هل يطلب المفتي إسقاط السلاح الطائفي؟
by رولان خاطريخطئ من يظنّ أنّ كلام المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان عن الكيان اللبناني وهويته التاريخية والميثاقية ينفصل عن الجذور الفكريّة والسياسية المؤسِّسة للمدرسة التي حكمت سلوك «حزب الله» منذ نشأته، وهي المدرسة التي تحدّد طبيعة النظرة إلى الوطن الدولة.
ما حَمله كلام المفتي فيه من الصدقية بمكان، ومن التقيّة بمكان آخر، كما يقول مصدر سياسي مطلّع لـ»الجمهورية». هذه الصدقية ظهرت من خلال محاولة «دحر» الصيغة في بُعديها الماروني والسنّي، و»نؤكد أنّ أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت». هذا يعني أنّ الشيعة يبحثون عن بُعد جديد للتركيبة اللبنانية، وهم يفقهون جيداً، وتحديداً «حزب الله»، أن لا مجال اليوم لتطبيق أبسط مقررات وثيقة 84 السرية، والتي تحكم رؤيته للوطن والنظام والدولة في البقعة الجغرافية الموجود فيها، إنما لا ضير من «خطوات نحو الدولة»، عنوانها «المثالثة»، تمهيداً لتحقيق الهدف الأسمى.
فالحزب، لِمَن نَسي أو يتناسى، لم يكن على رضى مع اتفاق الطائف، لا بل أكثر هو يعتبر أنّ طريقة تطبيق هذا الاتفاق أفقدته ما يعطيه «التوازن الطائفي»، محوّلاً نفسه إلى طائفة دينية وسياسية وعسكرية ضمن الطائفة الاسلامية من جهة، وضمن تركيبة الجمهورية اللبنانية من جهة أخرى.
فالحزب يعتبر أنّ الطائف نَصّ على «الالتزام بشراكة الطوائف الأساسية في التوقيع على المراسيم الحكومية: الموارنة من خلال رئيس الجمهورية، السُنّة من خلال رئيس الحكومة، والشيعة من خلال وزير المالية. ويرى أنّ هذا «العرف» ثُبّت، (علماً أنه لم يكن موجوداً) بعد الاتفاق عليه في الطائف قبل أن يتم الانقلاب عليه لاحقاً، متّهماً الرئيس الشهيد رفيق الحريري بتمرير الانقلاب مع السوريين وذلك في أول حكومة شكّلها في العام 1992 عندما سَمّى نفسه وزيراً للمالية.
وبغضّ النظر عمّا اذا كلام المفتي جاء بالتزامن مع هجوم الرئيس نبيه بري على الفيدرالية ومن يؤمنون بها، أو بالتطور السياسي في المنطقة مع إيران وما يمكن أن ينتجه من تبدّل في موازين القوى قد لا تكون في مصلحة الجمهورية الاسلامية وأذرعها في المنطقة، الأكيد، أنّ كلام قبلان عَبّر بجرأة عما لا يقوله الثنائي الشيعي علناً.
أمّا التقيّة، كما يعبّر المصدر، فقد تُفهم في كلام المفتي في دعوته «لإنقاذ لبنان، وتأكيد العيش المشترك، والسلم الأهلي فيه، من خلال المطالبة بإسقاط الصيغة الطائفية لصالح دولة لا طائفية»… فعن أي شكل دولة يتحدث المفتي؟ وماذا يخفي؟
– فعلى سبيل الطرح، اذا كان ما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل مرحلة وانتهت، هل هذا يعني انّ الميثاق سقط، أو انّ الصيغة لم تعد تجدي؟ فإذا كان الحديث عن صيغة 43، فالمسيحيون أّول من دفنوا هذه الصيغة ومنذ زمن، وطالبوا باستبدالها. أمّا اذا كان الحديث عن الميثاق، فليَطرح حضرة الشيخ صراحة ماذا يريد؟
– هل ما يريده المفتي من عقد اجتماعي وسياسي جديد للبنان يكون شبيهاً بتفاهم مار مخايل بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحرّ»؟
– الحديث عن «إسقاط الصيغة الطائفية لإنتاج دولة لا طائفية»، كيف يمكن تحقيقها؟ أَبـ»حزب الله» الذي يستمد وجوده وسلوكه من القواعد الدينية التي يحددها الوليّ الفقيه؟ أم بسياسة قَضم مؤسسات الدولة طائفياً ومذهبياً؟
– أبـ»حزب الله» العابر للطوائف والحواجز الوطنية؟ أم بطروحات انتخابية تضرب التمثيل الصحيح لكلّ المكونات السياسية والطائفية لصالح المكوّن الأكثر عدداً؟
– أين هي الأحزاب العلمانية التي سُمح بإنشائها في المجتمع الذي تحكمه قوة السلاح لكي يستند إليها المفتي على الأقل في مطالبته؟
– أين خطوات تحرير الأحوال الشخصية لكي نصدّق أنّ كلامه عسل، وليس لدسّ السُمّ في العسل؟
– ألا يتطلّب رفض مشاريع الغرب الاستعمارية وجود مواقف استنكار لمشاريع ايران الاستكبارية التوسعية في لبنان والمنطقة، والتي تمسّ السيادة والجمهورية والانسان في لبنان؟
– ألا يجب العمل على مشاريع لبنانية بحتة، عنوانها «لبنان أولاً»، مقابل أي أجندات ومشاريع تأتي على حساب هذا اللبنان؟
– أي نظام سياسي يدعو إليه المفتي فيما مقررات البيئة التي ينتمي إليها المفتي تأتي من الخارج؟
– ألا تتطلّب المناداة بدولة لا طائفية، احترام الدولة الموجودة أولاً في جيشها وأجهزتها؟
– ألا تتطلّب الدعوة إلى وجود نظام ودولة لا طائفية، سقوط السلاح غير الشرعي الطائفي أولاً، أو على الأقل المطالبة بزواله؟ إلا اذا كانت دعوة المفتي تحمل في طيّاتها ما تحمل من نيّة لديه للخلاص من سلاح الحزب عبر طروحات غير مباشرة.
كل هذا، يتابع المصدر السياسي، يطرح سؤالاً عن توقيت كلام المفتي، وهل له علاقة بالحصار المتزايد على محور المقاومة والممانعة؟ هل المقصود أن يتزامَن مع مشروع «قيصر» الذي بات معلوماً أنه قد يطال رؤوساً كبيرة في لبنان؟ وهل تحاول إيران تعويض خسائرها السورية في لبنان؟ وهل يتحضّر محور الممانعة للدخول في مفاوضات، أيّ تنازلات فيها لن يكون تعويضها أقل من امتيازات في النظام السياسي اللبناني؟
ويضيف: «كلام كثير يُقال، وسيُقال. والسؤال المطروح، هل الخطر على هوية لبنان؟ الأكيد أنّ هذا الخطر لم يزل يوماً. من هنا، تكبر المسؤولية على ضرورة حماية الميثاق الوطني من كل أطماع ومشاريع طائفية وعقائدية، ضمن صيغة تحترم قواعد وأسس الميثاق الذي قام عليه استقلال لبنان الأول والثاني، على أمل الثالث».
ويتابع: «تحدّثَ بشير الجميل عن رفض ترميم دولة 1943. لكنه في الوقت نفسه أكد على ضرورة بناء وطن حريات للجميع. وأيّ نظام لا يمكن أن يرى النور إلّا متى تحققت السيادة كاملة على كل أرض لبنان». وفي الوقت نفسه، تحدث بشير عن شعب لم يقرّر بعد أن يستسلم أمام أي كان، وأن يمنح لبنان «بخشيشاً» لأيّ كان».