صداقة مسنّة صربية وبقّال ألباني لم تفسدها السياسة وكورونا
لم تستطع فلاديكا ديشتش (92 عاماً)، وهي آخر مقيمة في قرية جبلية صغيرة في كوسوفو، البقاء على قيد الحياة، لولا زيارات صاحب متجر سخي كان يجلب لها الطعام، ويخفف من وحدتها.
لكن ما وجده البعض لافتاً للنظر في صداقتهما، أن ديشتش صربية، وفاضل راما (48 عاماً) صاحب محل بقالة تصفه بـ"الأخ" من أصل ألباني.
ويقول راما فيما يدخل منزل ديشتش المتصدع، حاملاً كيسين من المواد الغذائية: "يا جدتي، لقد جئت مرة أخرى".
وتعتبر هذه العلاقة بين ديشتش وراما، من جلب بقالة ونقل أخبار العالم الخارجي والرفقة، نادرة بين المجتمعات الصربية وألبان كوسوفو التي لا تزال علاقاتها مشوبة بعدم الثقة منذ حرب الاستقلال في التسعينيات.
ومنذ ذلك الصراع الذي انفصلت فيه كوسوفو عن صربيا، غادر العديد من الصرب، ويعيش معظم من بقي منهم في جيوب صغيرة تسكنها غالبية من الألبان.
ديشتش العازمة على عدم التخلي عن منزلها رغم تقدمها في السن، هي الشخص الوحيد الباقي في قريتها فاغانيش النائية في شرق كوسوفو.
وأدت موجات الهجرة نحو صربيا والمدن المجاورة إلى إفراغ المجتمع، تاركة وراءها منازل متداعية احتلتها الأعشاب.
وبدأت قصتها مع راما قبل أشهر عدة، بعدما طلب أحد ابنيها الذي يعيش في مكان آخر، من البقّال "زيارة والدته أحياناً"، وفق ما روى راما لوكالة فرانس برس. وقال راما إنه قطع وعداً لابنها بأن "أهتمّ بها وأعاملها كأنها أمي".
"جميعنا بشر"
وبعدما رأى أن المرأة المسنة بالكاد تستطيع المشي بمفردها، بدأ يزورها كل يومين أو ثلاثة أيام. يجلب البضائع من متجره في قرية ستريزوتش التي تعيش فيها غالبية ألبانية، وتقع على مسافة كيلومترين من قريتها.
ديشتش التي لا تزال مفعمة بالحياة، رغم تقدمها في السن، تعتز بمساعدة راما والتفاعل الاجتماعي بينهما.
وبينما كان خارجاً من منزلها بعد زيارة أخيرة، ملوّحاً بيده لتوديعها، قالت له: "أرسل تحياتي إلى زوجتك!".
وأوضحت ديشتش لوكالة "فرانس برس": "يساعدني في كل شيء، ويجلب لي الحطب والماء والخبز".
وقد عرض مسؤولون من بلدية كامينيكا على ديشتش منزلاً في المدينة، لكنها ترفض التخلي عن حياتها، مؤكدة: "إذا ربطوني بالسلاسل في شقة فسأكسرها".
وقد تحدت صداقتها مع راما تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19) التي فرضت تدابير إغلاق صارمة في كوسوفو.
لا تملك ديشتش جهاز تلفزيون أو راديو، وهي سمعت عن انتشار فيروس كورونا الجديد من خلال راما.
لم تصل العدوى بعد إلى قرية راما، لكن سجلت بعض الإصابات في المجتمعات المجاورة. ومع ذلك، لا يمانع جيران راما رحلاته المنتظمة إلى فاغانيش.
وقال تشيفات راما، وهو مزارع يبلغ من العمر 48 عاماً: "جميعنا بشر، ومن الجيد أن تقدم المساعدة عندما تكون قادراً على ذلك".
ويوافقه الرأي توميسلاف كانيتش (56 عاماً)، وهو رب إحدى العائلتين من أصل صربي في ستريزوتش، وتابع: "راما كاليد اليمنى للمرأة المسنّة"، مضيفاً: "لم تفسد السياسة العلاقات في هذه المنطقة. نحن خائفون أكثر من كورونا".
(فرانس برس)