https://www.alquds.co.uk/wp-content/uploads/2020/02/20171117091047afpp-afp_uc6ps.h-730x438.jpg?v=1581690370
مدرعة إسرائيلية على حدود لبنان

الحرب المقبلة: هكذا تبدو إسرائيل مع عودة لبنان إلى العصر الحجري!

مثلما هي الحال في حالات مشابهة في الماضي، لم تحدث هذه الكارثة دفعة واحدة وبصورة مدوية. بالتدريج حدثت أمام ناظرينا، مثل تشققات في مبنى كبير. ما زال قائماً البيت في مكانه، لكن التصدع في الذروة. هذا هو الوضع الأمني في إسرائيل الآن. الدولة فقدت القدرة على الدفاع عن الجبهة الداخلية في الحرب القادمة. إلى ذلك تطرق رئيس الأركان افيف كوخافي قبل أسبوعين تقريباً عندما نشر للمرة الأولى في تاريخ الدولة إعلاناً للجمهور بأنه مطلوب “استعداد في الوعي” من قبل الجبهة الداخلية لحرب ستكون قاسية بصورة لا تقارن مع سابقاتها.

قصد كوخافي تهديد الصواريخ الموجهة الآن من قطاع غزة ولبنان وسوريا والعراق وإيران. هذا السلاح لم يظهر بين عشية وضحاها. أيامه مثل أيام الدولة، وحتى أقدم منها، هو من أيام الحرب العالمية الثانية. أساس قوته في بساطته، لا يرافقه أناس، لذلك كل الخطر يحدق بمن تتم مهاجمته. ليس هناك حاجة إلى خبرة كبيرة لتركيب صاروخ بدائي، وهذه الخبرة موجودة بوفرة الآن.

لقد مرت 15 سنة على حرب لبنان الثانية، عندما وجدت إسرائيل نفسها مكشوفة أمام إطلاق نار حاد المسار من الشمال والجنوب. ومنذ ذلك الحين، بصورة أكثر شدة في الأنظمة التي تطورت منذ ذلك الحين، تبين أن قواعد اللعب في الشرق الأوسط تغيرت. وهذا أمر يفهمه العدو، وينتظر ومفعم بآمال جديدة للقضاء على إسرائيل بواسطة الـ 200 ألف صاروخ وقذيفة التي في مخازنه.

كل العالم عرف أنه يكفي أنبوب مليء بالمواد المتفجرة السائلة لشل مناطق كاملة، وجعل دولة قوية تغلق مطارها الوحيد. ومرحلة الأنابيب المعدنية أصبحت الآن من ورائنا: صواريخ وقذائف تحمل رؤوساً متفجرة بوزن 700 كغم (يمكنها هدم مبنى كبير) موجهة الآن إلى عدد كبير من الأهداف المختارة في أرجاء 21 كم مربع من أراضي الدولة.

لا يمكن التهديد في الأرقام فقط، بل بتطور آخر في هذا المجال وهو الدقة، الذي كان حتى الآن هو نقطة الضعف الكبيرة لهذا السلاح حاد المسار الذي تحول إلى سلاح فتاك. في أعقاب تطور الحواسيب الرخيصة وتكنولوجيا الـ جي.بي.اس وتشخيص الصور، يمكن الآن إطلاق صاروخ دقيق “بدائي” إلى منطقة مساحتها نحو 10 آلاف متر مربع. وعندما يكون هذا الهدف موجوداً في مركز مدينة ستكون الإصابة كبيرة في جميع الحالات. وعندما يدور الحديث عن صاروخ ثقيل، ودقيق، فمن الأفضل عدم تفصيل ما سيفعله.

أي دفاع لدى الجيش أمام هذه التهديدات؟ لا توجد طريقة سهلة لقول ذلك: دفاع قليل جداً. وفي وقت الامتحان، ببساطة، لا شيء. هذا هو ثمن الثبات في الاعتراض الحركي، الذي استقر عنده جهاز الأمن منذ عقدين: صواريخ دقيقة؟ سنطلق ضدها صواريخ أكثر دقة، ستلاحق وتصيب هدفاً صغيراً يتحرك فوقنا بسرعة كبيرة. “القبة الحديدية” التي تعول عليها الدولة، وأشباهها التي تحمل أسماء مخيفة، تعرض في الحقيقة تكنولوجيا مثيرة للانطباع أمام صواريخ فردية، التي سيتفضل العدو بكرم بالاكتفاء بها. ولكن إذا لم يظهر العدو هذا الاهتمام فإن الحسم سيكون في يد الأرقام: بعد إطلاق الصليات الأولى سينفد احتياطي الصواريخ المضادة لإسرائيل خلال بضعة أيام.

ونذكر أيضاً بأن ثمن صاروخ الاعتراض يصل إلى ملايين الدولارات مقابل الصاروخ الذي يتم إنتاجه بثمن زهيد جداً من قبل تنظيمات إرهابية عرضية. وكم عدد الصواريخ والقذائف التي ستطلق علينا إذا اندلعت الحرب؟ تقديرات الجيش تتحدث عن 1500 – 4000 يومياً. يبدو أن “إعداد الوعي” المطلوب في هذه الحالة سيقتضي احتياطياً من علاجات التهدئة القوية.

رداً على ذلك، الجيش سيهاجم بالطبع. سلاح الجو سيقصف بقوة كل بنك الأهداف الموجود لديه. وعند الحاجة سيتم إدخال سلاح البرية إلى المعركة. ومن يعرف، ربما سيعاد لبنان إلى العصر الحجري مثلما هدد مؤخراً أحد الجنرالات. المشكلة هي أن وضعه الوجودي بعد هجوم كهذا لن يكون أفضل بكثير، وسيزداد الإطلاق من تلك الأهداف التي لم تدمَّر.

لن يكون الضحايا من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط فحسب، بل أيضاً العائلات التي تشاهد نشرات الأخبار في الصالون أو التي تنام في بيوتها وعمال وزبائن في المجمعات التجارية والسائقين على مفترقات الطرق والطلاب في المدارس ورياض الأطفال وعابري السبيل في الشوارع. ستكون الأهداف مراكز المدن والمستشفيات ومحطات الكهرباء والوزارات والمصانع ومصافي تكرير النفط. كل إصابة ستؤدي إلى شل الدولة وهرب جماعي من منطقة إلى أخرى ومن البلاد إلى الخارج، وقبل أي شيء قتل جماعي.

عندما يخرج أحد سكان حي عنيف وحده من البيت وهو يحمل رشاشاً فسيكون محمياً من القبضات والسكاكين، ولكن آجلاً أم عاجلاً سيجد نفسه وظهره إلى الحائط مضطراً إلى استخدام السلاح الوحيد الذي بحوزته. الشارع سيمتلئ بالدماء، وستكون حياته في خطر حتى لو نجا. التشبيه واضح: إسرائيل مكشوفة الآن لتهديد هجوم آلاف الصواريخ التي ستعرض وجودها للخطر. هكذا لن يبقى أمامها أي خيار عدا الرد بنفس القوة. وإذا وجدت نفسها في وضع كهذا فإنها، للمرة الأولى، ستشن حرباً مع قدرة هجومية هائلة إلى جانب قدرة دفاع صفرية.

ما يناسب دولة عظمى تكنولوجية وقوية هي الحماية الفعالة التي كانت في متناول اليد قبل عقدين. العسكريون والعلماء الذين شخصوا فشل مفهوم الصواريخ المضادة للصواريخ، أشاروا إلى تكنولوجيا جديدة يمكنها تدمير أي تهديد للصواريخ والقذائف. شركة “نوتروب – غرومان” الأمريكية بالتعاون مع جهاز الأمن في إسرائيل طورت نموذجاً لليزر الكيميائي بالغ القوة “ناوتيلوس”.

أشعة الليزر لا تحتاج إلى احتساب مسار الصاروخ الذي أطلق، و”طيرانها أسرع من أي صاروخ اعتراض”، سرعة الضوء مقابل سرعة الصوت. ليس لها مدى حد أدنى مثلما لـ “القبة الحديدية” وسبق وأظهرت اعتراض صواريخ وقذائف مدفعية أيضاً من مسافة قصيرة خلال ثانيتين. وحتى تشرين الثاني 2004 أجرت أنظمة ناوتيلوس 46 تجربة لاعتراض أهداف مختلفة (قذائف وصواريخ وقذائف مدفعية) بـ 100 في المئة من النجاح. جهاز عملياتي يقوم على ناوتيلوس وسكاي غارد تم عرضها على إسرائيل مع التعهد بالوفاء بالإنجازات العملياتية والجدول الزمني وتزويدها بالنظام الأول خلال 18 شهراً.

لماذا إذاً في هذه المرحلة بالذات أوقفت وزارة الدفاع هذا التطوير؟ ولماذا صم الأذان قسم الأبحاث وتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية منذ دعوة المهنيين للعودة إلى تطوير النظام؟ وفي المقابل، ما المنطق في الإعلان الفارغ قبل شهر تقريباً (بتوقيت غريب، فور توجه جمعية “درع للجبهة” لرؤساء أجهزة الأمن) بأن تم البدء في تطوير ليزر كهربائي بالتحديد، وقد أقر الخبراء بأن احتمال نجاحه ضد الصواريخ لا يلوح في الأفق. وكل ذلك في الوقت الذي ما زالت فيه تكنولوجيا الليزر الكيميائي متاحة لتطوير المرحلة المتقدمة التي توقفت عندها؟

هذه الأسئلة ليست موضوعنا الآن، وستبحَث في حينه. أما يما جب أن يقف أمام ناظري رؤساء أجهزة الأمن الآن إزاء التهديد الوجودي المحدق بنا جميعاً هو طلب لا يحتمل التأخير: أعيدوا على الفور تطوير السكاي غارد. وإذا استمر إهمال الجبهة الداخلية فذلك ذريعة لتشكيل لجنة التحقيق القادمة.

بقلم: إسحق بريك وابشالوم اليتسور

هآرتس 14/2/2020