الاغتيال الاقتصادي لجمهورية الطائف
by د. أيمن عمر – باحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية"إن حرية طبع النقد الأميركي من دون أي غطاء هي التي تعطي لاستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها" (جون بيركنز)الكوربوقراطية وأدواتها في العام 2008 نشر الخبير الاقتصادي جون بيركنز (John Perkins) كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم – اعترافات قرصان اقتصاد"، وصفته "النيويورك تايمز" بالكتاب الأكثر مبيعاً، وتسابقت دور النشر العالمية على ترجمته إلى لغاتها، وكان من بين أهم هذه اللغات الفرنسية والألمانية والروسية. يسلّط الكتاب الضوء على ممارسات نخبة رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة لبناء إمبراطورية عالمية تسيطر عليها "الكوربوقراطية" (Corporatocracy) أي سيطرة منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم. حيث يعدّ هؤلاء الدراسات بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية، لتقديمها إلى المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمساعدتها في تحقيق هذه المشاريع أو الخروج من أزماتها المالية والاقتصادية وتقديم القروض الملائمة لذلك، بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأميركية بتنفيذ هذه المشاريع. ويستخدم الكوربوقراطيون بعض المصطلحات الرنّانة مثل الحوكمة الرشيدة، تحرير التجارة، حقوق المستهلك، خصخصة الصحة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها في عمليات النهب الاقتصادي. بل وتسعى هذه النخب وامتداداتها المحلية في الدول المتخلفة من مصارف وشركات وسياسيين إلى إغراق الدول في الديون المرهقة والتعثر في سدادها لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها بعد ذلك من خلال مفاوضات من طرف واحد، تُفرض من خلالها شروط الدائن سواء الاقتصادية أو السياسية أو حتى الثقافية والاجتماعية.نماذج عن الاغتيال والنهب الاقتصادي - الإكوادور: حيث دفعت الكوربوقراطية الإكوادور نحو الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون. وتمثّلت عملية النهب بشراء شركات البترول الأميركية لغابات الإكوادور مقابل ديونها نظراً لكون مخزون غابات الأمازون من النفط يحتوي على احتياطي منافس لنفط الشرق الأوسط. - بنما: عندما تولى نورييغا الحكم سعى إلى استكشاف إمكانية شق قناة جديدة يمولها اليابانيون، ووُجه هذا المشروع بمعارضة شرسة من واشنطن وشركاتها الخاصة. وشُنّت على بنما حرباً كاسحهً قتل فيها الجيش الأميركي الآلاف من البنميين وشرد عشرات الآلاف. - غواتيمالا: أطاحت الكوربوقراطية برئيس غواتيمالا أربينز بعد أن عمل على اصلاح قانون امتلاك الأراضي حيث كان 30% من السكان يمتلكون 70% من الأراضي، الأمر الذي أضر بمصالح شركة الفواكه المتحدة التي تسيطر على أميركا الوسطى، حيث قامت الولايات المتحدة بضرب غواتيمالا بالطائرات في العام 1954 أدت إلى الإطاحة بأربينز ونصبوا بدلاً منه الكولونيل أرماس، الذي خضع بشكل كامل لإرادة شركة الفواكه المتحدة، وألغى قانون الأراضي والانتخابات، وأسقط الضرائب عن فوائد الأرباح المستثمرة في غواتيمالا، وزجّ الالاف في السجون. لبنان ونهاية الطائف عاش لبنان فترة هدوء نسبية منذ اندلاع الثورات العربية أو ما يُعرف بالربيع العربي لم تعرف السلطات الحاكمة استثماره في تحصين ساحته الداخلية وإكساب اقتصاده مناعة ذاتية تحميه من الأزمات. وكان القرار الدولي تثبيت حالة الستاتيكو حفاظاً على وجود اللاجئين السوريين في لبنان والخوف من هجرتهم نحو أوروبا. ويُعتبر نقض الاتفاق النووي الإيراني- الأميركي في أيار 2018 هو التاريخ المفصلي إذ تحوّل لبنان إلى ساحة صراع بين المحاور المتصارعة في المنطقة، وليزيد من الاهتمام الدولي في لبنان توقع استخراج النفط والغاز من مياهه. ومما زاد من طين التدهور الاقتصادي والإفلاس المالي بِلّةً العقوبات الأميركية على بعض المصارف اللبنانية وعلى فريق سياسي وشخصيات سياسية لتنكشف عورة وزيف أسطورة مناعة لبنان النقدية وفشل نموذجه الاقتصادي الريعي الذي لطالما تغنّت به السلطات الحاكمة. وتجلّت حالة انهيار الاقتصاد والمالية العامة عبر الإعلان الرسمي بالتوقف عن دفع مستحقات ديون لبنان بالدولار- سندات الأوروبوند، والطلب من صندوق النقد الدولي المساعدة عبر خطة حكومية إنقاذية. فشُرّعت الأبواب رسمياً لتسلّل الكوربوقراطية من بوابة صندوق النقد الدولي والمساعدات الخارجية، إذ إنه من أهم مندرجات وصفة صندوق النقد الدولي وشروط الإصلاح التي يفرضها تقليص حجم ودور القطاع العام والإدارات العامة في الاقتصاد وخصخصة المؤسسات العامة وبخاصة الإنتاجية منها والمحورية في حياة المواطنين أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الشرط الأهم وهو تحرير سعر صرف العملة الوطنية، مما يفتح المجال إلى غزو الرأسمال الأجنبي وهيمنة الكوربوقراطية العالمية. بل أثبتت التجارب التاريخية أن شروط الصندوق تولّد حالات انفجار اجتماعية هائلة لا يمكن تلافيها بسهولة وتحدث تصّدعات داخلية تنعكس على الواقع والنظام السياسي برمّته. وليس أدل على الاغتيال الاقتصادي للبنان لأهداف وغايات سياسية ما صرّح به مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر بأن المساعدات ليست مجانية بل هي مشروطة بخطوات إصلاحية تساعد في إيجاد عوائد للدولة وتتيح للصندوق ممارسة الرقابة على اقتصاد الدولة. وأوضح طبيعة هذه الإصلاحات حين غمز من قناة فريق سياسي محدداً البوصلة في الثمن المطلوب، وهو التزامه الكلي بالشروط المطلوبة، إضافة إلى الوصاية الاقتصادية على لبنان، وأكّد على هذا المنحى سفير لبنان الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان. وتعتبر الإصلاحات السياسية في رأس هرم الشروط المطلوبة وهي تقوم على إجراء انتخابات نيابية مبكرة ثم رئاسية مبكرة وعلى أساسها تشكّل سلطة جديدة لا تمتلك فيها القوى المعارضة للنفوذ الاميركي في المنطقة مقاليد القوة كما هو حاصل الآن. وهي شروط تصبّ في ترسيم الحدود البرية والبحرية، تحديد وضع بلوك رقم 9، توطين اللاجئين الفلسطينيين وبعض السوريين وتنفيذ بعض مندرجات صفقة القرن، وأخيراً سلاح "حزب الله". وهي مسائل إشكالية عميقة في الداخل اللبناني، وإن تلبية هذه الشروط أو بعض منها من شأنه إثارة وتأجيج الصراعات الداخلية وبثّ الفتن والوصول إلى نتائج لا تُحمد عقباها على صعيد السلم الأهلي. إن قيام اللبنانيين بالانتحار الاقتصادي والسياسي قد سبق الاغتيال الاقتصادي والموت السياسي. وإن جميع المؤشرات تنبئ أن المرحلة القادمة في التاريخ اللبناني مرحلة قاتمة سوداوية من بوابة التأزم الاجتماعي يُخشى فيها من تفلت الأحداث وتدحرجها وانقسام اللبنانيين إلى كانتونات وكونفيدراليات بحكم الممارسة والواقع، فيتحقق الهدف من الاغتيال الاقتصادي للبنان. ويتم الإعلان عن نعي لبنان الطائف الذي ساهم اللبنانيون هم أنفسهم بدق المسامير في نعشه، ونكون بذلك أمام مرحلة تأسيسية جديدة ونظام سياسي جديد. مواضيع ذات صلة الثورة والسلطة في لبنان خطان متوازيان برعاية المرشد انتكاسة النفط والغاز الكبيرة في لبنان على أمّ الشرائع السلام ما رأيكم بتحضير هذه الحلوى العراقية بمكوّنات بسيطة مع المدونة ديما الأسدي؟