما: ”الأمر المثير للدهشة بوجه خاص هو كمية الطلبات ذات الطبيعة الاحتيالية التي رصدناها بعد التحقق والتثبت والتي تضمنت في بعض الأحيان مبالغ كبيرة“ وهو ليس بالأمر المستغرب وبخاصةٍ في هذه الفترة، وذلك في معرض ردها على أسئلة موقع ”كريبس أون سيكيوريتي“ (Krebs On Security) المختص في جرائم الإنترنت. مؤكدة أن "بعض هذه التحويلات بلغت قيمته 30 ألف دولار".
تحذيرات وكالة ”الخدمة السرية“
وكانت الوكالة الفيدرالية المعنية بمكافحة الاحتيال المالي - إحدى أجهزة وكالة ”الخدمة السرية“ التابعة لـوزارة الأمن الداخلي - قد اشتمت بدورها رائحة عملية احتيال واسعة النطاق في طور التنفيذ. وشرح بعض العملاء في الوكالة الأمر، في مذكرة حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز و”كريبس أون سيكيوريتي“ يوم 16 مايو/أيار الجاري، قائلين: ”نحن نفترض وجود شبكة إجرامية دولية لديها كمية هائلة من بيانات الهوية الشخصية تقوم بتقديم طلبات زائفة للمساعدة المالية [في جميع أنحاء الولايات المتحدة]“. وبحسب هذا التحذير فإن عمليات الاحتيال هذه قد تكلف ”خزينة الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات“.
يعوِّل محتالو الإنترنت، من أجل بلوغ أهدافهم، كما تؤكد وكالة ”الخدمة السرية“ على تراخي سبل التحقق في المنظومة التي أنشئت من أجل تقديم المساعدة الفورية لمن يفقدون وظائفهم بين عشية وضحاها. ولا تأتي المذكرة على ذكر مسألة من يقف وراء عمليات الاحتيال، غير إن العملاء الذين قابلتهم صحيفة نيويورك تايمز يقولون إن مجرمي الإنترنت أولئك يتمركزون في نيجيريا.
وفي الواقع، يبدو أن جزءًا على الأقل من العملية يجري تنفيذه من إبادان، مدينة تقع جنوبي غرب نيجيريا وهي موطن إحدى عصابات مجرمي الإنترنت الأكثر تنظيما في نيجيريا وهي: ”سكاتيرد كناري“ حسب شركة ”أغاري“ الأمريكية، المعنية بالأمن المعلوماتي والتي تتتبَّع أعمال هؤلاء المتخصصين في انتحال الهويات والتحايل عبر الإنترنت. وحسب الشركة فإن هذه العصابة قامت بتقديم ما لا يقل عن مئتي طلب زائف منذ 29 أبريل/نيسان الماضي للحصول على مساعدة مالية في كلٍ من ولاية واشنطن وماساتشوستس.
ووفقًا لنفس الشركة فمجرمو الإنترنت هؤلاء يمتلكون كافة المعلومات الضرورية الخاصة بضحاياهم - الأسماء والعناوين وأرقام الضمان الاجتماعي - للتقدم بطلب رسمي صحيح، مصحوبًا برقم حساب مصرفي تابع لشريك متواطئٍ معهم في الولايات المتحدة يعتني بعد ذلك بغسل هذه الأموال.
حيل وخدع على منصة ”كريغ ليست“ متعلقة بجائحة كوفيد-19
ويؤكد الخبراء العاملون في ”أغاري“ في مذكرة نشرت الإثنين 19 مايو/أيار الجاري أن طريقة العمل هذه مكنت ”سكاتيرد كناري“ من الشروع في محاولات احتيال تخطت قيمتها خمسة ملايين دولار للحصول على إعانة البطالة في ماساتشوستس وولاية واشنطن في الأسبوعين الأولين فقط من شهر مايو/أيار الجاري. وهو الاستنتاج الذي يفترض أنه يبدو أن هذه العصابة، وهي الوحيدة إلى الآن، هي الأكثر نشاطًا وأفضل تنظيمًا.
ولا عجب في ذلك لأولئك الخبراء في الجرائم الإلكترونية؛ فيبدو أن تاريخ وماضي ”سكاتيرد كناري“ برمته قد ساهم في حسن استعدادهم للاستفادة من مأساة بهذا الحجم والمتولدة عن الأزمة الصحية الراهنة. ويتعلق الأمر، في الأصل، بشخص واحد اكتسب خبرته الأولى في عالم الاحتيال بدءًا من العام 2008 بعملياته التي استهدفت مستخدمي منصة ”كريغ ليست“ (Craiglist)، الموقع الأمريكي الشهير لنشر الإعلانات المبوبة بين الأفراد. ويوضح كرين هاسولد، الذي يعمل محللًا لدى ”أغاري“، قائلًا: "حتى عام 2010، كان هذا الشخص الذي يدعى" ألفا "يجني في المتوسط مبلغ 24 ألف دولار شهريًا، يتقاسمه بعد ذلك مع شريك متواطئٍ معه".
ثم بدأ أوائل عام 2010، في توظيف أشخاصٍ آخرين من أجل تنويع أنشطته الإجرامية. وسرعان ما أصبح أحد هذه الأنشطة محوريًا؛ وهو نشاط التحايل العاطفي. وتتمثل تلك الحيلة في إقناع الضحية بأنها تعيش حبًا مثاليًا عن بعد مع شخص سيقودها، في الواقع، تدريجيًا إلى تحويل كل أموالها تقريبًا إليه. ويضيف كرين هاسولد قائلًا: ”لا شك إنها عملية بطيئة تهدف إلى كسب ثقة الضحية، لكنها تسمح في النهاية بتشكيل شبكة من الأفراد خاضعين له تمامًا وبوسعهم أداء مهام مختلفة لصالح العصابة“. وبحسب ”أغاري“ فإنه وعلى مر السنين أصبح لدى ”سكاتيرد كناري“ جيش صغير قوامه 150 شخصًا يخضعون لسيطرته التامة، وهم المسؤولون عن عمليات غسيل الأموال المختلسة منذ بداية الأزمة الصحية الحالية.
أضرار ستكلف الاقتصاد الأمريكي غاليًا
بيد أن العصابة، لم تَقْنَعَ بممارسة الاحتيال على الأفراد وتحطيم قلوب العشاق للإثراء على حساباتهم لفترة طويلة، بل تحولت بسرعة فائقة إلى مهاجمة الشركات والمؤسسات الحكومية. وكان هدفها الرئيسي، في البداية، هو بناء قاعدة بيانات للمعلومات الشخصية عن طريق خداع الموظفين وأقسام الموارد البشرية برسائل البريد الإلكتروني الزائفة. ويوضح المحلل في ”أغاري“ قائلا: "لقد تمكنت ’سكاتيرد كناري‘، بين عامي 2015 و2017، من الحصول على المعلومات الشخصية لما لا يقل عن 3000 فردٍ في الولايات المتحدة وكندا“.
هذه المعلومات الشخصية الثمينة - الهويات وأرقام الضمان الاجتماعي والعناوين وغيرها - تمكنها بعد ذلك من التقدم بطلبات دفع أموال الإعفاءات الضريبية إلى إدارة الضرائب، أو طلبات القروض المصرفية، وحتى إخطار صاحب العمل بتغيير الحساب المصرفي الذي يُدفع عليه الراتب الشهري.
ويتابع هاسولد بالقول إنهم قد تحايلوا أيضًا على صناديق المعاشات التقاعدية في عام 2017، إبَّان العاصفة هارفي، وسرقوا هويات ضحايا تلك الكارثة الطبيعية، من أجل الحصول على المساعدة التي وزعتها هيئة الاستجابة الفيدرالية للطوارئ ”فيما“.
وتدر هذه الحيل التي تجري على الشبكة العنكبوتية، ولا يركز عليها الإعلام كثيرًا مقارنة بالهجمات الإلكترونية الكبرى أو أعمال التجسس الرقمي، ربحا كبيرا. فبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كبدت عمليات التحايل الإلكتروني الاقتصاد الأمريكي مبلغ 1٫7 مليار دولار في عام 2019. ومن الواضح أن أفراد عصابة ”سكاتيرد كناري“ هم من بين الأكثر نشاطًا على الأراضي الأمريكية.
ومع ما يمتلكونه من معرفة جيدة بساحة نشاطهم وشبكة موجودة بالفعل ودراية فنية مؤكدة، وجد هؤلاء المجرمون الإلكترونيون في وباء فيروس كورونا فرصة مثالية لوضع "مواهبهم" موضع التنفيذ. وهناك أمل في ألا يزاد الوضع سوءًا لأن الوضع المالي لآلاف الأمريكيين هو مزعزع بالفعل.
نص: سيباستيان سيبت/ حسين عمارة