الشرق الأوسط
ممرضة مصرية استقبلت نبأ إصابتها بـ«سيلفي»... فتمردت على الخوف
بنصيب من اسمها، نالت الممرضة المصرية «إفراج فتحي بكري» إفراجاً صحياً من إصابتها بفيروس «كورونا المستجد»، بعد 16 يوماً قضتها في الحجر، تُعالج من المرض الذي داهمها موقفاً مغامراتها ضمن الفريق الطبي المُعالج بأحد مستشفيات صعيد مصر.
وفي مصر أكثر من 100 إصابة بالفيروس بين الأطقم الطبية، بينهم 10 وفيات، بحسب نقابة الأطباء.
وتعمل إفراج (32 عاماً) ممرضة بمستشفى الصدر في محافظة بني سويف (جنوب القاهرة)، وتمكث حالياً في منزلها، حيث تطبق المرحلة الثانية من العزل. وفي تصريحات خاصة، روت إفراج لـ«الشرق الأوسط» كيف تمردت على مخاوف أسرتها للعمل في مستشفى العزل، وحتى إصابتها بالفيروس التي تقبلتها بثبات ويقين بالتغلب عليه.
البداية، كانت مع عمل إفراج داخل قسم الرعاية المركزة بالمستشفى، بعيداً عن حالات «عزل كورونا». ومع دخول أول حالة «إيجابية»، لاحظت خشية بعض الممرضات من التعامل معها. تقول: «كان الأمر صعباً علينا في أول الأزمة، مع نقص الإمكانيات وحال القلق... كان يمكنني الاستمرار في عملي بعيداً عن حالات كورونا، لكنني قررت التطوع بدافع إنساني، والانضمام لطاقم العزل، والمساهمة ولو بالقليل في منع تفشي الوباء».
اتخذت إفراج قراراً لا رجعة فيه، وطالبت إدارة المستشفى بتوفير مكان لمبيتها، متخلية عن عملها الخاص في أحد المراكز الطبية، خوفاً من نقل العدوى، مُجهزة رداً حاسماً على معارضة متوقعة من الأسرة بأنه «تكليف إجباري» من وزارة الصحة لا يمكن رفضه وإلا فقدت وظيفتها. تقول: «بمجرد إبلاغ الأسرة، الجميع رفض خوفاً على صحتي وأولادي الثلاثة... لكني لم أترك لهم مساحة، غير مبالية بتحذيراتهم».
وتشير إفراج إلى 4 من زملائها حذو حذوها، تُصر على ذكر أسماءهم، وهم: محجوب شعبان، ومروة حسين، وتهاني ياسين، ونجوى خلاف، والأخيرتان أصيبتا بالفيروس أيضاً.
كانت مدة المهمة المقررة 14 يوماً. وفي اليوم قبل الأخير، شعرت بإجهاد عند صعودها درج المستشفى، لاحظه الطبيب المشرف، فقرر إجراء الفحص للجميع.
توضح إفراج: «الأعراض بدأت بالظهور تدريجياً... ضيق تنفس تبعه احتقان الحلق وإرهاق»، لكن دون ارتفاع في الحرارة. وقبل ظهور نتائج الفحص، توقعت بنسبة تتخطى الـ70 في المائة أنها تعاني من «كورونا»، وأنها في طريقها للحجر، فبدأت تجهيز حقيبة مستلزماتها.
أُبلغت إفراج بنبأ إصابتها من مدير المستشفى الذي حاول التمهيد لها، وتجنب صدمتها، إلا أنها استقبلت الأمر بصدر رحب، وأخبرته بتوقعاتها، كما طالبته بـ«صورة سيلفي» قبل الحجر.
تؤمن إفراج بأن «الفيروس يمكن أن ينال منها في أي مكان، وليس شرطاً بسبب عملها، فالقدر لا مفر منه»، وتضيف: «عند انتقالها للعزل، نظر إليها المُسعف بإعجاب، قائلاً إنها المرة الأولى التي يشاهد فيها مريضة بكورونا تتعامل من دون ذعر».
تقيم إفراج في قرية «إهوة»، التابعة لبني سويف. زوجها وأبناؤها (بنت وولدين أكبرهم في المرحلة الإعدادية) علموا بنبأ إصابتها في اليوم الثاني، بعد أن ذهب «طاقم الطب الوقائي» لتعقيم البيت، فـأصابهم الانهيار، معتبرين أن الأمر «فراق بلا رجعة»، خاصة أن والد إفراج توفى قبل شهرين فقط، فأخذت تطمئنهم بدلاً من أن تتلقى تطميناتهم.
انتقلت إفراج للحجر الصحي في مدينة ملوي بالمنيا، منتصف أبريل (نيسان) الماضي. وعن ذلك، تقول: «كنت أنظر إليه بصفته فرصة للتأمل وترتيب الأولويات، فعمدت إلى قراءة الكتب والروايات على الإنترنت». وبخبرة 17 عاماً في مهنة التمريض، اجتازت أصعب الأوقات، وآلام المرض التي «تشتد مع أخذ أدوية تقوية المناعة».
لم تندم إفراج لحظة على عملها في مستشفى العزل، حيث تقول: «أخذت أصبر نفسي بأن الموت في هذه الظروف هو أفضل نهاية أتمناها». قضت 16 يوماً في الحجر. وبعد تحليلين «إيجابيين»، جاء الثالث «سلبياً»، ليُكتب لها النجاة، ورؤية أولادها بعد نحو 40 يوماً من العمل والعلاج.
لم تتخلَ إفراج عن تفاؤلها سوى عند حديثها عن مضايقات «الوصم الاجتماعي» الذي تعرضت له، رغم التماسها العذر للجميع. تقول: «عند خروجي من المستشفى في طريقي للمنزل، علم سائق التاكسي في أثناء تحدثي في الهاتف أنني كنت مصابة بكورونا، فما كان منه إلا أن أوقف السيارة»، مطالباً إياها بالنزول بدعوى أن لديه مشواراً مهماً. كذلك عندما أرادت التبضع من السوبر ماركت، رفض البائع الذي تعرف عليها التعامل معها.
وتعاني إفراج حالياً من مضاعفات في الصدر رغم شفائها من الفيروس، وما زالت في إجازة للنقاهة، لكنها ترغب في العودة للعمل بمستشفى العزل مرة أخرى، وهي بـ«انتظار موافقة الأطباء».