عيد التحرير.. من ماذا؟
by نانسي رزوقعيدنا نحن اللبنانيين عيدين. عيد الفطر الذي نأمل أن يكون الذي بعده خيرا، ونحن في ظل الخوف الطويل، والذي يأتي بالتزامن مع عيد تحرّرنا من إسرائيل. وإذا كان العيد الأول يتصل دينياً بالمسلمين بشكل خاص، فإن عيد التحرير يعني كل اللبنانيين.
ففي هذا اليوم تخلّصنا من عدو لم يتوان عن ارتكاب المجازر بحق الجميع، غير معترف، وبوقاحة، إلا بقوته على الإبادة والتدمير. لم يسلم شعب عربي من عدوانه بدءاً من الشعب الفلسطيني وصولاً الى الأردنيين والمصريين والعراقيين والسوريين واللبنانيين، وكل عربي أتى من الخليج والمغرب العربي للقتال ضد الإحتلال.
في الخامس والعشرين من أيار 2000، أي قبل عشرين سنة بالتمام والكمال، استطاع شعب بلد صغير جداً، وبمقدرات بسيطة جداً، أن يهزم "البعبع" تاركاً جنوده ينسحبون في الظلام من شدة الخوف وتلافياً لــ "البهدلة" المعلنة.
لبنان، هذا البلد الذي بالرغم من كل ما كان يعانيه من أسباب التخلف السياسي والإقتصادي، نجح في إثبات نفسه أمام دول العالم. صار محط الأنظار بوصفه قويا لا ضعيفا، وبصفته قادرا مقتدرا، لا ساحة لمن يخطر في باله أن يدير ما شاء من الألعاب.
بعد عشرين سنة من التحرير أثبتنا للعالم أننا أقوياء، لكننا فشلنا أمام أنفسنا. أسوأ الشعوب تلك التي لا تعرف كيف تستثمر في إنجازاتها. بما صارت صفة وسجية أن ندمّر كل ما بنيناه بالعذاب والآلام والتهجير والتضامن. لدينا قدرة عجيبة على تسخيف كل شيء، وتسطيح كل شيء، في وقت يقيم لنا وزناً من يفترض فيه أن يبخسنا قوتنا وحقنا في الوجود.
بعد عشرين سنة، انقسمنا على إنجازنا وعدنا طوائف متناحرة، لا تعرف التأسيس على اللحظة التاريخية الوطنية الكبرى والجامعة، بل تتجازوها إلى الزواريب.
لم نبن إقتصاداً وطنياً يعود بالنفع على الجميع. انهمكنا في أقرب الطرق الى قنص المال العام وتبديد المدخرات والتلاعب بالعملة الوطنية. لم نؤسس لقطاع زراعي يغطي حاجتنا ويرفد القطاع الصناعي فيؤمن مئات آلاف فرص العمل. تركنا كل شيء ينهار حتى غداً معظمنا عاطلاً من العمل.
انشغلنا بتدمير بعضنا البعض، في الحروب الصغيرة التي تفرح العدو، ليكون للجهة الفلانية الكلمة الفصل في الحكومة والسلطة. حروب تستدعي حروباً أخرى لا تنتهي. ربطنا مقدراتنا وسلمنا بحروب لا تنتهي وصراعات أكبر من حجمنا وقدرتنا على تحمل تبعاتها.
بعد عشرين سنة على التحرير، "غطسنا" في الفساد، صغيرنا قبل كبيرنا. صار الفساد والإنتفاع ثقافة عامة لا تخص من هم في السلطة فحسب. سوسة الطائفية نخرت عظامنا حتى بتنا لا نأمن لجار أو منطقة أو حيّ.
كيف نحرر وطننا من عدو ونهدمه نحن؟
هذا السؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا. أن نفكر ملياً في تلك اللحظة التي بإمكاننا أن نؤسس عليها. أن نتحرر من الفساد والطائفية والإستزلام، أن نراهن على قوتنا التي هزمت عدواً لم يهزمه أحد. والأهم، أن نؤمن بقدرتنا على صناعة وطن لكل أبنائه، خيره للجميع، وحريته مهمة للجميع أيضاً.