النظام المصري يتذرّع بكورونا لسجن الصحافيين
by القاهرة ــ العربي الجديدتستغلّ السلطات المصريّة وباء كوفيد-19 لممارسة بطشٍ جديد، في حملةٍ أمنيّة شرسة تستهدف أصحاب الرأي. فبالتزامن مع العفو الرئاسي عن قاتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، الذي كان محكوماً بالسجن المؤبّد، يزجّ النظام المصري بصحافيين وناشطين في السجون لا جرم لهم، سوى أنّهم كتبوا آراءهم أو حاولوا التعبير عنها، إما في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو لمحاولتهم القيام بمهنة الصحافة عموماً، وهو ما قالت منظمة "العفو الدولية" في تقرير، أول مايو/ أيار، إنّها أصبحت جريمةً في مصر.
ورصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) في تقرير لها، سجن قوات الأمن المصرية عشرة صحافيين، خلال شهرين فقط، متذرعة بانتشار وباء كورونا الجديد. وقالت الشبكة في تقريرها إنه "في الوقت الذي يعاني فيه العالم من جائحة خطيرة، عانت فيها أكثر الدول تقدماً صعوبة في السيطرة على أنظمتها الصحية، وتوفي نتيجتها مئات الآلاف في مختلف أنحاء العالم، وبينما تحاول دول العالم التخفيف من الضغط على النظام الصحي بتقليل انتشار الوباء، واتخاذ الإجراءات الاحترازية لوقاية المواطنين، بمن فيهم السجناء، وبينما يطالب العالم بالإفراج عن المعتقلين، بل والمحكومين، تحسباً لانتشار الوباء، لم تستجب السلطات المصرية لنداءات العالم بإطلاق سراح المعتقلين فحسب، بل إنها تزيد من تكدس السجون باعتقالات لا تستند إلى القانون".
واعتبرت الشبكة أن ممارسات السلطات المصرية أقرب لـ"الانتقام وتكميم الأفواه"، حيث طاولت مواطنين وصحافيين وناشطين ومترجمين. إضافة إلى ذلك، فإن النظام المصري يزاول نشاطه المعتاد في إخفاء المقبوض عليهم قسراً قبل إظهارهم في النيابة لاتهامهم بالاتهامات المعتادة التي أصبحت محفوظة من فرط تكرارها: "الانضمام إلى جماعة إرهابية، بثّ أخبار كاذبة من شأنها زعزعة الأمن، سوء استغلال مواقع التواصل الاجتماعي... إلخ". وتابعت الشبكة: "كما عمدت السلطات المصرية إلى منع زيارات أسر للمعتقلين، سواء المحبوسون احتياطاً أو المحكومون، وتمنع أي اتصال بين المسجونين وذويهم، ما يثير القلق بين ذوي المعتقلين، خاصة مع وفاة المخرج فادي حبش داخل السجون المصرية بشكل يثير الشكوك حول طبيعة وفاته، ولا سيما أنه كان قد تجاوز فترة الحبس الاحتياطي التي ينص القانون على الا تتجاوز سنتين، فيما حُبس سنتين وشهرين".
الجدير بالذكر أن الأوضاع الصحية في السجون المصرية سيئة للغاية، والمسجونون لا يتلقون الرعاية الصحية اللازمة، ولا سيما المرضى بأمراض مزمنة، وبناءً عليه، فإن هناك مخاوف جادة من أن ينتشر وباء الكورونا في السجون المصرية، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة حتمية. والصحافيون الذين اعتُقلوا في الفترة ما بين 18 مارس/ آذار الماضي، منذ إعلان الوباء رسمياً في مصر، وحتى يوم 18 مايو/ أيار الجاري، هم:
لينا عطا الله
ألقت القوات المصرية القبض على الصحافية ورئيسة تحرير "مدى مصر" لينا عطا الله، في 17 مايو/ أيار 2020، بعد إجرائها حواراً مع د. ليلى سويف المضربة عن الطعام تضامناً مع ابنها المعتقل علاء عبد الفتاح، الذي أضرب عن الطعام احتجاجاً على سوء الأوضاع في السجن، وحرمانه زيارة أسرته. ورغم عدم ثبوت أي جريمة بحق لينا عطا الله، أطلقت النيابة العامة سراحها بكفالة قدرها 2000 جنيه مصري.
سامح حنين
في 16 مايو/ أيار، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الصحافي والمصور سامح حنين، مخرج فيلم حياة البابا، ووجهت إليه نيابة أمن الدولة في القاهرة تهمة مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها على ذمة القضية رقم 586 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، على إثر إعداده لفيلم وثائقي عن فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" وبيعه لقناة "الجزيرة". وأمرت النيابة بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق في قضية 586 حصر أمن دولة عليا.
هيثم حسن
في 11 مايو/ أيار 2020، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على هيثم حسن، صحافي في جريدة "المصري اليوم"، وذلك بعد اتهامات له بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويل تلك الجماعة ونشر أخبار كاذبة وإذاعتها، وذلك على خلفية مشاركته سامح حنين في تصوير الفيلم التسجيلي عن ثلاثي أضواء المسرح وبيعه لقناة الجزيرة.
معتز عبد الوهاب
في 5 مايو/ أيار، ألقت قوات الأمن المصري القبض على المخرج الصحافي معتز عبد الوهاب، الذي كان يُخرج الفيلم المشار إليه أعلاه بالتشارك مع هيثم حسن وسامح حنين، وأخفت السلطات المصرية المخرج خمسة أيام، ثم ظهر بعدها في نيابة أمن الدولة العليا ليُتَّهَم بالانضمام إلى جماعة إرهابية في القضية 586 حصر أمن دولة عليا وحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.
مصطفى صقر
الأحد 12 إبريل/ نيسان الماضي، اعتقلت قوات الأمن المصرية الصحافي مصطفى صقر، رئيس تحرير موقع "البورصة"، ومالك شركة بيزنيس نيوز التي تصدر عنها صحيفة ديلي نيوز إيجبت، على ذمة القضية رقم 1530 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، واقتيد إلى أحد مقارّ الأمن الوطني، ثم عرض على نيابة أمن الدولة العليا صبيحة 13 إبريل/ نيسان، ووجهت إليه تهمة الانضمام إلى "جماعة مجهولة" وأمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.
خالد غنيم
ألقت القوات الأمنية المصرية القبض على خالد غنيم، المذيع في قناة "الحياة" ومقدم برنامج "مشاكس"، من منزله في محافظة الإسكندرية يوم 13 إبريل/ نيسان الماضي، وأُخفي لمدة 15 يوماً في مقرّ جهاز الأمن الوطني بمنطقة سموحة، إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا اليوم 28 إبريل/ نيسان 2020 للتحقيق معه في القضية رقم 558 حصر أمن دولة، واتُّهم بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون وبثّ أخبار كاذبة، على إثر نشره لخبر عن وباء كورونا.
أحمد علام
ألقت قوات الأمن القبض على الصحافي أحمد علام من منزل أهله في العياط بمحافظة الجيزة يوم 21 إبريل/ نيسان، وأُخفي لمدة 6 أيام في مركز شرطة العياط ومقرّ الأمن الوطني بالشيخ زايد، إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا يوم 27 إبريل/نيسان 2020 للتحقيق معه في القضية رقم 558، بمحضر ضبط تاريخه 26 إبريل/ نيسان الماضي. ووجهت إليه النيابة اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية وبثّ أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.
عاطف حسب الله
ألقت القوات الأمنية المصرية القبض على عاطف حسب الله، رئيس تحرير جريدة القرار الدولي، من أمام منزله في محافظة أسوان يوم 18 مارس/ آذار الماضي، وأُخفي لمدة شهر في عدة أماكن بمركز شرطة نصر نوبة أسوان، ثم قسم شرطة كوم امبو، ثم مقر الأمن الوطني في أسوان، إلى أن ظهر في نيابة أمن الدولة العليا يوم 14 إبريل 2020 للتحقيق معه في القضية رقم 558 حصر أمن دولة، حيث سئل في التحقيق أمام النيابة عن عمله في الجرائد التي عمل بها، وعن منشور كتبه على صفحته الشخصية على فيسبوك تعليقاً على أعداد المصابين في كورونا، وانتقاده للأعداد الرسمية الواردة من الدولة. ووجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية وبثّ أخبار كاذبة، وأمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق.
تدوير مصطفى الأعصر ومعتز ودنان
أجرى الصحافي معتز ودنان حواراً مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، عقب إعلان سامي عنان رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية. وأطلق جنينة، مسؤول حملة سامي عنان، تصريحات مثيرة للجدل في حواره مع معتز ودنان، فتمّ القبض عليه بعدها، مع عنان. وبعد ذلك، تم القبض على معتز ودنان في فبراير/ شباط 2018، واتهم في القضية رقم 1898 لسنة 2019 بالانضمام إلى جماعة إرهابية وبث أخبار كاذبة. في 7 مايو/ أيار 2020 تم الإفراج عنه بعد تجاوزه فترة الحبس الاحتياطي القانونية، لكنه كان إفراجاً ورقياً.
أما مصطفى الأعصر فهو صحافي اعتقل أيضاً في سنة 2018 على ذمة القضية رقم 441. وكلاهما كان قد اجتاز مدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها دستورياً. وبعد أن أمرت النيابة بإخلاء سبيلهما، على الورق، قامت النيابة العامة بتدويرهما، وإدراجهما في القضية رقم 588 لسنة 2020 بالرغم من وجودهما في السجن لمدة تزيد عن عامين، وعدم ممارستهما أي نشاطات من أي نوع. وبمجرد أن أخلي سبيلهما من القضيتين اللتين كانا محتجزين فيها، أمر بحبسهما على ذمة قضية جديدة لمدة 15 يوماً.
ويستخدم مصطلح التدوير للإشارة إلى حالات يصدر فيها قرار بإخلاء سبيل سجين سياسي أو سجين رأي، وهو قرار يتأخر عادة، وبعدما يدخل المعتقل في إجراءات إخلاء السبيل التي تتخللها فقرات غير قانونية، يفاجأ بعرضه أمام النيابة متهماً في قضية جديدة، ربما بنفس الاتهامات القديمة، أو اتهامات جديدة، وربما في قضية بدأت أثناء سجنه بالأساس ويستحيل عملياً مشاركته فيها، وأحياناً في قضية حديثة العهد. وقد ينال المعتقل حريته لبضعة أيام أو شهور قبل أن يعاد القبض عليه ويسجن من جديد، وربما لا يرى شمس الحرية ولو لساعة فيجد نفسه محولاً إلى السجن من جديد.