لماذا تبدو تهديدات عبّاس أكثر جدّيّة اليوم؟
by جورج عيسىبرز الأسبوع الماضي عدد من الإجراءات التي تعهّدت السلطة الفلسطينيّة اتّخاذها ردّاً على خطط تل أبيب لضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة. في 17 أيّار، وخلال تنصيب الحكومة الإسرائيليّة أمام الكنيست، قال رئيسها بنيامين نتنياهو عن الأراضي التي احتلّها الإسرائيليّون سنة 1967: "هذه المناطق هي التي ولدت فيها الأمّة اليهوديّة وترعرعت. لقد حان الوقت لتطبيق القانون الإسرائيلي عليها وكتابة فصل عظيم آخر في سجلّات الصهيونيّة."
ردّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس على كلام نتنياهو بعد يومين قائلاً إنّ "منظّمة التحرير الفلسطينيّة ودولة فلسطين قد أصبحت اليوم في حلّ من جميع الاتّفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكيّة والإسرائيليّة، ومن جميع الالتزامات المترتّبة على تلك التفاهمات والاتّفاقات، بما فيها الأمنيّة." وسرعان ما أعلن أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة صائب عريقات أنّ الفلسطينيّين علّقوا الاتصالات مع وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة "سي آي أي". كذلك، قال المتحدّث باسم الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة اللواء عدنان الضميري في حديث إلى وكالة "فرانس برس" الجمعة إنّه "لا يوجد أيّ شكل من أشكال الاتصال بالجانب الإسرائيليّ" حتى بشأن القضايا الروتينيّة اليوميّة مضيفاً أنّ الموظّفين في القطاعات الحيويّة مُنعوا من الاتّصال بأيّ مسؤول من الجانب الإسرائيليّ في أيّ قضيّة. فماذا تعني هذه التعهّدات؟ وهل يمكن أن تقرنها السلطة الفلسطينيّة بمزيد من التدابير الميدانيّة؟"معركة ضارية" الدكتور مايكل شارنوف، وهو بروفسور مشارك في "مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجيّة" في "جامعة الدفاع الوطنيّ" ومقرّها واشنطن، يوضح ل "النهار" أنّ "هذه ليست المرّة الأولى التي أصدر فيها محمود عبّاس هكذا تهديدات عن إنهاء التعاون والاتّفاقات مع إسرائيل." لكنّه أضاف: "مع ذلك، على الولايات المتّحدة وإسرائيل أن تتعاملا كلتاهما مع هذه التهديدات بجدّيّة." يكمن الفرق هذه المرّة بوجود متغيّر أساسيّ في المنطقة: "صحيح أنّه لم تندلع تظاهرات عقب اعتراف الولايات المتّحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، على الرغم من تحذيرات محلّلين، لكنّ جائحة كوفيد-19 خلقت مناخاً جديداً ورَيبيّاً للغاية بالنسبة إلى الاستقرار الإقليميّ." وشرح أنّ حياة الحجر والإحباط يمكن أن تكون "خليطاً خطيراً" وتؤمّن "الذريعة اللازمة للتحريض على العنف وإثارة عدم الاستقرار الإقليميّ." وأخذ بعض المعلّقين الإسرائيليّين تهديدات عبّاس على محمل الجدّ. المحلّل السياسيّ آفي عيسى شاروف كتب الجمعة في موقع "تايمس أوف إسرائيل" مقالاً تحت عنوان "قاطعاً الروابط الأمنيّة، عبّاس يظهر أنّه جدّيّ – حتى ولو كان هذا يخاطر بكلّ شيء."رأى المحلّل نفسه أنّ عبّاس تحرّك هذه المرّة ليقرن أقواله بالأفعال بعكس المرّات السابقة. وأضاف أنّ إنهاء التنسيق الأمنيّ يمكن أن يكون له نتائج خطيرة على الجانبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ، مشيراً إلى فيديو نشرته حركة فتح الخميس يظهر الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة تمنع جنوداً إسرائيليّين من دخول منطقة في الخليل. ولم يستبعد اندلاع مواجهة مسلّحة بين القوى الفلسطينيّة والقوّات الإسرائيليّة في وقت قريب حيث سيكون بإمكانه التحوّل "بسهولة إلى معركة ضارية مع (سقوط) ضحايا." "تغيير قواعد اللعبة" من جهته، يرى الدكتور شارنوف أنّ مواصلة عبّاس تنفيذ خطّته ستفرض تحدّيات جديدة لإسرائيل في الضفّة الغربيّة. "قد يعقّد الأمر كيفيّة تعاون الإسرائيليّين والفلسطينيّين معاً ضدّ فيروس كورونا، وهو مثال نادر لتنمية الثقة بين خصمين لدودين. كما يمكنها منح العاهل الأردنيّ الملك عبدالله، الذي حذّر إسرائيل الأسبوع الماضي من عواقب الضمّ، مرونة أكبر لخفض العلاقات مع إسرائيل إذا حصل الضمّ." بالفعل، رأى عيسى شاروف أنّ السلطة الفلسطينيّة تلقّت تشجيعاً من تحذير الملك عبدالله من "نزاع شامل" واحتمال انتهاء السلام، مشيراً إلى أنّ السلطة تظهر أنّها تريد المقامرة بكلّ شيء حتى لو تسبّبت بالأذى لنفسها، كي تظهر أنّها لن تستسلم للضغطين الأميركيّ والإسرائيليّ. بالنسبة إلى بعض الإسرائيليّين، حتى لو لم يقرن عبّاس أقواله بالأفعال، لن يكون الضمّ أمراً عمليّاً لتل أبيب. في حديث إلى الصحافيّ نيري زيلبر من مجلّة "فورين بوليسي"، يقول اللواء الإسرائيليّ المتقاعد عاموس يلدين إنّ الضمّ لا يحظى إلّا بدعم دولة واحدة والأمر قد يتغيّر مع مجيء رئيس أميركيّ جديد. وقال إنّ الخطّة مدفوعة بمصلحة عقيديّة مع تداعيات اقتصاديّة وديبلوماسيّة سلبيّة. توقّع زيلبر أن يسمح عبّاس بانطلاق تظاهرات وحتى بإثارة بعض العنف الضيّق النطاق ضدّ الإسرائيليّين مع فرصة تحريك فصيل "التنظيم" التابع لحركة "فتح" للنزول إلى الشوارع وهذا سيكون "مغيّراً في (قواعد) اللعبة" وفقاً لتوصيف عدد من المسؤولين الأمنيّين الإسرائيليّين. ولم يستبعد المقدّم الإسرائيليّ المتقاعد ألون إفياتار في حديث إلى المجلّة نفسها حصول تصعيد إذ إنّ سؤال الفلسطينيّين قد يكون "إن لم يكن اليوم، فإذاً متى؟" خلافات مؤثّرة؟لا يلغي ذلك استمرار الخلافات بين الفلسطينيّين أنفسهم إذ رفضت حركتا "حماس" و "الجهاد الإسلاميّ" اجتماع القيادة الفلسطينيّة مساء الثلاثاء في رام الله للردّ على الخطّة الإسرائيليّة. كذلك، انسحب ممثّل الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين عمر شحادة من الاجتماع بسبب "السلوك غير الديموقراطيّ" و "التنمّر" الذي أبداه عبّاس مع "الجبهة" وفقاً للبيان الصادر عنها. ورفض البيان اللغة التي تقوم على مواصلة "اعتماد الصياغات التي لا تحسم أو تقطع مع اتفاق أوسلو". من غير الواضح مدى تأثير هذه الخلافات على احتمالات التصعيد وفاعليّته. لكنّ إعلان موسكو استعدادها للتوسّط بين الطرفين يظهر أنّ خطوات عبّاس قد تحمل فعلاً تغييراً ولو نسبيّاً في قواعد اللعبة. ويمكن أن يطرح الاتّحاد الأوروبّيّ خيارات على الطاولة مثل إيقاف برامج التعاون والتمويل مع الإسرائيليين مثل "أفق أوروبا" و "الآليّة الأوروبّيّة للجوار" بحسب زميل السياسات في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع ل "المجلس الأوروبّيّ للعلاقات الخارجيّة" هيو لوفات. فهل يدفع عبّاس الأوروبّيّين إلى تحرّك أكثر جرأة من ذي قبل؟يجيب لوفات على سؤال "النهار" بالإشارة إلى أنّ "احتمال إنهاء التعاون الأمنيّ يؤكّد مخاوف الاتّحاد الأوروبّيّ بشأن التأثير المزعزع للاستقرار الذي ستتركه خطوات إسرائيل نحو ضمّ أراضي الضفّة الغربيّة. لا شكّ في أنّ مسؤولي الاتّحاد قلقون أيضاً من أنّ إنهاء التعاون الأمنيّ يمكن أن يقوّض السلطة الفلسطينيّة نفسها." على الرغم من تهديدات عبّاس، لا تزال الصورة غير واضحة كلّيّاً إزاء خطواته المستقبليّة، في ظلّ وجود تقارير متناقضة صادرة من الأراضي المحتلّة أشار إليها لوفات وآخرون: "أعتقد أنّه لا يزال هناك ارتباك في أوروبا بشأن ما يحدث بالضبط على الجانب الفلسطينيّ في ما يتعلّق بالتعاون الأمنيّ +وما ينوي عبّاس القيام به مع السلطة الفلسطينيّة إذا تمّ الضمّ." مواضيع ذات صلة بومبيو ينصح إسرائيل بالحذر حيال ضم الضفة الأردن "يثمّن" موقف فرنسا من خطة إسرائيل ضمّ أجزاء من الضفة جامعة الدول العربيّة تحذّر: ضمّ إسرائيل أجزاء من الضفة "جريمة حرب جديدة" ما رأيكم بتحضير هذه الحلوى العراقية بمكوّنات بسيطة مع المدونة ديما الأسدي؟