الحريري "المُحاصر"... الى الشارع
by ملاك عقيل"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
لم يكن متوقّعًا لآداء رئيس الحكومة السابق سعد الحريري صلاة عيد الفطر في مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة أن يتحوّل الى تجمّعٍ شعبي حاشدٍ لـ "نصرة" رئيس تيار المستقبل الذي يبدو اليوم في عزلةٍ مزدوجة: طرفها الأول الخروج من السلطة التنفيذية والثاني سلسلة تراكمات بعّدت المسافات بينه وبين تياره.
فعدّةُ شغل شدّ العصب غير متوافرة وأوّلها الدولارات، كما أن حسابات التعبئة العامة و"فوبيا" كورونا لا تسمح بترفٍ من هذا النوع وإن يحتاجه الحريري بقوّة هذه الأيام. مع ذلك، وبتحضير مسبق، حاصرَ عددٌ قليل جدًا من أهالي الطريق الجديدة موكب الحريري وهتفوا له في خرقٍ واضح لقرار الحكومة بمنع التجمعات الشعبية. لكن المخالفة الأكبر تجلّت بإطلاق النار في الهواء ابتهاجًا بالضيف!
في العادةِ، حين كان سعد الحريري يدخلُ الطريق الجديدة كان فريقه اللصيق، بمؤازرةٍ أمنية، يتولّى إقفالَ الطريق من الملعب البلدي حتّى مخفرِ الطريق الجديدة - تقاطع شارع حمد. هذه المرّة الأمور كانت أكثر من هادئة. لا مواكب سيّارة تهتفُ لـ "الشيخ سعد"، ولا جموع شعبية. حتّى في عمقِ النفوذ المستقبلي، القدرة على الحشد باتت متواضعة.
هذا العام فضّلَ الحريري البقاء في بيروت عوض أن يستقلَّ طائرة خاصة و"يعيّد" الفطر مع العائلة في الرياض، وهو الأمر الذي كان متاحًا لوجستيًا. فضبط النفس لن يطول كثيرًا.
يعلمُ الحريري أن شقيقه بهاء مستمرٌ في مشروعهِ بمحاولة خرق الملعب السني، وأن ثمّة تسليم لدى "المستقبل" بأن المحاولة فاشلة مسبقًا، وأن أقصى ما يمكن أن تصل اليه الأمور إظهار سعد مُحارَبًا من داخل بيته الصغير، مع تأكيد صعوبة تشكيله "حالة" اعتراضية وازنة على الساحة السنية.
لذلك، الهاجس الأكبر تأتي رياحه من صوب السراي الحكومي. فبقدر ما تصمد حكومة حسان دياب أمام عواصف الداخل والخارج وترسم خارطة طريق الخروج من الأزمة بقدر ما يتماهى سعد الحريري أكثر فأكثر مع أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين وزنّا وتأثيرًا!
وهذا ما يحاول الحريري مواجهته بكل ما يتاح من أسلحة. في الساعات الأخيرة توافرت معطيات عن إيعازٍ صدرَ لمناصري تيار المستقبل للنزول الى الشارع مباشرة بعد العيد، مع العلم أن تحرّكات رُصدت لدى الفريق المسيحي المعارض أيضاً، تحديدًا القوات والكتائب، لإعادة "خضّ" الشارع مجددًا. وتقاطع ذلك مع دعوات تمّ تناقلها عبر الواتساب للقيام بتحركات احتجاجية بدءًا من يوم غد الثلاثاء، على أن تكون وتيرتها أسرع وأوسع مع بداية الشهر المقبل.
يجزمُ مطّلعون "لا سلاح اليوم بيدّ الحريري أهمّ من الوقوف بوجه حكومة حسان دياب في ظلِّ الشحّ المالي والإحباط الضارب بالطائفة". من تسنّى له سماع مضمون النشرة الاخبارية للإعلامي محمد السباعي على إذاعة "الشرق" (تدور في فلك نازك الحريري) وما تضمّنته من رسالة بالغة القساوة بحق سعد الحريري "مُفقِرنا ومُذِلّنا وقاتلنا" لتيّقن حجم ورطة بيت الوسط والقلق الذي يلفّ مصير الزعامة الحريرية.
من يفهمُ لغة الأرض في الطريق الجديدة يَبصم على واقع أن ليس فيروس كورونا من مَنَع مناصري تيار المستقبل في بيروت من ملاقاة "الشيخ سعد" بل "القلّة" وضياع البوصلة ورصد حالات تفلّت واضحة من تحت العباءة الحريرية.
والأهمّ الصراع الصامت الذي "يوجّع" رأس سعد الحريري والقائم منذ فترة طويلة بين أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري ورئيس "جمعية بيروت للتنمية" أحمد هاشمية حيث تُرصد حركة واضحة للاخير في دفعه الأموال في الطريق الجديدة إضافة الى المساعدات. وخطورة هذا الصراع أن "أبو كريم"، أي عبد عرب الرجل الأول الى جانب سعد ورئيس جهازه الأمني، يقف ضد احمد الحريري.
ألغامٌ عدّة تحاصرُ رئيس الحكومة السابق. ورغم التطمينات بأن حالة بهاء هي أقرب الى فقاعات الصابون، فإن "أخباره" المزعجة تصل تباعًا الى بيت الوسط. آخرها حصول اجتماع عشية العيد في مكاتب "المنتدى" في وسط بيروت، بالقرب من بيت الوسط، عقدَه ممثل بهاء الحريري في بيروت فادي غلاييني وكان هناك طلب صريح للمناصرين الذين أتوا من بيروت والناعمة وخلده "بالتهدئة وعدم الانجرار الى الاستفزازات وإمرار قدوم سعد الحريري الى الطريق الجديدة على خير"، مع إشارة الى "احتمال أن يكون بهاء الحريري بيننا في تموز إذا سمحت الظروف بذلك".
لن يتعبَ بهاء من محاولةِ الخرق في الخاصرة الرّخوة. قبل أيامٍ عُقد اجتماع بين رجل الأعمال سامر صقر (كان مؤيّدا لتيار المستقبل ثم انتقل الى جبهة بهاء) وعبد الناصر صالحة المعروف بـ"المختار" وبعض مؤيّديه في طرابلس. الأخير كان أيضاً الى جانب المستقبل ثم ركب موجة "الثورة" واليوم صار من مؤيّدي "المنتدى". تمدّد "على السكت" يتردّد أنه وصل الى إقليم الخروب مع محاذرة استفزاز "المستقبليين" تجنّبًا لشدّ عصب جمهور رئيس "التيار الازرق". ويكتملُ المشهد مع تأكيد مطّلعين قيام بهاء الحريري بالاتصال شخصيًا بشخصيات لبنانية سياسية وإعلامية أو تهتمّ بالشأن العام أو متموّلة، من معارضي الحكومة والحريري، بهدف التشاور والتنسيق.
في الوقائع والمعطيات، لا مصلحة اليوم لبهاء الحريري بافتعال المشاكل في طريقه لبناء حيثيّة وإن لا ملامح لها حتّى اليوم، ولا سعد الحريري بنسخة ما بعد انتفاضة 17 تشرين وولادة حكومة إنقاذية، قادر على استنهاض الشارع بالوسائل التقليدية من مال وخدمات وتنفيعات. قد تكون أقصر الطرق "الضَرب" بحكومة حسان دياب "متى استطاع المستقبليون الى ذلك سبيلًا".
يحصلُ ذلك في ظلِّ توافر معطيات مؤكّدة عن استئناف التحرّكات الشعبية بشكل أوسع بداية الشهر المقبل ضد الحكومة، وهذه المرّة سيكون "جماعة المستقبل" من المشاركين فيها بشكل أكبر.