إيران تتحول للدبلوماسية الناعمة لهيمنة أكبر على العراق
طهران تعكف على مراجعة أسلوب فرض الإرادة الأكثر صرامة على ساسة العراق الذي كان ينتهجه قائد فيلق القدس الايراني الراحل الجنرال قاسم سليماني.
بغداد - تخطط إيران لتغيير سياسة في فرض إرادتها على العراق واختراق مؤسساته والتأثير على سياساته في تحول عن أسلوب فرض الإرادة الأكثر صرامة الذي كان ينتهجه القائد العسكري الراحل الجنرال قاسم سليماني الذي قُتل في ضربة جوية أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني على طريق مطار بغداد الدولي وهي العملية التي قتل فيها أيضا أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الموالي لطهران.
ويعكف دبلوماسيان في الكواليس على قيادة جهود إيران للتأثير في السياسة العراقية، وكان هدف الأساليب التوافقية هو كسر الجمود السياسي في بغداد، حيث تتصارع طهران مع واشنطن على النفوذ منذ نحو عقدين من الزمن.
ووفق السياسة الجديدة تسعى طهران عبر دبلوماسية ناعمة لاستعادة زخم تأثيرها في القرارات السيادية للعراق بهدف استقطاب أكبر للموالين لها بما يخلق حالة احتقان أكبر من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وبما يدفع لتسريع رحيل قرابة 5000 جندي من القوات الأميركية في الساحة العراقية، وفق ما ذكره ثلاثة مسؤولين إيرانيين بارزين يشاركون في العملية.
وقال مسؤول إيراني رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن اسمه "أحيانا ينبغي لك أن تأخذ خطوة إلى الخلف وتراقب وتخطط بناء على الحقائق على الأرض"، مضيفا "نحن نريد أن يرحل الأميركيون عن المنطقة. إذا كانت هناك فوضى في العراق... سيستغلها الأميركيون ذريعة لتمديد بقائهم".
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن لا تتدخل في السياسة العراقية.
واقتربت واشنطن وطهران من حافة الحرب في وقت سابق هذا العام بعد هجمات صاروخية على قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية وضربات جوية شنتها أميركا على فصائل مسلحة منها ضربة جوية قتلت سليماني في يناير/كانون الثاني في بغداد.
كان سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يوجه الحلفاء السياسيين في العراق ويخوض أربع حروب بالوكالة في الشرق الأوسط وسعى لفرض إرادته على السياسة في بغداد.
ومنذ مقتله، أجرى المسؤولون الإيرانيون محادثات جادة مع الرئيس العراقي برهم صالح للمرة الأولى منذ سنوات بهدف بناء الثقة وضغطوا على حلفاء إيران الشيعة للتوصل إلى حل وسط لإنهاء جمود حال دون تشكيل حكومة مستقرة.
غير أن بعض المصادر العراقية حذرت من أن المسؤولين الذين يأتون إلى العراق تربطهم أيضا صلات بالحرس الثوري ويمتلكون سنوات من الخبرة في التعامل مع الشؤون العراقية ونفوذا كبيرا على كثير من الفصائل السياسية والمسلحة.
ولم تعلق وزارة الخارجية الإيرانية وسفارة طهران في بغداد عن الاتصالات بين المسؤولين الإيرانيين والحكومة العراقية وزعماء الفصائل المسلحة. كما لم يصدر أي تعليق عن مكتب برهم صالح بخصوص دور إيران في العراق.
وكانت النتيجة الأبرز على الإطلاق للنهج الإيراني الجديد منح البرلمان الذي تسيطر عليه كتل سياسية موالية لإيران، رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي الثقة بعد أن كانت الفصائل الشيعية تعارض تعيينه.
وشغل الكاظمي منصب مدير المخابرات قبل توليه رئاسة الوزراء وتنظر إليه بعض الجماعات المتحالفة مع إيران بعين الريبة بسبب علاقاته الودية مع الولايات المتحدة.
وعانى العراق من اضطراب سياسي شديد بعدما استقال رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي الذي كانت تدعمه إيران، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في مواجهة احتجاجات واسعة على المصاعب الاقتصادية واتهامات بفساد النخبة الحاكمة ومطالبات بكبح النفوذ والتدخلات الإيرانيين.
وقال مسؤول عراقي رفيع إن الرئيس صالح عارض المرشحين المفضلين للأحزاب المتحالفة مع إيران لخلافة عبدالمهدي باعتبارهم مثيرين للشقاق بدرجة كبيرة بالنسبة للسنة والأكراد.
وفي مارس/آذار قام علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بزيارة رسمية تناول خلالها الطعام مع برهم صالح في القصر الرئاسي.
وقال مسؤول آخر "بعد زيارة شمخاني، سارت الأمور أكثر سلاسة"، مضيفا "أظهرت إيران أنها مستعدة للعمل مع إبداء بعض الاحترام للسيادة العراقية ومستعدة لترك العراق يختار حكومته".
وبرز اسم الكاظمي باعتباره الأوفر حظا لمنصب رئيس الوزراء على الرغم من أن بعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران لا تزال تعارضه.
وجاهر فصيل مسلح بالإشارة إلى أن الكاظمي ضالع في مقتل سليماني في ضوء توليه رئاسة جهاز المخابرات العراقي الذي أسسه الأميركيون بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين. وردّ جهاز المخابرات في بيان إن هذا الاتهام باطل.
وفي منزل قيادي شيعي في بغداد قبل ساعات من تصويت البرلمان على حكومة الكاظمي، أقنع حسن دانائي فر المسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية وإيرج مسجدي السفير الإيراني الحالي في العراق رؤساء أحزاب وقادة فصائل شبه عسكرية بدعم الكاظمي.
وقال مسؤول بفصيل مسلح مقرب من منظمة بدر ذات النفوذ في العراق تلقى إحاطة بشأن الاجتماع "كانت رسالة الوفد الإيراني واضحة.. الكاظمي هو الخيار الوحيد المتبقي للحفاظ على بعض الاستقرار في العراق ولحفظ ماء الوجه".
وقال نائب عن حزب الدعوة الذي هيمن على الحكومة العراقية حتى عام 2018 إن بعض الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق لا تثق في الكاظمي بسبب تصورات عن قربه من واشنطن عدو طهران اللدود.
وعلى الرغم من أن دانائي فر ومسجدي فعلا ما يكفي لكسب الأصوات اللازمة لتنصيب الكاظمي، فإن بعض الفصائل المسلحة تقول إنها لا تزال تشعر بالمرارة ويساورها الشك.
وقالت كتائب حزب الله التي تدعمها إيران ووجهت الاتهام الخاص بمقتل سليماني إن طهران مارست ضغطا هائلا في سبيل الموافقة على الكاظمي.
وشبه جواد الطليباوي وهو مسؤول في عصائب أهل الحق المدعومة من إيران الموافقة على الكاظمي بالإجبار على أكل جيفة.
ويعزو بعض المسؤولين العراقيين موقف إيران الأكثر مرونة إلى ضغوط العقوبات الأميركية وانتشار فيروس كورونا على نحو مدمر فيها ومقتل سليماني.
وعندما أصبح الكاظمي رئيسا للوزراء مددت الولايات المتحدة إعفاء العراق من العقوبات المفروضة على إيران أربعة أشهر بما يسمح لبغداد باستيراد موارد الطاقة الإيرانية وهو ما يمثل شريان حياة اقتصاديا لطهران. وقالت واشنطن إن هذا التنازل يهدف إلى دعم الحكومة الجديدة.
وذكر مسؤول غربي أن طهران ترغب على ما يبدو في الحد من التوتر العسكري مع الولايات المتحدة "في الوقت الحالي"، لكن نزعتها التوسعية في المنطقة حيث يوجد حلفاء لها في لبنان وسوريا واليمن لا تشير إلى تهدئة شاملة للتوتر.