عنب بلدي
آل مخلوف.. قصة عائلة ابتلعت الاقتصاد السوري لخمسة عقود
by ياسين بزنكوعنب بلدي – ياسين بزنكو
لعبت عائلة مخلوف دورًا محوريًا في صياغة خارطة سوريا الاقتصادية، على مدى أكثر من خمسة عقود من سيطرة عائلة الأسد على مقاليد السلطة.
وكان لصلة القرابة الدور الأبرز في صعود العائلة إلى قمة هرم المال، إذ بدأت العائلة أنشطتها الاقتصادية على يد محمد مخلوف، شقيق زوجة الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، ليتولى بعد ذلك أبناؤه وأحفاده مهمة ابتلاع القطاعات الاقتصادية شيئًا فشيئًا.
تنحدر عائلة مخلوف من قرية بستان الباشا في ريف مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، التي لم تكن يومًا مركز ثقل اقتصادي في سوريا، فالطبقة الطبقة الاقتصادية، قبل حكم عائلة الأسد، تركزت بشكل رئيس بين دمشق وحلب.
وعلى مدى ثلاثة أجيال متتالية، ابتلعت عائلة مخلوف الاقتصاد السوري، وتحكمت بمفاصله، لتهيمن على معظم الأنشطة الاقتصادية الحيوية، لا سيما قطاعي النفط والاتصالات.
ومع وصول الأسد الابن إلى الحكم ازداد نفوذ العائلة صعودًا، ليستأثر رامي مخلوف بما يزيد على نصف الاقتصاد السوري قبل عام 2011، بحسب تقديرات غربية، واستمرت الحال على ما هي عليه خلال سنوات الثورة السورية، إلى أن عصف الخلاف مؤخرًا بين رامي مخلوف وحكومة النظام السوري، ليصبح مستقبل العائلة على المحك، بعد قرار حكومي بالحجز على أمواله ومنعه من السفر، بالتزامن مع انهيار اقتصادي غير مسبوق، تجاوز فيه سعر الدولار الواحد حاجز 1900 ليرة.
محمد أحمد مخلوف
سريعًا فور تولي حافظ الأسد مقاليد الأمور في سوريا عام 1970، أخذ نجم أخ زوجته محمد مخلوف (يبلغ عمره اليوم 88 عامًا) بالصعود، ليتحول تدريجيًا إلى الركيزة المالية لعائلة الأسد على مدى السنوات المقبلة.
وأتاحت صلة القربى لمحمد مخلوف شغل منصب مدير المؤسسة العامة للتبغ أو ما يعرف باسم “الريجة”، ليبدأ من تلك المؤسسة ممارسة الفساد على نطاق واسع، بحسب فراس طلاس ابن وزير الدفاع السوري السابق، مصطفى طلاس، الذي وصف مخلوف بـ”بطريرك العائلة”.
وبحسب طلاس، استعان محمد مخلوف بخبراء من لبنان وبريطانيا، في تأسيس إمبراطورية مالية استندت إلى مبيعات النفط، فكان يفرض على أي جهة تريد شراء النفط من سوريا أن تدفع له نسبة تقدر بـ7% من قيمة الصفقة مستفيدًا من سطوة نفوذ عائلة الأسد، وبذلك كان يحصل يوميًا على مبلغ يقدر من ستة إلى سبعة ملايين دولار من مبيعات النفط وحده، كما فرض مخلوف نفسه شريكًا على جميع شركات النفط العاملة في سوريا، وفقًا لذات المصدر.
وخلافًا لبقية أفراد العائلة، لا يكاد اسم محمد مخلوف يظهر إلى العلن ضمن أي أنشطة تجارية، غير أن الوثائق المسربة من حسابات بنك “HSBC” في سويسرا عام 2015، كشفت أن محمد مخلوف قدم بياناته المصرفية إلى البنك، باعتباره وكيلًا لشركة التبغ الأمريكية “فيليب موريس” مالكة العلامة التجارية “مارلبورو”، وشركة “ميتسوبيشي” اليابانية، وشركة “كوكا كولا” الأمريكية، في سوريا.
ويفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، منذ آب عام 2011، على محمد مخلوف لصلته الوثيقة بالأسد، ويمنعه من دخول دول الاتحاد، وحاول مخلوف الطعن بالعقوبات على اعتبار أنها تخرق حقه في الخصوصية، بزعم أنها تمنعه من الحفاظ على المستوى الاجتماعي الذي اعتادت عليه عائلته، غير أن المحكمة العامة الأوروبية رفضت، عام 2015، استئنافًا قدمه محمد مخلوف ضد تلك العقوبات.
وليس معلومًا مكان إقامة محمد مخلوف، غير أن قناة “روسيا اليوم” أفادت في تموز عام 2012 أنه انتقل إلى العاصمة الروسية موسكو.
رامي مخلوف
ورث رامي مخلوف (51 عامًا) سدانة خزائن عائلتي الأسد ومخلوف عن والده، بعد وصول الأسد الابن إلى كرسي الرئاسة، وبرز اسم رامي منذ ذلك الحين في قطاعات اقتصادية عدة، وعرفه السوريون بأنه المالك الرئيس للشركة المشغلة للهواتف المحمولة “سيريتل”، التي أُسست عام 2000، ويترأس مخلوف إدارة الشركة بنسبة 40% من أسهمها.
أحاط رامي نفسه بهالة من الترف دفعت السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، إلى التعجب من حجم منزله، وقال فورد الذي زار منزل مخلوف في آذار 2011، إن “المنزل كان من الضخامة، لدرجة أننا بقينا خمس دقائق بالسيارة على سرعة 20 كيلومترًا في الساعة، لقطع المسافة ما بين البوابة الخارجية والمنزل”.
يتهم رجال أعمال سوريون مخلوف باستخدام نفوذه للاستيلاء قسرًا على حصص بشركاتهم، وتحدث رجل الأعمال السوري غسان عبود، في حوار أجراه مع راديو “أورينت” مؤخرًا، عن محاولة رامي سلبه بالإكراه قناة “أورينت” عام 2009.
ظهر رامي مخلوف مؤخرًا في ثلاث مناسبات، عبر حسابة في “فيس بوك”، إثر خلاف نشب بينه وبين حكومة النظام، التي تطالبه بتسديد 233 مليار ليرة سورية، كغرامات وضرائب مترتبة على شركاته، قبل أن تقرر الحجز على أمواله ومنعه من السفر.
ويعتبر مخلوف الشخصية الاقتصادية الأبرز في سوريا، ويمتلك بالإضافة إلى شركة “سيريتل”، جمعية “البستان”، وإذاعات موالية للنظام السوري، كما يملك صحيفة “الوطن” الخاصة، ويدير شركات للسيارات، إضافة إلى نشاطات اقتصادية تتمثل في قطاعات مختلفة مثل الصرافة والغاز والتجارة والعقارات.
وقدرت صحيفة “التايمز” البريطانية، أن رامي مخلوف سيطر على 60% من الاقتصاد السوري قبل عام اندلاع الثورة السورية.
ويفرض الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، عقوبات على مخلوف تمنعه من دخول الاتحاد أو العبور عبر أراضيه، وتجمد أي أموال وموارد مالية يملكها هناك، كما تدرج الولايات المتحدة اسمه على قوائم العقوبات الخاصة بها.
حافظ مخلوف
إذا صح وصف رامي مخلوف بالركيزة المالية للنظام، فإن شقيقه حافظ لعب دور الذراع الأمنية الضاربة له في دمشق.
عمل حافظ مخلوف (49 عامًا) في سلك المخابرات، وتدرج في المناصب حتى ترأس “القسم 40” التابع لـ”الفرع 251″، المعروف باسم “الفرع الداخلي” أو “فرع الخطيب” التابع لإدارة المخابرات العامة.
مارس حافظ هناك صلاحيات أوسع من منصبه، حيث هيمن على أمن محافظة دمشق وريفها بالكامل، بحسب موقع “مع العدالة” المختص بتتبع أبرز قادة قوات النظام الضالعين بجرائم حرب.
ويُعدّ مخلوف من أبرز الداعين للحسم الأمني والعسكري عقب انطلاق الثورة السورية، ووفقًا لشهادة للعميد المنشق مناف طلاس، فإن العميد حافظ مخلوف أفشل مساعي التهدئة في مدينة درعا، وأشرف على عملية اقتحام الجامع “العمري” كذلك.
ويُعتبر حافظ مخلوف المسؤول المباشر عن مقتل متظاهرين في مدينة دوما في نيسان 2011، كما يُتهم بأنه كان يأمر عناصره في “القسم 40” بممارسة “أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات بحق المعتقلين”، وفق تقرير لـ”مركز توثيق الانتهاكات في سوريا”.
في أيلول 2014، تناقلت وسائل إعلام سورية وعربية أنباء عن إعفاء حافظ مخلوف من مهامه في رئاسة “القسم 40″، ومغادرته سوريا، غير أن قرارًا صدر في كانون الثاني 2017 بترفيعه إلى رتبة عميد، ما ينفي أنباء رحيله، بحسب وسائل إعلام مقربة من الأسد.
كما أظهرت الوثائق المسربة من حسابات بنك “HSBC” في سويسرا، عام 2015، أن حافظ مخلوف قدم نفسه في وثائق البنك كـ”موظف حكومي“، في حين كان يشغل منصب رئيس “فرع الخطيب”.
خضع حافظ مخلوف للعقوبات الأمريكية وللعقوبات الأوروبية منذ عام 2011، وجُمدت أمواله في سويسرا، التي قررت إحدى محاكمها، في شباط 2012، الإفراج عن أربعة ملايين دولار مودعة في حسابات مصرفية سويسرية، باسمه.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2018، كان حافظ مخلوف المساهم الوحيد في ثلاث شركات في روسيا، كما اشترى عقارات بقيمة 22.3 مليون دولار أمريكي في أبراج “مدينة العواصم” في موسكو، بحسب منظمة “غلوبال ويتنس“.
وأوردت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقرير صادر في كانون الأول 2011، اسم العقيد حافظ مخلوف، محملة إياه المسؤولية المباشرة عما كان يحدث في الفرع الداخلي التابع لإدارة المخابرات العامة من انتهاكات، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تمت في “القسم 40” التابع للفرع الذي يرأسه.
إياد مخلوف
لا يُعرف كثير عن إياد مخلوف ( 47 عامًا) مقارنة ببقية أشقائه، غير أن الاتحاد الأوروبي فرض عام 2011 عقوبات على الضابط برتبة مقدم في مديرية المخابرات العامة إياد مخلوف، وبرر الاتحاد تلك الخطوة بأنه مسؤول عن أفعال مرؤوسيه، وضالع في أعمال عنف ضد السكان المدنيين.
وحاول إياد مخلوف الطعن في تلك العقوبات، إلا أن المحكمة العامة الأوروبية رفضت استئنافًا قدمه عام 2013.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية، في أيار 2017، عقوبات على إياد وشقيقه إيهاب، إضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين.
ويمتلك إياد 90% من شركة “لاما” للمفروشات، بحسب موقع الاقتصادي.
واستخدم إياد مع شقيقه التوأم إيهاب شركة مسجلة في روسيا لشراء نصف طابق في برج “الاتحاد” في موسكو، في شباط 2019، بقيمة 9.5 مليون دولار.
كما اشترى الرجلان عقارًا واحدًا باسميهما، ومكانين لوقوف السيارات في “مدينة العواصم”، في حزيران 2017، بحسب منظمة “غلوبال ويتنس“.
إيهاب مخلوف
اُعتبر إيهاب مخلوف (47 عامًا) لسنوات الذراع اليمنى لشقيقه الأكبر رامي، وشغل إيهاب منصب نائب رئيس شركة “سيريتل”، كما طالته عقوبات الاتحاد الأوروبي عام 2011 لدوره في تقديم الدعم المباشر للنظام وتمويله، على اعتبار أن الشركة تحول جزءًا كبيرًا من أرباحها إلى حكومة النظام.
كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عام 2017، على إيهاب، لمساعدته شقيقه رامي على التهرب من العقوبات الدولية، ونقل أصوله إلى الخارج.
وبحسب “وثائق بانما”، أدار إيهاب مخلوف في السر شركة “Hoxim Lane Management Corporation“، التي أُسست في حزيران 1998 وتوقف نشاطها في آذار 2012.
وشغل إيهاب منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة “العقيلة للتأمين التكافلي” قبل أن يستقيل من عضوية المجلس في تموز 2011، كما أفاد المستشار الإعلامي السابق في مجموعة “مخلوف الاقتصادية”، محمد فراس منصور، خلال مقابلة مع قناة “الآن“، في تشرين الأول 2016، أن إيهاب تحدث عن وجود 200 محل صرافة في دمشق وحدها يعملون لمصلحة العائلة.
وعلى خلفية النزاع بين حكومة النظام ورامي مخلوف، أعلن إيهاب مخلوف استقالته من مجلس إدارة شركة “سيريتل” بسبب خلافات مع شقيقه رامي، على طريقة تعاطي الأخير مع الإعلام، ومع الملف القانوني والمالي للشركة، ونفى، عبر “فيس بوك”، تعرضه لأي ضغوط لتقديم استقالته، مؤكدًا ولاءه لرئيس النظام بشار الأسد.
محمد رامي مخلوف
يعرّف محمد رامي مخلوف (23 عامًا) عن نفسه، عبر موقعه على الإنترنت، بأنه رائد أعمال وحاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في دبي.
ويشير موقعه الشخصي على الإنترنت، إلى أنه المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “MRM” القابضة، المقرر إطلاقها في العام الحالي، والتي تنشط بشكل أساسي في قطاع تخزين ونقل الغاز من روسيا إلى أوروبا، عبر عشر سفن لنقل الغاز المسال.
يظهر محمد رامي مخلوف، عبر حسابه في “إنستغرام“، عاري الصدر بعضلاته المفتولة أمام سياراته الفارهة، ومن خلفه فريق أمني يرافق تحركاته.
ومع تصاعد حدة الخلافات بين والده وحكومة النظام، حدف محمد وأخوه علي صورًا من حسابيهما في “إنستغرام” تظهر الحياة الفارهة التي يعيشانها.
علي رامي مخلوف
ينتمي علي رامي مخلوف (20 عامًا) إلى الجيل الثالث للعائلة، عرفه السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي من حسابه في “إنستغرام”، حيث دأب وشقيقه على نشر الصور التي تظهر حياتهما الفارهة سواء داخل أو خارج سوريا.
أثار علي حفيظة ناشطين مهتمين بالشأن السوري عندما نشر عبر حسابه في “إنستغرام” تسجيلًا مصورًا، في 8 من نيسان الماضي، تحت عنوان “الشرح لأحفادك كيف كانت أعياد الميلاد في عام 2020″.
وظهر علي خلال التسجيل وهو يطفئ شموع كعكة الميلاد بآلة تجفيف الشعر الكهربائية، أمام أشخاص يحتفلون معه عبر شاشات الحاسوب.
وأعادت منصة “إنستغرام” آنذاك نشر الفيديو المذكور عبر حسابها الخاص على منصة “تويتر”، قبل أن تحذفه بعد موجة استياء عام من قبل الناشطين، مقرة أن الأمر كان خطأ من قبلها.
لم يخضع علي مخلوف إلى أي عقوبات أجنبية لغاية اليوم، كما لم يرتبط اسمه بصفقات أو أنشطة تجارية كبرى على غرار أخيه إلى أن حصل الخلاف بين والده وحكومة النظام، حيث عيّن رامي مخلوف ابنه علي عضوًا في مجلس إدارة شركة “سيريتل”، بدلًا من أخيه إيهاب.
وبحسب بيان للشركة صادر إلى “سوق دمشق للأوراق المالية”، في 18 من أيار الحالي، قرر مجلس إدارة شركة “سيريتل” تعيين شركة “صندوق المشرق الاستثماري”، الممثلة بعلي بن رامي مخلوف، عضوًا في مجلس الإدارة بالمركز الشاغر بدلًا من العضو المستقيل.
–