https://i.alarab.co.uk/styles/article_image_800x450_scale/s3/2020-05/a5_5.jpg?ix70mJNKTw3L1XNsdXzyf8g0DV1ufIlK&itok=uOd3ZYqM
اسكتشات متفرقة ومواقف ساذجة وسيناريو مفكك

"رجالة البيت" يحصد لقب "الأسوأ" في الموسم الدرامي الرمضاني

مسلسل كوميدي مصري ساخر اعتمد الارتجال فتبرأ منه أبطاله.

by

تبرأت غالبية الممثلين في المسلسل المصري “رجالة البيت” منه أياما قليلة بعد انتهاء عرضه، إثر موجات من الانتقادات العنيفة وصلت حد مطالبتهم بالامتناع عن التمثيل إذا لم يجدوا أفكارا جيدة يقدّمونها للجمهور، بدلا من الفانتازيا الساذجة الخالية من مضمون حقيقي يجذب الناس بالفكرة أو الضحكة.


القاهرة - يستحق مسلسل “رجالة البيت” لقب الأسوأ في الموسم الدرامي الرمضاني بجدارة، فلا يحمل سمة من سمات الكوميديا، وجاء خاليا من القصة وضعيفا في الأداء التمثيلي والإخراج، وفشلت النكات المفتعلة التي ردّدها أبطاله باستمرار في انتزاع الضحكة من المشاهدين، وسطّحت العمل الذي اعتبره بعض النقاد مناسبا للأطفال دون السادسة.

ويرتكز العمل على فكرة فيلم “الغبي والأغبى” لجيم كاري وجيف دانيالز، ويدور حول اثنين من الأغبياء يقيمان في منزل جدهما، ويعيشان عالة على الآخرين، ويفشلان باستمرار في كل مشروع يمضيان فيه للحصول على أموال، ليعملا في كل المهن المُمكنة من التدريس والغناء وإنشاء مصنع للعلكة والتسوّل والنصب وغيرها.

اعتقاد خاطئ

انقلب العمل إلى “تيمون” (الفنان أحمد فهمي) يسأل و”بومبا” (الفنان أكرم حسني) يجيب، ومحاولة انتزاع الضحكات عبر بداهة الأسئلة التي يتضمنها الحوار، مثل: هل الفسيخ أصله من السمك أم الدواجن؟ وما أسباب تسمية الديك الرومي بهذا الاسم؟ وهل هو مُحلل أم مُحرم كلحم الخنزير؟ وكيف يعرف مقدمو النشرة الجوية بالطقس؟ وما الفرق بين الدرجة الصغرى والكبرى؟

جاءت الردود من بومبا أشد سماجة من بينها أن الديك الرومي منسوب إلى مكتشفه العالم السويدي ألفريد رومي، والذي اكتشف أيضا الجبن الرومي، ومعرفة الطقس تأتي من أن الخبراء “بيطقسوا عليه” (يسألون عليه)، والدرجة الكبرى مشتقّة من ثعبان الكبرى، والصغرى ترجع لبناة الأهرام (يقصد سخرة).

https://i.alarab.co.uk/s3fs-public/inline-images/a3_442.jpg?3kl6WNL.k0l8c2gx2D8Q9vYTEfmbMYf_
طارق الشناوي: اعتذار بطلي المسلسل هو تعهد منهما للجمهور بفتح صفحة جديدة

ولم يخرج العمل عن دائرة الحوارات الثنائية لشخصين يتّسمان بغباء منقطع النظير مع اللعب على عنصر الإيحاءات الجنسية أو “كوميديا +” للتقرّب إلى شريحة الشباب، ليخصّص حلقة عن “اللبان الذكر”، وهو نوع من العلكات الشعبية شديدة المرارة في مصر تستخدم لأغراض طبية، مع تعليقات ترجع سبب تسميته إلى شخصيته كذكر (اللبان)، ووقوفه بجوار صاحبه في وقت الشدة.

ويظهر استمرار تأثّر كاتبه أيمن وتار بتجربته مع الإعلامي باسم يوسف في برنامج “البرنامج” الساخر على مستوى التمثيل والتأليف، ومحاولة نقلها إلى الدراما دون فصل بين طبيعة المسلسلات واحتياجها لفكرة رئيسية وحبكة تتصاعد مع الأحداث وصولا إلى الحل، ومقاطع البرامج الساخرة التي تعني الإضحاك بأي وسيلة، ليأتي العمل مفكّكا شبيها بفقرات القصّ واللصق على لوحة بيضاء خاوية.

يعترف صناع المسلسل بالارتجالية في كتابة حلقاته، فأحمد فهمي أكّد في تصريحات صحافية أن العمل اعتمد على طريقة تسلسل الأفكار، بمعنى أن كاتب السيناريو كان يقترح فكرة ويطوّرها المخرج أحمد الجندي والعكس، بما يصبّ في صالح السياق الدرامى للأحداث.

واعتقد صناع العمل أن شعبية أبطاله كفيلة بتقبل أي شيء يقدّمونه، فحشدوا مجموعة من الأسماء الكوميدية ذات الشعبية، وأطلقوا لكل منهم العنان ليمارس موهبته في إضحاك الجمهور دون التزام بالفكرة أو السيناريو ما تسبّب في كارثة، وعجز كبير من أسماء مثل الفنان بيومي فؤاد ولطفي لبيب ودينا محسن (ويزو) ومحمود عزب وسليمان عيد عن انتزاع ضحكة واحدة من المشاهدين.

ولم يظهر “رجالة البيت” الذي دارت غالبيته في غرفة واحدة بمنزل “تيمون وبومبا” قدرة الإخراج على ضبط إيقاع العمل، فممثل مثل لطفي لبيب ظهر في الحلقة الأولى واختفى دون مبرّر، والفنانة “ويزو” لم تغادر المنطقة المعتادة التي تواصل الأداء داخلها منذ ظهورها في مسرح مصر، كفتاة شديدة السمنة تتمّ السخرية منها باستمرار.

ربما كان المؤلف أيمن وتار يسعى لتحويل عمله إلى نوعية المحاكاة “بارودي” التي تقوم قصتها على السخرية الكوميدية من أفلام ناجحة، ليسخر من فكرة بيع الدم في من أجل جنيه في فيلم “حب في الزنزانة” ليحوّلها العمل إلى التبرّع بالدم من أجل الاتجار بعلب العصير التي يحصل عليها المتبرّع مجانا، ومشهد النهاية من فيلم “العار” حينما اكتشف الأشقاء الثلاثة ضياع أموالهم التي استثمروها في المخدرات، أو حتى التهكّم من كتب دراسية شهيرة بمصر تحمل اسم “سلاح التلميذ” وتحويلها إلى “مزاج التلميذ”.

واستعان فريق العمل بنكات شائعة كانت سببا في شهرة ممثلين آخرين، كمشهد مشاجرة بين تهاني (ويزو) وتيمون (أحمد فهمي) والتي اتصل خلالها بالشرطة مردّدا جملة شهيرة للفنان طلعت زكريا في فيلم “عوكل” وتحريفها إلى “مراتي بتأكل أخوها”، أو تقليد الفنان محمود عبدالعزيز في مشهد من فيلم “الكيف” بتحريفه عبارة “بحبك يا ساتموني”، إلى “بحبك يا تيموني مهما الناس لاموني”.

وأراد الثنائي فهمي وحسني تكرار النجاح الذي تحقّق قبل عامين في مسسلسل “ريّح المدام” من نوعية الحلقات المنفصلة المتصلة عن مخرج إعلانات دائم الوقوع في المشكلات بسبب علاقاته النسائية، وزوجته التي تفقد الذاكرة وتتحوّل في كل مرة إلى شخصية مختلفة.

وأظهر المسلسل تأثر أداء فهمي كثيرا منذ انفصاله عن الثنائي هشام ماجد وشيكو بعدما شكّلوا معا فريقا ناجحا سينمائيا، بعدما نجح الثنائي في تقديم عمل درامي “اللعبة” لاقى استحسان النقاد بالمقالب المستمرة بينهما التي استمرت طوال 30 حلقة وجمعت بين التشويق والضحك.

واضطر أحمد فهمي للتخلّي عن اعتداده بذاته ودفاعه المستميت عن أعماله ليعترف بخذلان الجمهور ورفض تقديم مبرّرات لضعف مستوى العمل، واعدا بأفكار أفضل في المستقبل، سواء في الدراما أو السينما، وكرّر بيومي فؤاد الأمر ذاته حينما اعترف بأن العمل لم يكن مضحكا وتم تغيير قصته بسبب أزمة وباء كورونا.

كان فريق “رجالة البيت” يعتزم تصوير عدد من المشاهد الخارجية، إلاّ أن ظروف كورونا دفعتهم لمضاعفة نسبة التصوير داخل “أستوديو مصر” من 40 لتصل إلى 80 في المئة، ما أثّر سلبا على تنوّع أماكن التصوير وأشعر الممثلين بالضيق، وهو ما انعكس على أدائهم الذي اتسم بالافتعال الشديد.

ويقول الناقد الفني طارق الشناوي لـ”العرب”، إن اعتذار بطلي المسلسل عن مستواه يخلق نوعا من التعهّد بينهما وبين الجمهور بفتح صفحة جديدة، لكن يضع عليهما عبئا ثقيلا بالعودة من خلال عمل جيد، فلن يقبل منهما المشاهدون تقديم نفس المستوى مستقبلا، وبالتالي إذا لم يجدا فكرة جيدة لتقديمها فعليهما عدم الظهور حسبما يرى الجمهور.

مدينة "القاهزة"

https://i.alarab.co.uk/s3fs-public/inline-images/a6_44.jpg?uXwNju2HE._phrKOHjVW6JJfYYl8fnAR
أحمد فهمي وأكرم حسني اعترفا بخذلان الجمهور ورفضا تقديم مبررات لضعف مستوى العمل واعدين بأفكار أفضل في المستقبل

لم يقدّم العمل سوى فكرة واحدة جيدة كانت قابلة للتشكيل في قالب درامي شديد السخرية والإضحاك، أو ربما جعلها القصة الأساسية للمسلسل، باكتشاف منطقة تسمّى “السلخة” لا تتبع أي محافظة، ويقرّران تحويلها إلى مدينة “القاهزة” (اشتقاق لفظي من مدينتي القاهرة والجيزة) وخوضهما انتخابات على رئاستها.

وكانت الحلقات الثلاث التي تناولت تلك الفكرة قادرة على النجاح حال استثمارها في السخرية من الواقع في لعبة الانتخابات والدعاية واستغلال الظروف المعيشية الصعبة للأهالي والوعود المعتادة التي لا تتحقق، خاصة مع فتح باب الصراع مع زعيم منطقة “العباسية” المجاورة الذي يريد احتلال “القاهزة”، لكن العمل قدّم الفكرة بشكل مباشر وساذج، وحرقها بمشهد محصل كهرباء جاء بفواتير كهرباء تؤكّد خضوع “السلخة” بالفعل لإدارة قائمة ومحدّدة.

وأوضح طارق الشناوي أن الأعمال المصرية الكوميدية في رمضان هذا العام سيئة حتى نجوم مسرح مصر، مصطفى خاطر وعلي ربيع وحمدي الميرغني، فشلوا في انتزاع ضحكات الجمهور لأنهم يتعاملون مع العمل كأنه اسكتش كوميدي.

وعانت الأعمال الكوميدية من غياب النص القوي واستمرار إعلاء فكرة “الاستظراف” على البناء الدرامي الكامل، وتجاهل كتاب السيناريو حقيقة أن الإضحاك أصعب فنون الكتابة، فخيط رفيع يفصل بين الإنسان خفيف الظل الذي يفجّر الضحك بكلمة واحدة والسخيف الذي يُثير الاشمئزاز أكثر من انتزاع الابتسامات.

ويستحقّ “رجالة البيت” لقب الأسوأ من بين الأعمال الكوميدية ليشبه كثيرا جلسات الأصدقاء على المقاهي، مع محاولة كل ممثل إثبات أنه القادر على الإضحاك بنكات شديدة السخافة وتمثيل فيه الكثير من الافتعال وجمل حوارية تخلو من المنطق تماما ولا تناسب إلاّ الأطفال الذين يوجّهون أسئلة شبيهة بما يقدّمه العمل لأوليائهم.

المشكلة في “كوميديا الأفيهات والنكات” أنها تشبه شعرة معاوية تتطلّب من كاتبها أن يُجيد شدّها وإرخائها في الوقت المناسب قبل أن تنقطع، فإما أن تأتي مبتكرة جذّابة تتداول على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماع وتنقل صناعها إلى الأعلى، أو تكون مملّة تثير النفور وتدفع المشاركين فيها إلى المنحدر.