https://i.alarab.co.uk/styles/article_image_800x450_scale/s3/2020-05/zertyu1.jpg?.I5xo1phKN0S4E0Z9F0I5CGsgSo89Raw&itok=iXEEHjN5
من أين أبدأ

رئيس الوزراء العراقي يواجه معركة الإصلاح الشرسة بأسلحة بسيطة

رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ينصح مصطفى الكاظمي بالواقعية والمرونة والتدرّج.

by

لا يكفي طموح رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي للإصلاح وصدق نواياه في القيام بذلك لضمان النجاح في هذه المهمّة المعقّدة، ليس فقط لقلّة الوسائل المادية المتوّفرة له، ولكن أيضا لوجود مراكز ممانعة للتغيير نظرا لاستفادتها من الوضع القائم، الأمر الذي سيتطلّب اعتماد المرونة والتخفيض من سرعة العملية الإصلاحية، وفق نصيحة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي للكاظمي.


بغداد - تلخّص عبارات الواقعية والمرونة والتدرّج محتوى نصائح وجّهها رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي إلى رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي تسلّم تركة مثقلة بالتعقيدات والمشاكل يرقى بعضها إلى مرتبة المعضلات، ما يجعل مهمّته في إنقاذ البلد وإصلاح ما أمكن من شؤونه أشبه بالسير في حقل من الألغام.

وقال العبادي الذي سبق له أن خاض تجربة الحكم في مرحلة عراقية بالغة الصعوبة بين سنتي 2014 و2018، إنّ محاربة الفساد المستشري في العراق ستستغرق وقتا حيث تتطلّب أولا بناء المؤسسات الفعّالة في التعامل مع القضايا واستخدام الأدلّة لإدانة المتورّطين ومحاسبتهم.

ووصف رئيس الوزراء الأسبق الذي كان يتحدّث في محاضرة عبر الإنترنت نظمها معهد تشاتام هاوس للشؤون الدولية في لندن حول الوضع في العراق والتحديات التي تواجه حكومته الجديدة، الفساد بأنّه “مرض تجب مواجهته ببروتوكولات فعالة”، مؤكّدا أنّ من السهل توجيه التهمة ومن الصعب إثباتها.

وجاء مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة العراقية إثر فترة غير مسبوقة من الغضب الشعبي انطلقت في أكتوبر الماضي واستمرّت لأشهر رفع خلالها المحتجّون من سقف مطالبهم وصولا إلى المناداة بإسقاط النظام نظرا لما تلبّس بصورته من فساد وطائفية وفشل عام في إدارة مختلف شؤون الدولة وتوظيف مواردها.

وأفضت حركة الشارع إلى إسقاط حكومة عادل عبدالمهدي لتحلّ محلّها حكومة الكاظمي الذي يريد الاستناد إلى حالة الغضب الشعبي لإطلاق عملية تغيير وإصلاح تبدو عسيرة ومعقّدة ولا يمكن إنجاز الكثير من جوانبها دون محاذير التصادم مع مراكز نفوذ داخلية مدعومة من الخارج ومتمكّنة من جميع مفاصل الدولة على غرار الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران التي سيكون من العسير المساس بمكاسبها وامتيازاتها المالية التي اعتادت على تحصيلها طيلة السبعة عشر عاما الماضية، كما لن يكون من السهل ضبط سلاح الميليشيات وإخضاعه لسلطة الدولة، وهو ركن أساسي في خطة الكاظمي لاستعادة هيبة الدولة وإخضاع الجميع لسلطتها.

وما يزيد مهمّة الكاظمي تعقيدا تزامُن تشكيل حكومته مع أزمة اقتصادية ومالية حادّة بسبب التراجع الكبير في أسعار النفط الذي يعتمد عليه العر اق بشكل شبه كامل لتمويل ميزانيته، بالإضافة إلى أزمة وباء كورونا التي أثرت بعمق في اقتصاديات جميع بلدان العالم.

ومن المطالب الذي نادى بها المحتجّون العراقيون تحسين الأوضاع الاجتماعية وإيجاد مناصب الشغل والارتقاء بمستوى الخدمات العامّة، وكلّها تتطلّب موارد مالية ضخمة لا تمتلكها حكومة الكاظمي التي قد تعجز حتى عن توفير رواتب الموظّفين والمتقاعدين آخر شهر يونيو القادم.


ضبط فوضى السلاح سيدفع إلى التصادم مع الميليشيات وتمرير إصلاحات اقتصادية جذرية سيؤجج غضب الشارع


ومع مراوحة أسعار النفط مكانها عند مستوى 30 دولارا للبرميل ترتفع تكلفة المعيشة للعراقيين العاديين. ويقرّ حيدر العبادي بضرورة تخليص العراق من أسر الارتهان لموارد النفط وتنويع قاعدته الاقتصادية، لكنّه يستدرك بأنّ عامل الوقت لا يلعب في مصلحة حكومة الكاظمي، معتبرا خياراتها محدودة في تجاوز الضائقة المالية وقد تتلخّص في خفض الإنفاق عن طريق إلغاء الوظائف في القطاع العام المتضخم للغاية. لكّن عدم وجود قطاع خاص يعمل بشكل فعال لاستيعاب العمّال المسرّحين سيضاعف عدد العاطلين عن العمل ويوسّع الفجوة بين المجتمع والنخبة الحاكمة.

ورأى العبادي أنّ على الكاظمي التحلّي بالشفافية بشأن التحديات وكيفية حلّها حاثّا إياه على “اتخاذ القرار الصحيح حتى لو كان صعبا، حيث لا يمكن للقرارات السهلة أن تنقذ البلاد”.

ولا تتلّخص العوائق التي يواجهها المشروع الإصلاحي لرئيس الوزراء العراقي في الجوانب المالية والاقتصادية فحسب، بل إنّ طبيعة النظام السياسي نفسه مصمّمة لممانعة التغيير والاصلاح، حيث تقوم تجربة الحكم على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، التي تعني في بعض وجوهها تقاسم المغانم والامتيازات السياسية والماديّة، بحيث يحرص كلّ طرف على حماية مصالحه والحفاظ عليها وإن استدعى الأمر مقاومة أي تغيير قد يمثل مساسا بها. ولذلك يمكن اعتبار المحاصصة أكبر حارس لمنظومة الفساد في العراق والتي قد يتجاوز تفكيكها قدرات رئيس الوزراء الجديد المفتقر أصلا إلى الحاضنة الحزبية.

ويقول العبادي إنّ الكاظمي “يتحرك على أرض حساسة تتطلب منه الانتباه إلى مختلف الأطراف (السياسية)، وفي نفس الوقت مراقبة الشارع والناس”.

وفي سياق الواقعية التي ينصح العبادي باتّباعها، يرى رئيس الوزراء العراقي الأسبق أنّ المحاصصة لا يمكن إلغاؤها لكن يمكن الالتفاف عليها جزئيا بالحدّ من حضور الوزراء المتحزّبين في الحكومة.

وبشأن تغوّل الميليشيات خصوصا بعد مشاركتها في الحرب ضدّ تنظيم داعش ضمن الهيكل الذي يعرف بالحشد الشعبي، قال العبادي إنّه غير مسؤول عن عملية التمكين لتلك الفصائل المسلّحة، معتبرا أن الحلّ الأمثل لاحتواء ميليشيات الحشد هو التمادي في عملية إدماجها ضمن القوّات المسلّحة العراقية وهي العملية التي بدأت في فترة حكم العبادي نفسه الذي يقول إنّ “الأسلحة يجب ألا تستخدم لأغراض سياسية ولا ينبغي أن تظل خارج الولاية القضائية للدولة”.

ودعا العبادي أيضا إلى عقد حوار وطني لتحقيق هذه المهمة الصعبة بسرعة نظرا لأن “داعش عاد إلى الظهور ولم تتم إزالة جذوره”، معتبرا أنّ الكاظمي الذي شغل منصب رئيس المخابرات خلال الحرب ضدّ التنظيم “يعرف ماذا يفعل”.

وفي ملف السياسة الخارجية، حيث يحضر بند تحقيق التوازن في علاقات العراق مع مختلف بلدان الإقليم والعالم بشكل رئيسي ضمن الأجندة الإصلاحية لرئيس الوزراء العراقي، رأى العبادي أنّ الكاظمي يمكنه إدارة ملف العلاقات الحساسة مع كلّ من إيران والولايات المتّحدة باللعب على الطبيعة البراغماتية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي نفس الوقت استثمار انشغال إيران بمشاكلها الداخلية المعقّدة.

وقال ناصحا الكاظمي “تعايش مع الأمر.. الولايات المتحدة تنأى بنفسها، ولن تنفق المال أو تقدم الجهد بعد الآن. تعامل مع الوضع كما هو. أما بالنسبة لإيران، فلديها مشاكلها الخاصة”، كما نصحه بأن لا يسمح بأن تستولي عليه مصالح الآخرين، وبالبحث عن المصالح والأرضية المشتركة.