إجراءات الحظر في شهرها الثالث
أيام صعبة مرت على الأردن، ودول العالم، أيضا، فأكثر من سبعين يوما، وشعوب العالم، تحت إجراءات غير مسبوقة، من العزل، داخل البيوت. في الأردن تدرجت الإجراءات، وتركت أثرا اقتصاديا، ومعنويا، إلا أن الوباء في الأردن كان تأثيره قليلا جدا، مقارنة بدول أخرى، ومن حيث نسبة المصابين لعدد السكان، وهذ أمر يحسب للجهات الصحية المختصة، التي أدارت الملف بطريقة جيدة، إلى حد يتفق عليه الجميع نسبيا. العالم الآن يتجه نحو تخفيف الحظر، والأردن أيضا سيبدأ بخفض حدة الإجراءات تدريجيا، لكن ليس بسرعة الدول الأخرى، على ما يبدو، وهناك محاور تترك أثرا على الجهات الرسمية، أو على المستوى الشعبي، أولها الخوف من تجدد العدوى، وانتشار الوباء مجددا، وثانيها التحليلات عن موجة ثانية من الوباء، وثالثها، ملف الوضع الاقتصادي، والتعقيدات والأضرار، التي لحقت بالقطاع الخاص تحديدا وانعكاس ذلك على الخزينة من جهة، وخسارة أعداد كبيرة لأعمالهم أو انخفاض دخولهم، ورابعها تضرر نمط الحياة، بسبب الإجراءات الاحترازية مثل منع حفلات الزواج، أو عدم السماح بقيادة السيارات بشكل عادي دون ثنائية الفردي والزوجي، ووضع سقف زمني للحركة ينتهي الساعة السابعة وغير ذلك، وخامسها يرتبط بإغلاقات دول العالم على مستوى المطارات وعلاقة ذلك بأكثر من مليون مغترب، وأثر ذلك على ملف السياحة، ويمكن هنا تعداد محاور إضافية بكل بساطة. الموجة التي سادت في الأردن، خلال اليومين الماضيين، أمام تخفيف دول عربية وأجنبية لكثير من الإجراءات التي اتخذتها، تركزت على فكرة واحدة تقول إن الوباء كذبة كبيرة، وإن هناك مخططا ما تم تنفيذه، وإن الناس في الأردن، دفعوا مثل شعوب كثيرة، كلفة هذه المؤامرة، ويستدل هؤلاء برأيهم على قيام الدول بشكل متزامن بتخفيف الإجراءات، وكأن من يعطي أوامر التخفيف، طرف مركزي واحد، وهذه نظرية لا تبدو منطقية، أمام أمرين، أولهما كثرة ضحايا الوباء في كل دول العالم، من جهة، وثانيهما اضطرار الدول لتخفيف الإجراءات تحت وطأة الملف الاقتصادي، وليس لكون الوباء مجرد كذبة، وعلينا أن نلاحظ أن كل الدول تخفف الإجراءات، لكنها لا تتخلى عن التدابير الصحية. في كل الأحوال علينا أن نلاحظ أن الإجراءات الحكومية التي حظيت بترحيب شعبي كبير في الفترة الأولى، عادت وتعرضت لموجة نقد، خصوصا، مع حظر أيام العيد، ويمكن تفسير هذا الانقلاب الجزئي، بسبب الضغوطات الاقتصادية، والنفسية، إضافة إلى تعب الناس من الإجراءات التي تقترب من نهاية الشهر الثالث، وهي إجراءات تم تخفيفها، إلا أن تخفيفها الجزئي أدى إلى انفلات موجة من النقد بأثر رجعي، بدلا من تفهم بعضها، وأنه لولاها، لربما انتشر الوباء بشكل كبير في الأردن، وهذا المزاج المستجد قد يبدو مبررا، من حيث صحوة الناس، وبدء إحصاء أضرارهم، وبشكل يؤدي الى سيطرة فكرة الأضرار الفردية، والخسائر الشخصية، ونسيان إيجابيات الإجراءات التي منعت انتشار الوباء في الأردن. المثير هنا أن هناك من يعتقد أن عمان الرسمية استثمرت في الوباء لتشديد قبضة الدولة، على الناس، وزيادة جرعة السيطرة والتحكم، وهذا الكلام بصراحة غير مقنع، ولو لم يتم اتخاذ إجراءات صعبة، وتفشى الوباء، لكانت المسؤولية هنا كبيرة على متخذي القرار. لكن النصيحة تقال هنا للجهات الرسمية، أن عليها واجب التنبه جيدا، لموجة النقد السلبي التي تتزايد، فهي تعبر عن أزمة أخرى، وليس مجرد تقلب في المزاج، وتستند الى حالة الأضرار الفردية اقتصاديا او شخصيا، بما يوجب اتخاذ إجراءات جديدة، على الصعيد الاقتصادي من جهة، وعلى صعيد استعادة المزاج العام لصالح الإيجابية، التي تميز بها في الفترة الأولى، واذا كانت هذه الإجراءات ليست بهذه السهولة التي يفترضها البعض، إلا أن علينا أن نتذكر أن غفوة كورونا قد انتهت، واستيقظ الناس على واقع جديد، سيجعل كثرة منهم، بلا ذاكرة ايجابية، أمام قراءة التحولات الجديدة، فيكون تقييمهم للوضع، وفقا لحساباتهم الشخصية والعامة، وليس وفقا لحسابات الامتنان والشكر للجهات التي تعبت، أو حاولت أن تقدم ما لديها من إمكانات. الآثار الاقتصادية تحديدا، لم تظهر تماما، وقد تبدأ بالظهور مع مطلع الشهر المقبل ونهايته، حالنا، حال دول كثيرة في هذا العالم، ما تزال تحت إعادة تشكيل مشهدها الاقتصادي تحديدا.
الغد