أحقاد وليست أيديولوجيا
by رجا طلبمن تابع ويتابع مسيرة نتانياهو العملية وتحديداً السياسية منها، يلاحظ نقطة مهمة جداً في هذه المسيرة ألا وهي أنه بات بعد كل الذي حققه، خاصةً خلال فترة رئاسة ترامب "رجلاً بلا هدف"، والسبب في ذلك أنه حقق بصورة عملية ومعنوية كل ما يريد تحقيقه.
نتانياهو ليس متديناً وليس لديه أي سلوك مرتبط بمظاهر التدين، فالذي يحركه هو حقده على الفلسطينيين بسبب مقتل أخيه، وهو الحقد الذي تحول مع الأيام إلى حالة نفسية
لقد حقق أطول فترة حياة سياسية في تاريخ دولة الاحتلال ومن ضمنها أطول فترة في رئاسة الحكومة، منذ 2009، كما استطاع "إنهاء" حل الدولتين، بل وإنهاء فكرة السلام مع الفلسطينيين من حيث المبدأ، وكون أقوى علاقة في تاريخ دولة الاحتلال مع الولايات المتحدة الأمريكية وأقصد هنا مع إدارة دونالد ترامب، ونجح في ظل هذه العلاقة "الملتبسة" في تحقيق أهداف سياسية استراتيجية مهمة جداً للطرفين من أبرزها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، وإعلانها عاصمة أبدية لاسرائيل، ودفع نتنياهو ترامب وصهره جاريد كوشنر وفريقهما إلى كتابة "صفقة القرن" وإعلانها خطةً مفروضةً على الفلسطينيين والعرب، بدرجة غير مسبوقة من "العنجهية والسلطوية".
علينا ملاحظة أن ما حققه نتانياهو كان من خلال الاعتماد على عاملين اثنين، الأول وهو العامل الفلسطيني بشقيه السياسي والكفاحي، فالسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لا تريد وليس لديها أي خيار آخر غير التفاوض وأو التنسيق الأمني الذي لا يزال الرئيس عباس متمسكاً به، والذي تحول إلى سيف مسلط على رقبته وعلى رقبة قيادة السلطة، بل وقيادة الفصائل الفلسطينية بما فيها المعارضة والموجودة في الضفة الغربية.
وبفعل هذا التنسيق الأمني تحولت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، إلى أدوات لدى جيش الاحتلال وأجهزته المخابراتية، وهو الأمر الذي سيبقيها عاجزة عن القيام بأي فعل "مقاوم"، بل إن الأخطر من الفعل المقاوم، هو قتل روح المقاومة في نفوس وعقول الشباب الفلسطيني الذي بات يشعر بالإحباط على المستوى الوطني، والإحباط على المستوى الحياتي والمعيشي، بسبب الظروف الحياتية الصعبة، هذا كله مضاف إليه الانقسام بين الضفة وقطاع غزة وما ترتب عليه من نتائج كارثية على وحدة النضال الفلسطيني وفاعليته.
أما العامل الثاني، فهو العامل الأمريكي وأقصد هنا الرئاسة الأمريكية بشكل خاص. فخلال فترة ترؤس نتانياهو الحكومة الاسرائيلية بين 2009 و2020، تعامل مع رئاستين، رئاسة باراك أوباما، والرئاسة الحالية.
ففي الأولى ونتيجة لعوامل عديدة كانت إدارة أوباما ضعيفة للغاية في التعامل مع نتانياهو، فتارةً تحاول لجم سياساته، التي تهدف لتخريب السلام، وتارةً أخرى تحاول مواجهته. وفي كلا الحالتين كانت تفشل وهو ما زاده غطرسة وغروراً في التعامل معها، للدرجة التي كان يتوجه فيها إلى الكونغرس وإلقاء خطاباته فيه، ويلتقى أعضاءه دون أن يزور البيت الأبيض في سابقة، لم يقم بها مسؤول إسرائيلي، أو غير إسرائيلي من قبل.
أما في تعامله مع إدارة ترامب فيمكنني القول إن الأمور وصلت إلى حد يصدر فيه نتانياهو الأمر، ويقوم الرئيس وإدارته بالتنفيذ والأمثلة حاضرة وملموسة.
ولهذا وصف نتانياهو ترامب بأعظم صديق لإسرائيل، وقال في خطابه خلال الإعلان عن ما يسمى خطة السلام المسماة "صفقة القرن": "لست متفاجئاً بذلك، فأنت أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض، وصحيح أنه كان لنا أصدقاء مميزون، ولكنك تجاوزتهم" .
وكنت قد شرحت في مقال سابق هنا في هذا الموقع، العقد النفسية التي تحرك نتانياهو، وتوقفت بصورة خاصة عند عقدة مقتل أخيه على يد فلسطينيين في عملية عينتيبي بأوغندا في 1976، عدما كان يوناتان نتانياهو من ضمن جنود الكوماندوس الإسرائيليين الذين هاجموا مختطفي الطائرة الفرنسية من أجل تحريرها. وقد شكل مقتل شقيقه صدمة كبرى له وأثر على سلوكه العام وسلوكه السياسي بشكل خاص.
نتانياهو ليس متديناً، وليس لديه أي سلوك مرتبط بمظاهر التدين، فالذي يحركه هو حقده على الفلسطينيين بسبب مقتل أخيه، الحقد الذي تحول مع الأيام إلى حالة نفسية وذهنية معقدة مع مرور الزمن.