لبنان المأزوم يتأرجح بين مشروعي الفدرلة والإقصاء
جبران باسيل يهدّد بالانسحاب من الحكومة في حال عدم تمرير مشروع "سلعاتا".
by العربتمسك التيار الوطني الحر بتمرير مشروع "سلعاتا" بالتوازي مع طرحه فكرة اللامركزية يحمل بين طياته أبعادا خطيرة ترمي إلى تغيير النظام اللبناني إلى فيدرالي في الوقت الذي يعيش فيه هذا البلد على وقع أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة.
بيروت - يصرّ التيار الوطني الحرّ الذي يترأسه وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل على السير قدما في مشروع سلعاتا، ملوّحا بإمكانية الانسحاب من الحكومة في حال أصر الحلفاء على موقفهم المعارض.
والمشروع هو عبارة عن معمل لإنتاج الكهرباء يطمح التيار الوطني الحرّ لإقامته في مناطق نفوذه وتحديدا في سلعاتا من قضاء البترون شمال لبنان حيث مسقط رأس باسيل، وقد تم عرض هذا المشروع لأول مرة في العام 2010، لكنه قوبل بتحفظات من قبل الأفرقاء.
وأعاد التيار الوطني الحرّ طرحه مجددا مع حكومة حسان دياب عبر وزير الطاقة ريمون غجر، بيد أن الشريكين في الحكومة حركة أمل وتيار المردة رفضا الأمر وانضم إليهما حزب الله حيث صوت ضده في جلسة لمجلس الوزراء عقدت برئاسة الرئيس ميشال عون في وقت سابق من هذا الشهر.
ويتخذ باسيل من فشل تنفيذ مشروع دير عمار2 الذي يتحمل التيار الوطني الحرّ الجزء الأكبر من المسؤولية عنه، بحكم سيطرته على وزارة الطاقة منذ العام 2008، حجة للسير في مشروع سلعاتا، في المقابل يقول المعترضون إن هذا المشروع من شأنه أن يكلف الدولة المأزومة ماليا المزيد من الأعباء وأنه من الأولى التركيز على مشروعي دير عمار والزهراني حيث إن موقعهما جاهز.
وتستنزف مؤسسة كهرباء لبنان ما يصل إلى ملياري دولار سنويا من الخزانة العامة في وقت يغرق البلد في أزمة مالية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الأهلية، ولطالما شكل مطلب إصلاح هذا القطاع أولوية للدول الداعمة للبنان، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح ومحاولة كل طرف توظيف هذا الملف خدمة لأغراضه الذاتية.
ويقول محللون إن إصرار التيار الوطني على مشروع سلعاتا، بالتوازي مع طرح زعيمه جبران باسيل لفكرة “اللامركزية الإدارية والمالية” ينطوي على أبعاد سياسية خطيرة في علاقة بسعي التيار إلى فرض الفيدرالية كحل لأزمات لبنان المستعصية.
ويلفت المحللون إلى أن تصعيد التيار مؤخرا ضد حزب الله وتلويحه برفع الغطاء المسيحي عنه يأتي في سياق محاولة للي ذراع الحزب وابتزازه لتمرير المشروع.
واعتبر حسان صقر عضو المكتب السياسي في الحزب القومي السوري الاجتماعي الموالي لحزب الله في تصريحات الثلاثاء أن “موضوع سلعاتا لا يمكن أن يهز التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله”، مستدركا بالقول “إن التيار يهدد بالاستقالة من الحكومة إذا لم يسر رئيس الحكومة حسان دياب مع التيار بالتصويت في هذه المسألة”، مشددا على أن “البحث جار عن حل في هذا الشأن”.
وكان وزير الطاقة ريمون غجر صرح في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن التفاوض على معمل سلعاتا لا يزال قائما، لافتا “إذا لم يتم إقراره لن تأتي الكهرباء كما تتوقع الناس”.
ويشير المحللون إلى وجود صراع اليوم في لبنان على أشده بين مخططين؛ الأول يقوده حزب الله ويهدف إلى تكريس واقع سياسي جوهره هيمنة الشيعة على مفاصل القرار اللبناني وفق صيغة “غالب ومغلوب” التي عبر عنها بكل وضوح مفتي الطائفة في لبنان أحمد قبلان.
في مقابل ذلك يدفع التيار الوطني الحرّ المسكون بهاجس الزعامة على المسيحيين نحو فرض خيار الفيدرالية في محاولة لتثبيت الكنتونات الطائفية التي تعدّ السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد.
ويقول المحللون إن إصرار باسيل على تمرير مشروع سلعاتا لا يخلو من اعتبارات طائفية وسلطوية فالأخير يريد أن يضمن لتياره الموارد المالية التي تخول له السيطرة على الطائفة المسيحية في لبنان، وبالتالي لن يكون في حاجة إلى من يعبّد له طريق السلطة، وهو الدور الذي اضطلع به حزب الله منذ إبرام ورقة تفاهم بين التيار والحزب في العام 2006.
ويلفت المحللون إلى أن معارضة هذا المخطط لا تقتصر فقط على باقي الطوائف والمذاهب الأخرى بل وحتى المسيحيين أنفسهم حيث ما فتئت القوى السياسية المارونية الوازنة تبدي تحفظات على هذا النهج الذي تعتبره “هدّاما” في ظل التحديات غير المسبوقة التي يواجهها لبنان.
وردا على دعوات بشأن عقد لقاء موسع للأحزاب المسيحية في بكركي شدد حزب القوات اللبنانية الثلاثاء على “أننا لا نريد لقاءات عشائرية كما طلب”، وأوضح الحزب أن “الخلاف بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية موجود في بعض الملفات، لكن في الوقت عينه نلتقي حول ملفات أخرى”، مضيفا “مسألة تبويس اللحى واللقاءات الطائفية لا تفيد ولا الظرف يسمح بها، كونها لا تؤدي إلى أي نتيجة”.
وحذر عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله من “أن توقيت طرح الفيدرالية الآن وطرح ضرب صيغة الطائف مشبوه، ويتناقض مع المحاولات التي تجري لترميم أو إعادة ترميم اقتصادنا وحوارنا مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية للحصول على مساعدات للخروج من أزماتنا”.
وتساءل عبدالله “لِمَ استحضار أزمات جديدة وإشكالات كيانية من فيدرالية وكونفيدرالية وتعددية ولامركزية إدارية موسّعة ومالية ومثالثة ومرابعة ومخامسة ومسادسة على عدد الطوائف، في وقت نفاوض صندوق النقد الدولي ونستجدي الدول الصديقة لمدّ يد العون إلى لبنان، وفي وقت نتباهى بهذه الصيغة الفريدة؟”.
وشدد على أن “استثارة الغرائز والنزعات الطائفية والمذهبية في الوقت الحاضر مرفوض لأننا بذلك ننهي البلد والكيان، وأي تعديل دستوري كياني ميثاقي لا يكون إلا بالتوافق وتدريجيا وليس بهذه الطريقة وبالتأكيد ليس اليوم الظرف المناسب لطرحه”.
ويواجه لبنان وضعا ماليا واقتصاديا صعبا اضطره إلى تعليق تسديد ديونه في مارس الماضي، وقد دخلت حكومة حسان دياب قبل أيام في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على دعم بيد أن الكثيرين يتشككون في إمكانية نجاح تلك المفاوضات، على ضوء الخطة الإصلاحية المقدمة والتي وإن نجحت في تشخيص الوضع المالي بيد أنها فشلت في تقديم معالجات، هذا فضلا عن الانقسامات الداخلية بين الحلفاء والفرقاء السياسيين على السواء.