"إحياء الميثاق الملي".. تركيا تعزز مواقعها شمال سوريا
by المصدر:تكشف التحركات العسكرية التركية الأخيرة، في الشمال السوري، عن نية أنقرة تغيير صيغة وجودها، بحيث تصبح مسيطرة بشكل مباشر، بدلًا من السيطرة بالوكالة، عبر الفصائل الموالية لها، والتي عمدت أنقرة إلى إرسال عناصر منها إلى ليبيا، للقتال إلى جانب حكومة الوفاق، الجيش الوطني الليبي.
ووفقًا لأرقام أوردتها منابر إعلامية، ومراكز حقوقية، بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن أعداد ”المرتزقة“ السوريين من فصائل المعارضة المسلحة، الذين أرسلتهم أنقرة إلى ليبيا، تكاد تتطابق مع أرقام الجنود الأتراك الذين دخلوا الأراضي السورية، وهو ما يرجح صحة الفرضية التي تقول، إن تركيا بصدد ”الاحتلال المباشر للأراضي السورية“.
وأدخلت تركيا، اليوم الإثنين، تعزيزات عسكرية ولوجستية جديدة إلى شمال غرب سوريا في مناطق حلب وإدلب، ليرتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التركية، التي دخلت الأراضي السورية، منذ مطلع شباط/فبراير الماضي إلى أكثر من 6845 شاحنة، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص، ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب، خلال الفترة ذاتها، أكثر من 10400 جندي تركي.
وفي المقابل، بلغت أعداد المجندين السوريين من الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا، والذين وصلوا إلى ليبيا خلال الأشهر الأخيرة 10100 عنصر، وهو رقم يماثل عدد الجنو الأتراك الذين دخلوا سوريا، فضلًا عن وجود نحو 3400 مرتزق سوري من الفصائل المسلحة يخضعون، حاليًا، للتدريب في المعسكرات التركية استعدادًا لإرسالهم إلى ليبيا.
وتواصل أنقرة عمليات إرسال المسلحين السوريين إلى ليبيا، وإدخال الجنود الأتراك إلى سوريا، رغم الهدنة التي أبرمتها روسيا وتركيا في الخامس من آذار/مارس الماضي، والسارية منذ ذلك التاريخ، وبالرغم من الدعوات الأممية التي تطالب بالتوقف عن أي نشاط عسكري، وحشد كافة الجهود في سوريا لمواجهة تفشي وباء كورونا في البلاد، والذي سيقود إلى كارثة في حال تفشيه في ظل أنظمة صحية هشّة، دمرتها الحرب الدائرة منذ تسع سنوات.
الجيش التركي محل المسلحين
ويرى المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ”الجشع التركي ومطامع الرئيس، رجب طيّب أردوغان، العثمانية في سوريا، والتي كانت تختبئ خلف مُبرّر وجود القوات الكردية، انتقلت للعلن مُتخذة من منطقة عفرين شمال غرب سوريا نموذجًا أوّليًا لبدء الاحتلال التركي المباشر“.
ورأى المرصد، أن ”هذا السيناريو بات واضحًا في ظلّ تنفيذ أنقرة خطط متواصلة، لنقل كافة الفصائل السورية التابعة لها من عفرين للقتال في ليبيا، سواء قبلت تلك الفصائل أم رفضت، ونشر القوات التركية مكانها، وتسليمها زمام الأمور بالكامل في عفرين، كخطوة أولى ستطبق لاحقًا في باقي المناطق شمال سوريا“.
وبحسب المصادر ”تنوي تركيا نقل أغلبية هؤلاء المقاتلين التابعين للفصائل السورية المسلحة إلى ليبيا، وذلك بحجة ما بدر من سلوك وفساد وانتهاكات هؤلاء المسلحين ضد مدنيي منطقة عفرين، وشمال سوريا عموما“.
حق إريد به باطل
ويعلق خبراء، أن هذه الحجة التركية تندرج تحت مقولة ”حق يراد به باطل“، مشيرين إلى أن الفصائل السورية المسلحة ”قامت فعليًا بانتهاكات جسيمة ضد سكان الشمال السوري، وفقًا لمنظمات حقوقية. غير أن هذه الانتهاكات كانت تقع تحت مسمع ومرأى الجنود الأتراك، وهو ما يعني أن الهدف الرئيس من نقل المسلحين السوريين إلى ليبيا، هو إحلال الجنود الأتراك محلهم، في محاولة للتحكم بالواقع الميداني، وفرض الاحتلال المباشر“.
ونقل موقع ”أحوال تركية“ المعارض عن مراقبين سياسيين قولهم، إنه ”من المستبعد أن تكون تركيا بحاجة لكل هذه الحشود العسكرية، لطرد عناصر المعارضة السورية المتشددة، كما تزعم أنقرة تطبيقًا لتفاهمات مع موسكو“.
وأضاف هؤلاء، أن ”الفصائل المتشددة التي تسيطر على إدلب، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) تأتمر، في غالبيتها، بأوامر الاستخبارات التركية ولا حاجة لمُحاربتها، وهو يعزز الشكوك، حول وجود خطط تركية للبقاء طويل الأمد في الأراضي السورية“.
وبحسب المصادر، ”تترافق التحشدات التركية مع مخططات تتريك ممنهجة، طبقتها تركيا في المناطق التي سيطرت عليها، بمشاركة الفصائل السورية المسلحة، عبر ثلاث عمليات عسكرية (درع الفرات، وغصن الزيتون، ونبع السلام)، والتي قضمت أنقرة، على إثرها، أجزاء واسعة من شمال سوريا، غرب نهر الفرات، وشرقه؛ حيث سارعت تركيا إلى ترسيخ حضورها الاقتصادي والثقافي والديني، إلى جانب العسكري، عبر إدخال مؤسساتها الخدمية وموظفيها إلى مدن الشمال السوري، كاشفة بذلك عن وجه استعماري قديم مُتجدّد، يشمل كذلك الاستيلاء على منازل السوريين، وتغيير أسماء بعض الشوارع بأخرى تركية، وفرض التعامل بالليرة التركية“.
ووفقًا لـ“أحوال تركية“، فإنّ المشهد الحالي للمدن السورية، في الشمال، ”يكشف أن عدد الرموز والأعلام واللافتات التركية، وحالات التغيير الديموغرافي، وطمس الهوية الثقافية المحلية، قد لا يوجد لها مثيل على الأراضي التركية نفسها، وهو ما يكرس واقع الانفصال التي تريد تركيا فرضه مع مرور الوقت، وهو ما يعيد إلى الأذهان فقدان منطقة لواء إسكندرون السورية لصالح تركيا، في ثلاثينيات القرن الماضي“.
وفي خطوة ذات دلالات سياسية ورمزية، تدعم سيناريو الاحتلال التركي المباشر لشمال سوريا، زار وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أمس الأحد، بلدة الراعي التابعة لريف حلب، وهي المرة الأولى التي يدخل فيها وزير تركي إلى الأراضي السورية مؤخرًا.
ووفقًا لوسائل إعلام تركية، تفقد صويلو، الأحد، ما تسمى ”القيادة التكتيكية“ وقيادة فريق ”الدرك الاستشاري“ التابعة للقوات التركية في البلدة، وهنأ جنود بلاده بعيد الفطر، في منطقة عملية ”درع الفرات“، غرب نهر الفرات.
ورغم أن المسؤولين الأتراك يزورون الحدود السورية- التركية بشكل مستمر، وخصوصًا القيادات العسكرية، إلا أنها المرة الأولى التي يدخل فيها وزير تركي إلى عمق الأراضي السورية.
واكتسبت زيارة صويلو بعدًا سياسيًا إضافيًا، ذلك أنه كان قد أثار جدلًا في وقت سابق، حين قال في تصريحات منسوبة له، إن 62 بالمئة من اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، هم من مناطق (الميثاق الملي أو الميثاق الوطني) وهي المناطق التي تعتبرها تركيا، وريثة الخلافة العثمانية، جزءًا ﻻ يتجزأ من أراضيها، وتضم تلك المناطق عدة مدن، بينها محافظة حلب السورية.
وتشمل خريطة الميثاق الملي، الذي صدر عن آخر جلسات البرلمان العثماني، في 12 كانون الأول (يناير) 1920 اجزاء واسعة من شمال سوريا وشمال العراق، بينها الموصل العراقية وحلب السورية، وتشمل كذلك تراقيا الغربية (منطقة جغرافية وتاريخية في اليونان) وجزر بحر إيجة، إضافة إلى جزيرة قبرص بالكامل، إذْ يعتبر الميثاق أن هذه الأراضي، هي جزء من تركيا.
ويرد بين الحين والآخر تعبير الميثاق الملي على لسان المسؤولين الأتراك، في مؤشر على المطامع التركية التاريخية في تلك الأراضي الشاسعة، التي خسرتها إثر انهيار الامبراطورية العثمانية، في عشرينيات القرن الماضي.