اعتزال مورو السياسة يفرط عقد النهضة المأزومة في تونس
النهضة استغلت عبدالفتاح مورو للترويج لخطابات الإخوان المهادنة تحت صورة الإسلامي المعتدل والمعاصر في محاولة لإبعاد اتهامات التشدد والعنف التي ارتبطت بنشاطات الحركة الإسلامية على غرار جماعة الإخوان التي تنتمي إليها.
تونس - تسير حركة النهضة الإسلامية في تونس نحو التفكك بخطى ثابتة بسبب خلافات داخلية وضغوط خارجية فبعد الغضب الشعبي من رئيسها راشد الغنوشي ودعوة البرلمان لمسائلته أعلن نائبه عبدالفتاح مورو، الثلاثاء، انسحابه من الحياة السياسية، مؤكدا أنه لم يعد له مكانا فيها.
وقال مورو (72 عاما)، في تصريح لإذاعة "موزاييك" الخاصة "قرّرت الانسحاب من العمل السياسي والانصراف إلى مشاغل أخرى لها علاقة بالشأن العام".
ورغم الخلافات الداخلية التي تعصف منذ فترة بالحركة الإسلامية بسبب انفراد رئيسها بالقرارات حاول مورو المراوغة بأن قرار الانسحاب "لا علاقة له بحزب سياسي ولا بحركة النهضة، وإنما له علاقة بتقييم ذاتي لأدائي السياسي السابق، وشعوري بأن هذه المرحلة ليست مرحلتي في العمل السياسي".
وأضاف أن هذا "الانسحاب بشكل نهائي من العمل السياسي مهما كان".
وعبدالفتاح مورو وهو محام أحد مؤسسي حركة النهضة (الشريكة في الائتلاف الحاكم) وتربطه علاقة خاصة برئيسها راشد الغنوشي، الذين أسساها معًا عام 1969 لكن عودة الأخير لتونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي وتصدره للمشهد السياسي من جهة الإسلاميين أظهر فتورا واضحا في تلك العلاقة مع تهميش واضح لدور مورو وتغييبه عن المشهد السياسي الذي حرصت النهضة على تصدره.
ويشير انسحاب مورور الذي شغل في العهدة البرلمانية السابقة منصب رئيس البرلمان، في هذا التوقيت إلى المأزق والتخبط الذي تعيشه النهضة بعد سنوات من انفراد الغنوشي بالقرارات داخل الحركة، التي تم تأجيل انفراط عقدها في الفترة الأخيرة أكثر من مرة بسبب انشقاقات داخلية واستقالات متتالية لقياداتها خصوصا بعد نهاية الانتخابات الماضية والتي فازت بها الحركة الإسلامية بأغلبية محتشمة وخسرت فيها خزانها الانتخابي الذي طالما تباهت به.
واعتزال مورو ليس بالجديد فقد لوح في السابق بالانسحاب من النهضة بسبب تهميش دوره خلال فترة حكم الإسلاميين في السنوات التي تلت ثورة يناير 2011، لكن الحركة الإسلامية التي عادت للنشاط السياسي بعد سنوات من الحظر طالما استخدمت المحامي الذي يحرص على الظهور إعلاميا في ثوب الإسلامي المنفتح المحب للفنون والمنفتح على الثقافات الغربية، للترويج لخطابات الإخوان المهادنة تحت صورة الإسلامي المعتدل والمعاصر في محاولة لإبعاد اتهامات التشدد والعنف التي ارتبطت بنشاطات النهضة على غرار جماعة الإخوان التي تنتمي إليها.
وكان آخر ورقة استخدمتها النهضة في هذا السياق ترشيح مورور كأول شخصية في تاريخها للسباق الرئاسي، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي حتى أنها غيرت مظهره بإلزامه بالظهور بربطة عنق بدل اللباس التقليدي التونسي الذي كان يتميز به وعرفه الشارع التونسي به، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل حيث حل مرشح النهضة في المرتبة الثالثة ليتبخر حلم الإسلاميين في الوصول إلى قصر قرطاج.
وكان الدفع بمورو لخوض الانتخابات الرئاسية بمثابة الفخ الذي قامرت به النهضة لإبعاده عن الحياة السياسية أو الاستثمار في فوزه بالرئاسة خصوصا أن ترشيحه لتولي أعلى منصب في البلاد يأتي مناقضا لقرار ابعاده عن دوائر الحركة واعتباره من المغضوب عليهم.
واستقال مورو من الحركة الإسلامية عام 1991 خلال الصدام مع نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وعاد إليها خلال المؤتمر التاسع في يوليو/تموز 2012 بعد أن كانت الاحتجاجات التي أسقطت نظام بن علي فرصة النهضة للتغلغل داخل الدولة والمجتمع فيما بقي مورو خارج حساباتها مقابل تغول الغنوشي على مفاصل الحركة ونشاطاتها.
وأوضح مورو أن مقصده من الانصراف إلى مشاغل أخرى لها علاقة بالشأن العام، يعني أنه "لن يمارس عملا سياسيا أو يتخذ موقفا سياسيا".
وكشف أنه بلور هذا الموقف منذ أشهر و"دليل ذلك أنني لم أظهر في نشاط سياسي أو حديث سياسي منذ أشهر قبل الحديث عن الخلاف الحالي (داخل الحركة) وقبل أن يُعلن عنه"، في إشارة إلى خلافات بين قياديي النهضة حول المؤتمر الحادي عشر للحركة والدور المستقبلي لرئيسها الغنوشي، الذي بدأت ملامحه تظهر في وسائل الإعلام المحلية.
وتابع "لم يعد لي موقع في الحياة السياسية العامة في البلاد، والآن عمري 72 عاما، والبلاد داخلة على تطورات جديدة؛ لذلك رأيت أن الساحة السياسية تحتاج أناسا أصغر مني سنا وأكثر وعيا وإدراكا، علما أنني جربت ورقة في العمل السياسي ورأيت أن الاختيار الشعبي لم يسمح بأن يكون لي موقعا؛ لذلك رأيت أن احترم قرار الشعب التونسي".
وشكلت الخسارة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة احراجا كبيرا لمورو باعتباره شخصية سياسية ذات قيمة داخل حركة الاتجاه الإسلامي التي كان أحد مُؤسسيها خصوصا أن النهضة حرصت على دعم مرشحين آخرين من خارجها بينما تعمدت ابقاء الحملة الانتخابية الخاصة بمورو محدودة ومحتشمة في خطوة تشير لفشل منتظر يمهد لابعاد مورور عن العمل السياسي لاحقا.
ويأتي انسحاب مورو بعد أيام من ظهور بيان لمجموعة داخل النهضة سمت نفسها "مجموعة الوحدة والتجديد" تسعى إلى تصحيح مسار الحركة وإحداث تغيير في قيادتها عبر الدفع نحو عقد المؤتمر الحادي عشر للحركة في موعده قبل نهاية هذه السنة وعدم تجديد الثقة في رئيسها راشد الغنوشي لعهدة أخرى في هذا المنصب.
وكان آخر الاستقالات التي عصفت بالنهضة في مارس الماضي، حين أعلن القيادي بالحركة عبدالحميد الجلاصي، استقالته دون الكشف عن الأسباب، لكن مصادر مقربة من دوائر الإسلاميين أكدت أن السبب يعود لاحتكار الغنوشي وعناصر مقربة منه لقرارات الحركة وتمويلاتها مع الحديث عن وجود شبهات فساد مالي داخلها، علاوة على تمسك رئيسها بالمنصب في المؤتمر القادم رغم معارضة القوانين الداخلية للحزب التي تنهي عهدته في شهر مايو الجاري.
وقبيل الجلاصي استقال أمين عام النهضة زياد العذاري، وسبقه أيضا القيادي لطفي زيتون ورياض الشعيبي وزبير الشهودي وحمادي الجبالي، فضلا عن استقالة قيادات شبابية، مثل زياد بومخلة وهشام العريض، عكست حالة الانقسام والتشتتّ الذي تعيشه الحركة هذه الفترة.
وتواترت اتهامات قيادات سابقة في النهضة لرئيس الحركة لاحتكاره الحزب وتمويلاته وتوزيعها وفق "رغبات عائلته وأصهاره" في الأشهر الأخيرة، حيث تعد هذه الانتقادات غير مسبوقة في الحركة التي طالما عرفت بنظامها الداخلي الصارم والتزام قياداتها ومنتسبيها بالتكتم عن الصراعات والخلافات الداخلية حفاظا على الصورة التي طالما رسمتها الحركة لنفسها على اعتبار أنها متماسكة وقوية.
واتهم القيادي محمد بن سالم في وقت سابق بعض قادة النهضة بالتطبيع مع الفاسدين أو التفرد بالرأي في إشارة إلى طريقة تسيير الغنوشي لشؤون الحركة وتدخل أفراد من عائلته لبسط سيطرتهم عليها.
وبينما يزداد تذمر القيادات داخل النهضة مطالبين بعث دماء جديدة داخل الحركة، يحاول الغنوشي حاليا الدفع باتجاه تأجيل المؤتمر الذي سينظر في خلافته على رأس الحزب الإسلامي، بدعوى أن الظرفية لا تسمح بانتقال قيادي في هذا الظرف الحسّاس الذي تمر به البلاد.
ووفقا للقانون الداخلي لحركة النهضة، استوفى الغنوشي كل إمكانيات الترشح من جديد لترؤس حزبه، حيث ينص على ألا يترشح رئيس الحزب لأكثر من فترتين متتاليتين.
ولا يواجه الغنوشي الذي يرأس البرلمان حاليا غضب قيادات النهضة فقط بل رفض الشارع التونسي لتحركاته المريبة وخلطه بين مهامه على رأس مجلس نواب الشعب ورئاسة الحزب الإسلامي، حيث تتواصل حالة الغضب التونسي جراء الدور الذي يقوم به لدعم الإسلاميين في ليبيا واصطفافه إلى جانب المحور التركي القطري وهو اصطفاف يدفع به تونس إلى الخروج عن حيادها في ملف الحرب الدائرة في الجارة الشرقية.
وأعلنت عدة كتل في البرلمان التونسي تبرؤها من المواقف الصادرة عن الغنوشي بصفته رئيس البرلمان في الشأن الخارجي، وطالبت بمساءلته في أول جلسة عامة حول تدخّله في السياسة الخارجية للدولة وإقحام البلاد في صراعات المحاور الإقليمية.
ووقع برلمانيون ينتمون لأحزاب ليبرالية وتقدمية بيانا أدانوا فيه تكرر تدخلات الغنوشي في السياسة الخارجية للدولة التونسية وإقحامها في النزاعات الداخلية للدول وصراع المحاور الإقليمية، بما يتناقض مع المواقف الرسمية، على غرار التهنئة التي وجهها إلى الغنوشي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج بعد سيطرة قواته على قاعدة الوطية في معركة عسكرية بين فرقاء ليبيين.
وقال البيان إن راشد الغنوشي لا يملك أي صلاحية قانونية بالدستور، أو النظام الداخلي للبرلمان، تسمح له بالتعبير عن أي موقف باسم البرلمان، ما لم يقع التداول فيه، أو الاتفاق حوله، ودون العودة للهياكل والأطر الرسمية للبرلمان، موضحا أن المواقف الصادرة عن الغنوشي لا تعبر عن موقف البرلمان ولا تلزمه في شيء، ما لم يقع التداول فيها والمصادقة عليها في جلسة عامة للبرلمان.