أسئلة ما بعد كورونا
إبراهيم عبدالحق
”مش وقته“ جملة أو تعبير يختصر ردود فعل معظم الناس على أي مبادرة، أو مقترح خارج الأزمة الاقتصادية الحالية والتي تعتبر إحدى أصعب الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم. لكن هذا هو التفكير التقليدي، فمن يفكر خارج الصندوق لا يستسلم للأزمة، بل يتجه إلى إنتاج أفكار مبدعة، مبتكرة قادرة على التعامل مع تداعيات الأزمة، واحتواء آثارها، والتعافي من تبعات الكساد الاقتصادي الناتج عنها، وكسب ميزة تنافسية تساعد في التحرك للأمام باتجاه مرحلة ما بعد الكورونا.
لقد أعاق انتشار فيروس كورونا مسار حياة العديد من الناس، وأوصل العديد من الأعمال إلى طريق مسدود، وسبب للكثيرين كوارث اقتصادية غير مسبوقة. وحسب شركة غولدمان ساكس الأمريكية، فإن الأزمة الاقتصادية الحالية ستكون أسوأ بأربعة أضعاف الأزمة الاقتصادية، التي مر بها العالم في العام 2008.
وعلى الرغم من أن ”مواجهة الأزمة“ ستكون الأولوية، وخط الدفاع الأول للعديد من الشركات للتغلب على الصعوبات، فإن استشراف المستقبل من خلال وضع خطط طويلة الأجل لإدارة الأعمال، لن يكون ترفًا بل ضرورة.
وتُطرح فكرة ”استشراف المستقبل“ هنا لتمييزها عن الخطط التي تركز عليها الشركات لإنقاذ الأعمال من التداعيات المباشرة للأزمة، ووفق المعطيات الحالية لها. لكن ذلك لا يكفي إذ لابد من توظيف جزء صغير من مجهود العمل، وممارسة نوع من العصف الذهني الذي يساعد في وضع إستراتيجيات وخطط طويلة الأمد؛ لضمان استدامة النموذج التشغيلي الخاص بالشركة.
والإستراتيجية الفعالة هنا لا تهدف إلى سد الفجوات المالية والإدارية فقط، وإنما تكون قادرة على إدارة المخاطر المتوقعة، بالإضافة إلى الاستفادة من نقاط القوة وتحديد الفرص لتحسين مراكز الشركات في المنافسة الاقتصادية.
إن قوة الميزة التنافسية تكمن في مدى قدرة الشركة على استغلال الفرص. فعلى سبيل المثال قامت شركة ”فيسبوك“ بالإعلان عن رغبتها في ترسيخ آليات العمل عن بعد، لا كإجراء مؤقت بل كأسلوب عمل لموظفيها للمدى الطويل، بغض النظر عن تطور حالة الجائحة أو انحسارها، وهذا الذي من شأنه أن يسهم في تقليل تكاليفها التشغيلية، وقد أخذ فيسبوك هذا الاختيار في الوقت الذي لا يزال العدد الأكبر من شركات الإعلام مترددة أو قد تواجه صعوبة في إدارة العمل عن بعد بشكل دائم.
وحتى على المستوى الحكومي، وبالرغم من أن أولوية الدول حاليا تتركز على متطلبات الصحة العامة للمجتمع، إلا أنه لا يجوز إغفال العمل على رفع كفاءة خدماتها الأخرى وفاعلية مؤسساتها. وخصصت الإمارات مثلا، ثلاثة أيام لمناقشة استراتيجيتها لما بعد كورونا، ومن المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات هيكلية وإعادة النظر في الأولويات لترسيخ طابعها المرن في الإدارة.
إن تخصيص جهد ووقت، لمشروعات وأفكار وإستراتيجيات مبتكرة، ووضع خطط لمواكبة التغيير في ديناميكية المجتمعات وتوقعات المستهلكين، لتحقيق المكاسب السريعة لا يشكل تعارضا مع قدرة الشركات على مواجهة التحديات الفورية، بل إن ذلك سيساعد الشركات على تخطي مرحلة الكساد الاقتصادي، كما يمنحها ميزة تنافسية في السوق تكسبها حصة سوقية أكبر في المستقبل.
ومع إدراكنا لدقة المرحلة، فإن أي مقاربة مبتكرة لتجاوز الأزمة واحتواء تداعياتها وصولا إلى رسم خطط طويلة الأمد يستوجب طرح مجموعة من الأسئلة التي يتعين على الشركات التوقف عندها والتخطيط للإجابة عليها، ومن هذه الأسئلة:
كيف يمكن مساعدة الزبائن للشعور بأمان أكثر عند شراء البضائع والخدمات في المستقبل؟
أي من المبادرات المؤقتة التي اضُطررت لطرحها اليوم يمكن الإبقاء عليها في المستقبل دون التأثير على جودة البضائع أو الخدمات؟
ما هي البضائع والخدمات الجديدة التي قد تحل في المستقبل مكان البضائع والخدمات الحالية، وهل بالإمكان أن يتم اعتمادها وتقديمها كجزء من خدمات الشركة أو المؤسسة؟
ما هي الثغرات التقنية التي أثرت سلبا على خدمات المؤسسة خلال فترة الحجر الصحي، وكيف يمكن تجنبها في المستقبل؟
كيف يمكن الحفاظ على الإنجاز إذا حققت الأعمال نموا خلال فترة الكساد الاقتصادي؟