النهوض بخدماتنا اللوجستية لتطوير النقل البحري

by

طبقا لإحصائيات منظمة التجارة العالمية الصادرة في تقريرها السنوي لعام 2019، حققت التجارة الدولية في قطاع السلع، خلال عام واحد، نموا بمقدار 4.8 في المائة لترتفع قيمتها إلى أكثر من 17 تريليون دولار، حيث أسهم قطاع النقل البحري في نقل نحو 80 في المائة من حجمها، وبقيمة تجاوزت 70 في المائة من إجمالي قيمتها، ونتيجة انفتاح الأسواق العالمية تضاعف حجم هذا القطاع في العقد الماضي ليصل عدد السفن العاملة فيه إلى 53 ألف قطعة بحرية، مسجلة في 150 دولة، وتنقل 11 مليار طن من البضائع سنويا.
وتحقيقا لرؤية المملكة الطموحة، الهادفة إلى ضرورة تقدم ترتيبها في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة الـ49 إلى المرتبة الـ25 عالميا، والوصول بإسهام القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 في المائة إلى 65 في المائة، جاء التشديد على أهمية قطاع النقل البحري بالنسبة إلى المملكة، خاصة أن 13 في المائة من حجم التجارة الدولية يمر عبر البحر الأحمر، مستخدمة أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا، تمثل 7 في المائة من حركة الملاحة البحرية العالمية.
المنافع الاقتصادية الجمة الناتجة عن قطاع النقل البحري تتسع يوما تلو الآخر، بفضل الحركة الدؤوبة في البحار المحيطة بالمملكة والمياه الإقليمية والدولية، التي إذا أحسن استغلالها فستوفر عوائد سنوية صافية. لذا، تسعى المملكة إلى إزالة معوقات هذا القطاع والاعتناء بخدماته لتعظيم الاستفادة منه.
ولعلنا نستفيد من بعض الأمثلة الناجحة في عدد من دول العالم، مثل سنغافورة والصين وهولندا واليابان وأستراليا، التي نجحت في تطوير قطاع النقل البحري، ليصبح الشريان المغذي لنشاط الاستيراد والتصدير فيها وتحقيق نمو غير مسبوق لاقتصاداتها. وجاء هذا النجاح بعد أن أتقنت هذه الدول رفع مستوى خدماتها اللوجستية ومعالجة معوقاتها الفنية.
لذا، جاء التقرير السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" ليكشف نمو أسطول النقل البحري لهذه الدول نموا مطردا ومتزايدا خلال العقد الماضي بنسبة 6.7 في المائة. وأوضح التقرير، أن الدول التي تأخرت في تحديث أنظمتها وتباطأت في رفع مستوى خدماتها اللوجستية، واجهت انخفاضا في مستوى ربط اقتصاداتها بالنقل البحري، ما أدى إلى تقويض فرصها في الوصول إلى الأسواق العالمية. لذا، حث التقرير على ضرورة قيام هذه الدول بتنفيذ سياسات استراتيجية طموحة تثري القدرة التنافسية لموانئها البحرية، وتؤدي إلى ربط خدمات النقل البحري الوطنية بالخدمات العالمية لتوسيع دائرة الفائدة الاقتصادية لجميع الأطراف.
من هذا المنطلق، أخذت المملكة على عاتقها رفع حمولة أسطولها البحري بنسبة تزيد على 50 في المائة، لتبلغ أكثر من 7.6 مليون طن من السلع، فقفز عدد السفن التي ترفع العلم السعودي إلى 363 سفينة، وتقدم ترتيب الأسطول السعودي عالميا من المرتبة الـ32 إلى المرتبة الـ23 من بين 174 من الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية. وما زالت المملكة تسعى إلى تذليل عديد من التحديات التي تواجه قطاع النقل البحري لتصعد إلى المراتب المتقدمة عالميا، وتصبح مركزا لوجستيا عالميا يفي بأهداف رؤيتنا ويستفيد من العوائد الاقتصادية الجمة الناتجة عن تعظيم خدمات هذا القطاع.
وعكس مؤشر الربط بخطوط النقل البحري المنتظمة، الصادر عن منظمة أونكتاد، الذي يقيس مستوى اندماج الدولة في شبكة الخطوط الدولية المنتظمة للنقل البحري، تحول مركز ثقل التجارة العالمية في العقد الماضي إلى آسيا. واحتلت الدول الآسيوية الصاعدة المراكز الخمسة الأولى عالميا، حيث تصدرت الصين الترتيب العالمي، تلتها سنغافورة، ثم كوريا الجنوبية، وهونج كونج، وماليزيا. وبعد ذلك جاءت هولندا في المرتبة السادسة عالميا، تلتها ألمانيا، وأمريكا، ثم بريطانيا.
كما أوضح التقرير، أن الإمارات صعدت إلى المرتبة الـ13 عالميا، حيث جاءت موانئ دبي في المرتبة التاسعة بين أكبر 20 ميناء للحاويات في العالم، بينما شغلت الموانئ الصينية نحو نصف قائمة أكبر 20 ميناء للحاويات، بما فيها المركز الأول الذي حققه ميناء شنغهاي بتناوله 36.5 مليون حاوية سنويا. كما أصبحت سنغافورة مركزا لوجستيا عالميا ليحقق قطاع تجارتها الدولية 3.5 ضعف إجمالي ناتجها المحلي.
هذا النجاح تحقق نتيجة اتخاذ هذه الدول الخطوات الاستراتيجية التالية:
أولا: الالتزام بمشاركة القطاع الخاص في تشغيل الموانئ، كونه الأداة المهمة في تطوير البنية التحتية وتحسين جودة المرافق العامة ورفع معدلات النمو الاقتصادي. وتم ذلك من خلال إنشاء فريق عمل مختص بين القطاعين العام والخاص ليشرف على تيسير أعمال قطاع النقل البحري وتذليل معوقاته. ويشارك في هذا الفريق مندوبون من الجهات الحكومية المختصة بالنقل العام، والموانئ، والجمارك، والضرائب، والتجارة الخارجية، ومجالس الغرف، وتأسيس منصة موحدة بين هذه الجهات لتيسير أعمال قطاع النقل البحري.
ثانيا: الالتزام بتخفيض أو إلغاء الرسوم والضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الاستقطاع، وتقديم الحوافز الملائمة لجذب مشاركة القطاع الخاص واستثماراته.
ثالثا: تسهيل وتيسير إصدار تأشيرات البحارة للسفن العاملة في المياه الإقليمية لهذه الدول وتخفيض تكلفتها وتمديد مدتها مع إمكانية التمديد لمدد أخرى، وتوحيد هذه الإجراءات في جميع المنافذ والموانئ والمطارات.
رابعا: تشجيع وتيسير تقديم الخدمات للسفن، مثل التموين والإصلاحات وبيع وتوصيل قطع الغيار، وتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة من العمل بها، مع جذب السفن العابرة للاستفادة من خدمات موانئ هذه الدول. وتشجيع البيع لهذه السفن بتخفيض التعرفة المفروضة عليها، وذلك لتوليد الوظائف وزيادة دخل الموانئ وتنمية اقتصاد المدن التي تطل على هذه الموانئ.
خامسا: توفير مواصفات دولية بأسعار تنافسية لوقود السفن، مع إعفاء الوقود المستورد والمبيع للسفن العابرة من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية، وذلك لأن هذا الوقود لا يدخل في أسواق الدول، إضافة إلى ما يشكله من نسبة كبيرة في تكاليف التشغيل تعادل 45 في المائة.
سادسا: إشراك ممثل أو أكثر من القطاع الخاص في اجتماعات منظمة البحار العالمية لمناقشة أي تغيير أو تعديل في أنظمة قطاع النقل البحري. وكذلك إشراكهم في المجالس الاستشارية لكل ميناء من موانئ هذه الدول لمعالجة التحديات بكفاءة.
هذه الخطوات الاستراتيجية أسهمت في رفع مستوى قطاع النقل البحري في هذه الدول، وسارعت في النهوض بخدماتها اللوجستية، لتحقق أفضل المراكز العالمية جذبا للاستثمار في هذا القطاع. لذا، من واجبنا الأخذ بهذه الخطوات لتحقيق أهداف رؤيتنا الطموحة، ومضاعفة نسبة نمو ناتجنا المحلي.