https://img.arabi21.com/Content/Upload/large/5202025152611634.jpg
كتاب يسلط الضوء على أسباب تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين العرب (عربي21)

قراءة في خارطة اللاجئين والمهاجرين العرب عالميا (1 من 3)

by

الكتاب: "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم"
الكاتب: توفيق المديني 
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ـ لبنان ـ بيروت.
الطبعة الأولى 2020،(عدد الصفحات 319 من الحجم الكبير)

لم يعد الفلسطينيون وحدهم من يحيون ذكرى نكبتهم في وطنهم الذي احتله الصهاينة عام 1948 وشردهم من ديارهم، فقد فعل استبداد الأنظمة العربية أيضا بالشعوب شيئا من هذا القبيل، إذ بسبب الاستبداد واستفحال الصراع السياسي، فضلا عن استمرار القوى الاستعمارية في الكيد للعالمين العربي والإسلامي، فقد اضطر ملايين العرب والمسلمين إلى ترك ديارهم هربا من جحيم الحروب حينا ومن ضيق مساحات الرأي حينا آخر، وهاجروا إلى أصقاع شتى في العالم بحثا عن الأمن والاستقرار.

رحلة الهجرة أو النزوح، لم تكن نزهة ولا رحلة طبيعية، وإنما هي أشبه بعملية اقتلاع، بما يعني ذلك من وجع سواء بالنسبة لبلد المصدر أو حتى لبلاد الاستقبال..

اللاجئون والمهاجرون العرب، هو موضوع الكتاب الجديد للباحث والكاتب التونسي توفيق المديني"، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ـ لبنان ـ بيروت ربيع العام 2020، تحت عنوان: "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم".. نعرض لأهم ما جاء فيه عبر ثلاث حلقات متواصلة..    

جذور هجرة العرب

تعدّ مسألة النزوح والهجرة، من أكبر الأزمات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، فقد اكتسب موضوع انتقال اليد العاملة، أو ما يسمى بالهجرة، أهمية متزايدة في الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية ـ وهي المرحلة التاريخية التي شهدت توسعًا هائلاً في تطور الرأسمالية العالمية، وازدهارها، لا سيما في الدول الصناعية الغربية ـ لأسباب متعددة، أول هذه الأسباب أن ظاهرة الهجرة أصبحت تشمل أعداداً كبيرة، ويترتب على انتقالها آثار اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى.

ومع نهاية الحرب الباردة، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وانتصار العولمة الرأسمالية الليبرالية على مستوى كوني مع بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، ازدادت ظاهرة الهجرة من البلدان النامية والفقيرة في عالم الجنوب إلى الدول الأوروبية والأمريكية الشمالية. 

وأثارالخبراء والمحللون  التساؤل حول ظاهرة الهجرة وعلاقتها بظاهرة العولمة، واتبع هذا التساؤل من أن آراء كثيرة من الدول النامية ترى أن العولمة قد شملت تحولاً كبيراً في التكنولوجيا، وكذلك زيادة غير مسبوقة في حجم التجارة الدولية، وقد أحدث هذان التطوران حركة ضخمة لدوران رأس المال وحركة انتقاله عبر الحدود.
 
تقدر منظمة العمل الدولية أن حركة انتقال العمالة عبر الحدود شملت ما يزيد عن 10 ملايين شخص سنوياً خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ويتم الجزء الأكبر من الهجرة عموماً بين الدول النامية وبعضها بعضاً. فقد بلغت نسبة المهاجرين للعمل من الدول كثيفة السكان في المنطقة العربية إلى الدول المنتجة للنفط حوالي 10 ملايين شخص عقب الفورة النفطية في السبعينيات، وكانت تمثل حوالي 10 ـ 15% من اليد العاملة في الدول المرسلة ولكن إذا نظرنا إلى حركة الهجرة في المنطقة حالياً، فسنجد أنّ  50% من انتقال العمالة يتجه إلى أوروبا. و40% يتجه إلى البلاد العربية و10% إلى الدول الأخرى.

وتشير الإحصائيات العالمية إلى أنّ عدد المهاجرين في العالم بلغ في عام 2006 حوالي 200 مليون فرد، يمثلون 3 في المئة من إجمالي سكان العالم، يتوزعون على أوروبا (34%) أمريكا الشمالية (23%) آسيا (28%)، حيث يذهب 9% فقط إلى إفريقيا و3% إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي و3% إلى نيوزيلندا واستراليا. وبذلك فإنّ 6 من كل 10 مهاجرين (أي حوالي 112 مليوناً) يعيشون في بلدان غنية سواء في الدول الصناعية أو الدول المنتجة للبترول، ويمثل النساء نصف حجم الهجرة العالمية وتزيد على ذلك في الدول المتقدمة، ولكن تقل نسبة مساهمة النساء في تيار الهجرة المتجهة إلى الدول المنتجة للبترول في الشرق الأوسط.

 

أسباب الهجرة

في كتابة الجديد: "اللاجئون والمهاجرون العرب في بؤر التوتر: دراسة في أسباب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والعالم"، الذي يتكون من قسمين: الأول ويحمل العنوان التالي: اللاجئون العرب والحروب في الشرق الأوسط، ويتضمن عشرة فصول، منها ستة فصول عن الأزمة السورية، والقسم الثاني، المهاجرون العرب ما بعد الربيع العربي في البلدان المغاربية، ويتضمن ثلاثة فصول، في هذا الكتاب يربط الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني ما بين تزايد الهجرة غير الشرعية بوصفها مشكلة عالمية  معاصرة، حيث يلاحظ أن قارات العالم المختلفة تعاني بشكل أو بآخر هذه المعضلة، مثل أوروبا، واستراليا، وأمريكا الشمالية، وما بين تدفق اللاجئين مع بداية الألفية الجديدة، نتيجة اندلاع الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وحالات عدم الاستقرار في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، لا سيما مع الحربين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة الأمريكية في كل من أفغانستان عام2001، والعراق عام 2003، فأصبحت أعداد اللاجئين والنازحين في تزايد مستمر، مما وضع أعباء ضخمة على البلاد المستقبلة لهم.

فقد شرّد العدوان الأمريكي على العراق ما يقارب 4 ملايين عراقي، وهجرّ نحو 2.8 مليون نازح داخل العراق، نتيجة استمرار تردى الوضع الأمني. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان نحو مليوني لاجئ عراقي يتواجدون في البلدان المجاورة، خاصة في سوريا التي استضافت ما بين 1.2 و 1.4 مليون عراقي، كلف الحكومة السورية ما يقرب من ملياري دولار سنوياً، وقد سجل مكتب المفوضية بدمشق رسمياً وجود 215.429 لاجئاً حتى أواخر أيلول (سبتمبر) 2009، والأردن الذي استضاف نحو 500 ألف عراقي، بالإضافة إلى لبنان وتركيا وإيران.

 

شرّد العدوان الأمريكي على العراق ما يقارب 4 ملايين عراقي، وهجرّ نحو 2.8 مليون نازح داخل العراق، نتيجة استمرار تردى الوضع الأمني

 

كما استقبلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 2010 أعداداً كبيرة من العراقيين، واضعة شروطاً محددة تحت بند "أشد الناس عرضة للخطر"، متحملة بذلك جزءاً من مسؤوليتها، حيث قامت بتوطين ما لا يقل عن 17 ألف عراقي في الولايات المتحدة في عام 2010، مقارنة بنحو 19 ألفاً تم توطينهم خلال عام 2009، وخصصت لهم نحو 386 مليون دولار معونات، وكانت الولايات المتحدة قد استقبلت نحو 14 ألف لاجئ عراقي في عام 2008، و1200 في عام 2007. وبلغ إجمالي ما قدمته الولايات المتحدة من دعم للاجئين العراقيين نحو 400 مليون دولار حتى عام 2009. 

وسلط الباحث توفيق المديني الضوء على اندلاع موجة الثورات العربية في عام 2011، حيث شكلت الحرب المستمرة في سوريا منذ منذ أكثر من تسع سنوات، أزمة دولية وإقليمية كبيرة على صعيد تدفق النازحين واللاجئين، لاسيما مع ارتفاع أعداد الهاربين من الصراع الذي تشهده سوريا، إذ وصلت أعداد طالبي اللجوء إلى المستويات القياسية التي سجلت بعد الحرب العالمية الثانية، كما رفعت إجمالي تدفقات الهجرة في العالم. فقد أسفرت الحرب في سوريا عن سقوط أكثر من 500 الف قتيل ونزوح أكثر من تسعة ملايين شخص في الداخل، ولجوء أكثر من خمسة ملايين آخرين إلى دول مجاورة أو الى أوروبا.

وفي رصد لأزمة اللاجئين السوريين، وغرق المئات منهم، إثر محاولاتهم للهروب من ويلات الحرب الأهلية في بلادهم، بحثاً عن حياة أفضل في الدول الغربية، وتأزم أوضاعهم مع رفض بعض الدول لاستضافتهم خوفاً من أن تكون لهم صلة بالتنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، خاض هؤلاء اللاجئين، تجربة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في قوارب صيد متهالكة، ومكتظة بالأعداد، تفوق قدرة القارب، فضلا عن حظر تعرضها للقرصنة في عرض البحر، وكانوا يدركون جيداً احتمالية عدم قدرتهم على عبور البحر أحياء، لكن يأسهم دفعهم لقبول تلك المخاطرة،لأنّ الأمل أقوى من البحر.

اللاجئون السوريون والهروب من الحرب

تحولت قضية اللاجئين السوريين إلى قضية عالمية في عام 2013، إذ تحول لاجئون كثر للسفر عن طريق البحر إلى دول أوروبية عديدة، بعد ازدياد أعدادهم في تركيا والأردن ولبنان. ورغم تضارب الأرقام والإحصائيات حول عدد النازحين السوريين من وطنهم، فإنّ الرقم الأكثر تداولاً من قبل المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين، يدور حول 5.6 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا وأوروبا، و6.6 مليون نازح سوري داخل البلد، وهوالرقم الذي يمثل أكبر عدد نزوح لشعب في العالم، وهؤلاء فرّوا من العنف الدائر في وطنهم. 

وتدل المعلومات المتوافرة لدى "المركز الروسي لاستقبال وتوزيع اللاجئين في سوريا" على أن ستة ملايين و982 ألفاً و302 لاجئ سوري مسجلون اليوم في أراضي 45 دولة أجنبية. فيما بلغ عدد اللاجئين السوريين في أوروبا حدود الـ 900 ألف توزعوا على حوالي 37 دولة أوروبية 59% في صربيا وألمانيا و29%منهم بين السويد استراليا هنغاريا والدنمارك أما الباقي فقد شكلوا حوالي 12% وتوزعوا في بقية دول الاتحاد الأوروبي.

 

شكلت الحرب المستمرة في سوريا منذ منذ أكثر من تسع سنوات، أزمة دولية وإقليمية كبيرة على صعيد تدفق النازحين واللاجئين، لاسيما مع ارتفاع أعداد الهاربين من الصراع الذي تشهده سوريا،

 

أعداد ضخمة من اللاجئين تحولوا إلى دول محيطة بسوريا أو أوروبية أو حتى دول عربية وافريقية بالإضافة إلى أمريكا وأستراليا، لكن مازالت أعدادهم قليلة مقارنة بالنزوح الداخلي الأضخم. وتقول بعض التقاريرالغربية: "إن أكثر من 7 ملايين سوري تركوا منازلهم وهجروا مناطقهم إلى مناطق أخرى ضمن سوريا، حيث شهدت مدينة حلب بداية أكبر عدد من النازحين قبل أن يتم ضربها ، ثم تلتها مدينة دمشق واللاذقية وحماه بالإضافة إلى مدينة طرطوس".

ومنذ أن تصدرت صورة إيلان كردي (3 سنوات)، الطفل السوري الذي عرفه العالم جثّة على شاطئ بودروم التركية، مع بداية شهر أيلول / سبتمبر2015، أجهزة الإعلام العالمية المرئية والمكتوبة، أصبحت قضية اللاجئين السوريين تشكل أزمة ضاغطة على كل أوروبا، بسبب تداعياتها الإنسانية والوجودية. 

في سياق ردّه على هذه الأزمة، ركّز المجتمع الدولي بشكلٍ رئيس على المساعدات الإنسانية وعلى استراتيجية احتواء أزمة اللجوء. وبالتالي أُعطيت الأولوية عموماً إلى مسألة وقف سيل الهجرة إلى أوروبا، على حساب معالجة الأسباب الأساسية للصراع أو تحسين ظروف اللاجئين. وسرى الافتراض بأن اللاجئين في مقدورهم البقاء إلى ما لانهاية في الدول المضيفة، ريثما ترتسم معالم اتفاق سياسي في سوريا. لكن المساعدات الإنسانية المهمّة التي وفّرها الاتحاد الأوروبي وغيره من المانحين إلى لبنان والأردن وتركيا غير كافية لتلبية حاجات اللاجئين ومواطني الدول المضيفة، ولاسيما في ضوء الطبيعة المُتمادية لصراع السوري.

مع استمرار الأشخاص البائسين في المخاطرة بأرواحهم للهروب من جحيم الحرب، وفي ظل غياب دور للمجتمع الدولي، أدّت قضية اللاجئين السوريين إلى انقسام الاتحاد الأوروبي، وتهديد قيمه الأساسية. فمع ازدياد عدد اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية، شرعت تلك الدول في تشييد سياج على طول حدودها لمواجهة تدفق اللاجئين، وبعضها هدد بإغلاق الحدود تماماً، مما عرض إحدى القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي للخطر، والتي تتمثل في حرية الحركة بين الدول الأوروبية. كما خلقت تلك الأزمة انقساماً بين دول الاتحاد الأوروبي لتباين مواقفهما تجاه استقبال اللاجئين الفارين من الحروب الأهلية بأوطانهم.

تحديات كثيرة أثارتها الأزمة السورية، أبرزها نقص المساعدات الدولية، وغياب آليات واضحة لإنقاذ الملايين من براثين الحرب في سوريا، فضلاً عن إخفاق مساعي إنهاء الصراع ـ سواء عبر مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة أو عبر مفاوضات أستانة التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا ـ في أخذ مخاوف اللاجئين وحاجاتهم وشروطهم الأساسية للعودة إلى موطنهم في الاعتبار. 

ويفترض كلا إطارَي مفاوضات السلام ضمناً أن اللاجئين سيعودون إلى ديارهم فور إبرام اتفاق السلام، بيد أن هذا مستبعد للغاية. فاللاجئون الذين يفكرون في العودة يسعون إلى ضمانات تشمل سلامتهم الجسدية، والحصول على الخدمات الأساسية، وفرص العمل، والحق في العودة إلى مناطقهم الأصلية، ويُساورهم القلق من الأحكام التي سيتضمّنها أي اتفاق سياسي مُحتمل، ومن الطريقة التي ستتم فيها عملية انتقال السلطة، وما إذا كانت العدالة ستأخذ مجراها. وهم يريدون أيضاً ضمانات بأنهم لن يتعرّضوا إلى الأذى عند عودتهم.