نسرين فؤاد تكتب: الجنة من غير ناس
مرت أعياد من قبل على أسر دون فرحة وبهجة لأسباب خاصة جعلت تلك المناسبة تأتي وتذهب دون أن تترك سعادة بداخلهم.
لكنها المرة الأولى التي نتشارك فيها جميعاً في نفس الحالة ويأتي العيد هذا العام باهتاً مفتقداً أبسط ملامحه من زيارات وتنزه وصخب يملأ الشوارع.
الخوف والحذر يسيطرون علي المشهد ويدفعون الجميع للجلوس ببيوتهم كإجراء احترازي خوفاً من العدوي وأيضاً تلبية لقرار الدولة بالحظر وعدم الاختلاط حتى تنتهي تلك الأزمة ونخرج منها معافين.
لعيد الفطر فرحة خاصة تسكن بداخل الصغير والكبير، صلاة العيد والملابس الجديدة والكعك والبسكويت وأصوات البمب وطلقات مسدسات الأطفال وصوت الأغاني المبهجة المنبعث من كل المحلات ذات الألوان المبهجة والبضائع الجديدة المزينة من أجل العيدية والأوراق المالية حديثة الطبع، كل ذلك إختفى هذا العام أو على الأقل ندر وجوده وخلت الشوارع من مظاهر الإحتفال المعتادة.
حدث إستثنائي ندعوا الله جميعاً ألا يتكرر أبداً وأن تعود بنا الحياة لسابق عهدها وتعود أقدامنا تهرول وتمرح في كل مكان على صوت "صفاء أبو السعود" وهي تصيح بفرحة،
"أهلاً.. أهلاً بالعيد".
لم يتبقى من ملامح المشهد هذا العام سوي تلك اللمحات الغاية في الجمال والرقي للأم المصرية دائمة العطاء التي إستطاعت أن تفرض شخصيتها الحنونة وتسيطر على الموقف وتتمسك بملابس العيد الجديدة للصغار ليملئموا نفوسنا جميعاً ببهجة حقيقية ونحن نراهم في النوافذ والشرفات بألوانهم الزاهية وشعرهم المصفف اللامع وهم يضحكون ويلوحون ومستمرون في فرض حقهم علي الواقع وبالأخص هؤلاء الصغار الذين إختاروا ملابس الجندي زياً جديداً لهم هذا العام ويمسكون ببندقية بلاستيكية وكلهم يسمون أنفسهم "أحمد المنسي".
أطفال مصر غردوا جميعهم بعيداً في سماء خاصة جداً ووضعوا أمامنا سعادة مزدوجة لا نملك أمامها غير الإعجاب والتصفيق الحار الصادق.
لم تغيب صورة العيد وبهجته بكم وزدتم عليها بملابسكم وأسلحتكم بين أيديكم.
مشاعر الحب والطمأنينة أنكم جيل نمي بداخله حب الأرض وحب الدفاع عنها بتلقائية وعفوية لا يمكن وصفها.
إذا كانت القاعدة الشعبية تقول "الجنة من غير ناس ما تداس"، فقد غيّر أطفال مصر تلك القاعدة وحرفوها لتصبح الجنة بدون صغار يخطون نحو المستقبل بإنتماء وحب ما تداس ولا تكون بالأساس.
الأم المصرية وأبناءها، أنتم صنعتم جنتنا هذا العام.
إعلامية وباحثة فى مجال الصحة النفسية