الفيروس الحقيقي... الأخبار الكاذبة
by حمزة عليانتخيّلت للحظة لو أن الصحف اللبنانية تحذو حذو "النهار" وتضيف إلى مواقعها الإلكترونية، الخدمة التي تتكفّل بها الزميلة هالة حمصي بكشف "الأخبار الزائفة"، لاكتشفنا كمّاً هائلاً من أكاذيب بعض السياسيين اللبنانيين الذين يحترفون تضليل الرأي العام. وإذا ما طوّرنا الفكرة وعمّمناها على قطاعات أخرى لتشمل اقتصاديين ونقابيين وحزبيين، فستعمّ الفائدة على غالبية الشعب اللبناني، وربما تساهم في تقويض صورتهم، وتزرع الشك في نفوس البعض الذين ما زالت "مناعة القطيع" تفعل فعلها في عقولهم المحجّبة. أكبر المشاكل اليوم التي تواجه "الإعلام التقليدي" هي الأخبار الكاذبة ومصنعها "السوشيال ميديا"، وأقرب مثال ما له علاقة بالكورونا؛ شائعات تنتشر بسرعة على الشبكات الاجتماعية، تقارير تخرج من بيوتات صناعة الأكاذيب تتوجه للجمهور تدعوه لتناول المشروبات الساخنة أو انتظار حلول فصل الصيف لأن ارتفاع درجات الحرارة كفيل بوقف انتشار الكورونا! في البرازيل تدور معركة بين أنصار الرئيس بوسنارو ومعارضيه، يحاولون التخفيف من خطورة المرض، يشيعون معلومات مغلوطة وينظمون تظاهرات احتجاجية ضد تدابير التباعد الاجتماعي، ويردّدون كلاماً للجمهور أن كوفيد -19 لا يعدو كونه أكثر من أنفلونزا خفيفة. شيء يشبه الفاشينستا بات يسبح وسط بحر من الأخبار الكاذبة، صار كالفيروس الحقيقي، يحتاج إلى لقاح عاجل بعد أن استفحل أمره ودخل في مزادات السوق السوداء. كلما نجح "موقع ما" بتكبير الكذبة والمبالغة في حجم الإثارة، كلما ارتفع سعره بزيادة عدد النقرات وأرقام الداخلين عليه! الظاهرة كانت محط أبحاث ودراسات علمية، خلص فيها الباحثون إلى أن المحتويات الزائفة لديها فرص انتشار بنسبة 70 في المئة مقارنة بالحقيقية، بسبب توافرها على عنصر الإثارة، وبكونها تحمل مفاجأة غير متوقعة تثير مشاعر مختلفة لدى متلقّيها. في عدد من بلدان الغرب تزاحمت خدمة الـ "Fact check" أي التثبت من الحقائق، في تلفزيون الـ ABC الإوسترالي على سبيل المثال، أو في وكالة "الأسيوشيتيد برس"، أو في محطة CNN، أو مجموعة "فرانس برس"، ومنها من توسعت بالمهمة وفتحت الباب لتلقي الشكاوى، وشجعت القراء على كيفية التحقق من الخبر أو الفيديو إذا كان كاذباً أم لا. فرق عمل تعمل على مدار الساعة، لديها لجان تدرس وتناقش وفق معايير وبرامج تقنية تصل إلى حد الاتصال بمصدر الخبر للتثبت من صحته. بعض تلك الخدمات غير ربحية، أي أنها باتت جزءاً من المجتمع المدني تساهم في تشكيل رأي عام يدفعه باتجاه مراقبة ومحاسبة أي مسؤول مهما علا شأنه أو المنصب الذي يشغله، باعتبار أن هذه الممارسة جزء من العملية الديمقراطية القائمة على أن دافع الضريبة يملك الحق بمحاسبة الوزير أو الرئيس. الأخبار المضللة تتفوق أحياناً كثيرة على الأخبار الاحترافية من حيث عدد المشاركين والمتفاعلين، ففي دراسة لمعهد أكسفورد للإنترنت، كشفت أن محتوى منافذ إعلامية تنتج وتنشر عمداً معلومات مضللة أو خادعة، لأن هذا النوع من الأخبار يستخدم تكتيكات تسهّل مهمة الانتشار، مثل اللغة والعنوان الجاذب، وأن أكثر القصص الزائفة تدور حول الموضوعات الشعبوية كالهجرة والإسلاموفوبيا. عند العامة من الناس، ليس بالأمر السهل فرز الأخبار الزائفة من الأخبار الحقيقية، وإن كانت هناك أبحاث وتقارير ودراسات تقدّم نصائح للتعرّف عليها، وهذا ما فعله الفيسبوك مؤخراً بعد اتهامه بالتضليل وفق نموذج الخوارزميات الذي يطبقه، واتخاذه خطوات للحدّ من تلك المعلومات الزائفة. أما الخلاصة التي انتهت إليها جامعة أريزونا الأميركية، تفيد أن أكثر من ثلث الأشخاص الذين شمهلم استطلاع قاموا به، لم يتمكنوا من تحديد عنوان مزيف في مقالات معينة، ولذلك عرضوا ثماني خطوات أو مصادر تساعد في التحقق من صحة المعلومات والمصادر على الإنترنت. صحف الإثارة أو "التابلويد" تنتج أحياناً مواضيع يغلب عليها طابع الإثارة، ولهذا سُميت بـ"الصحف الصفراء" لعدم مصداقيتها. التلاعب بالعقول ليس "لعبة" بل مهنة تلازمت مع صناعة الدعاية والإعلام، وتطورت معها، بل كانت في معظم الأحيان مترافقة ولصيقة بها وبالمرحلة التي بلغتها من حيث الأدوات وأسلوب الترويج. قبل عصر الإنترنت، كانت الصحف تتسابق على أرقام التوزيع والانتشار، وحلبة السباق مفتوحة على من يسجل رقماً أكبر من الثاني، بهدف كسب الإعلان وزيادة المبيعات! إزاء هذا الوضع أُنشئت مؤسسات للتحقق من الانتشار، وعملت على "تنظيم" ومكننة هذا السباق المحموم، واستطاعت أن تحدّ من تفاقمه، لكنها لم تلغيه. هناك محاولات جدية وإن كانت محدودة، ظهرت في الكويت والخليج العربي مع بدء خدمة الإنترنت في التسعينيات من القرن الماضي. مواقع تخصصت بكشف "منتحلي الأفكار" ترصد المقالات الصحفية، تخرج في اليوم التالي بعبارة "قرصنة فكرية وسطو على حقوق الملكية"، ما أثار الذعر لدى أسماء كبيرة جعلها تعدّ للألف قبل أن تمدّ يدها إلى أفكار الآخرين! بالرغم من ذلك، تجد بين وقت وآخر صحفاً إلكترونية متخصصة في الردّ على الشائعات المتداولة، ومواقع "تحقق" تسمح للمتابعين بالاطلاع على الأخبار الصحيحة من مصادرها الرسمية الموثوقة. "جيوش التضليل" كان التوصيف الأقرب للظاهرة، بحسب دراسة أجراها مركز "المستقبل للأبحاث"، فالمسألة لم تعد مجرد أخبار كاذبة أو حالة عابرة بل صناعة متكاملة الأركان، نتيجة للتالي: 1- طفرة هائلة من التقنيات وأساليب النشر. 2- تصاعد تأثير المنصّات الإفتراضية. 3- قدرة الأفراد على أخذ دور الصحافي وبثّ الأخبار. ¬¬ ستبقى المواجهة قائمة والمعركة مفتوحة طالما وُجدت بيئة حاضنة تغري من أراد التكسّب والمنفعة. hamzaolayan@icloud.com مواضيع ذات صلة المفتي قبلان يكتب بعد الجدل: نعم هذه هي جريمتي عن سابق تصوّر وتصميم بكائية على عز العرب أوجاع الناس المضرّجة تحت سكّين الحكومة الدمية وحروب الغبار بين "حزب الله" والتيّار العوني ما رأيكم بتحضير هذه الحلوى العراقية بمكوّنات بسيطة مع المدونة ديما الأسدي؟