مقالة في عيد الحب

by

ليس كل ما يشاع له قدر من الحقيقة، وليس كل ما يتردد على ألسنة الناس له حظ من واقع، بل إن به الكثير من المغالطات، والعديد من الادعاءات: التي هي مقصودة مرة، وعن جهل مرة أخرى.
فإذا أردنا أن نخبر الحقيقة، وأن نرى الواقع حقا، وأن ندرك الأمور على طبيعتها؛ فلابد أن نتعرف عليها معرفة مجردة ليس بها مغالطات تؤدي للحصول إلى نتائج بعينها، بل لابد أن تكون المقدمات هي عين الحقيقة ومن ثم يمكننا الوصول للنتائج الصحيحة، وذلك لن يتأتى إلا بالبحث وإعمال العقل.

ولعله من المناسب أن أعلن أننا - أعني أبناء الشرق - في حاجة إلى تغيير تلك الصورة الذهنية المغلوطة التي نقشت في أذهاننا عن الغرب؛ مرة باعتباره كافرا، وأخرى باعتباره قد تخلى عن القيم المثلى؛ تلك التي ندَّعِي حصريا امتلاكها، ادعاءً لا يصمد طويلا أمام التدقيق والتمحيص. 
إني أزعم زعما، هو لليقين أقرب، أن لدينا خلطا كبيرا بين مفهوم الحرية التي يُرَبَّى عليها الإنسان الغربي، وتخلصه من قيم الترابط الأسري، على سبيل المثال، فلا يعني أن يتمتع الابن بالحرية، تخليه عن التبجيل المعتبر للوالدين، اللذين يُنَشِّئان ابنهما على تلك الحرية التي تسمح له بمخالفتهما في الرأي، واتخاذ القرارات المدروسة، والتي يكون هناك تباين بين الأجيال المتعاقبة في أسباب اتخاذها، وذلك مدخل للرد على ما يُساق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كدليل لا يقبل شك ولا مناقشة، في أن التفسخ الأسرى - غير الموجود في الحقيقة - هو سبب ابتكار عيدٍ للأم وآخر للأب في بلاد الغرب " الكافر" والذي نحن لسنا في حاجة له حيث أن ديننا وصانا - ولا يعمل الأغلب الأعم بالوصية - بالوالدين إحسانا، ومن ثم فنحن لسنا في حاجة للاحتفال بمثل هكذا يوم "عيد" - والذي ما أحوجنا إليه - وإلا كنا قد شاركنا "الكفار" الاحتفال فأشركنا شركًا أصغر أو أكبر حسب ما تسمح به فتوى شيخ متسامح!! أو متزمت. 
إن زعمنا بتفسخ العلاقات الأسرية لغيرنا من الأمم ناتج عن اختلاف لأسلوب وطريقة الحياة، فلقد ظل مجتمعنا مجتمعا أَبَوِيًّا ذكوريا، ولم يستطع أن يدرك أن في ذلك ضررا كبيرا على الأسرة، يعود على المجتمع بمزيد من الأضرار، فعلى الرغم من الطاقة الهائلة لدى شبابنا، وكذلك نسائنا، فإن الكثير، بل الأغلبية الساحقة منهم لا يعملون، فالأسرة، التي لو افترضنا انها أخذت بالدعوات المنادية بتنظيم النسل، فإنها ستتكون من أربعة أو خمسة أفراد لا يعمل فيها إلا واحد فقط هو الأب، ولا تجد لدينا الشاب يعمل إلا بعد أن ينتهي من مراحل تعليمه وكذلك أدائه للخدمة العسكرية، إن عَِملَ من الأساس، ذلك الذي لا يمكن أن تنظره عيناك في المجتمعات التي تطلق لأبنائها، من الجنسين، الحرية والعنان في التفكير، واختيار الطريق، ومن ثم يكون لديهم القدرة على اتخاذ القرار الذي هو الخطوة الأولى في الاعتماد على الذات. 
إن هذا الخلط الذي ذكرته آنفا، ينسحب على كثير المجالات، وإنه لخلط متعمد في الأغلب الأعم، في محاولة مستميتة، لخلق روح معادية للآخر، والتي لا نتورع في إزكائها بكافة السبل، وعديد المبررات التي نلصقها لصقا بديننا الحنيف الذي نصوره في حالة رفض وبغضٍ لكل ما يمكن أن يتشارك فيه الإنسان، في مختلف بقاع الدنيا، فنخضع كل ما يمكن أن يصبح فيه احتفالا إنسانيا لعقلية شيخ عاش في عصر غير العصر، وتعامل بقيم غير القيم، وإذا بنا، في ادعائنا للحفاظ على الهوية، نبني جدارا يعزلنا عن العالم، ونصنع حواجز تزيد الشقة بيننا وبين غيرنا من الأمم. 
ومن المناسبات التي يحتفل بها العالم كل عام، في الرابع عشر من فبراير، عيد الحب ( Valentine's Day)، وبعيدًا عن أصل المناسبة التي قيل فيها أكثر من تأصيل، فإن العالم يحتفل بهذا اليوم إعلاء لقيمة الحب، وإظهارًا لمشاعر حفية بالتقدير، من خلال تبادل الهدايا المعبرة عما يملأ النفس من حب، أو إرسال بطاقات تعبر عما يختلج في القلوب من مشاعر، وكتابة عبارات تعكس حالة الوجد، التي يمكن أن يكون التعبير عنها قد تأثر في معترك الحياة.
لم يَسْلم هذا اليوم هو الآخر وهذا الاحتفال من محاولة إفساده، فيخضعونه مرة أخرى إلى عقول لم تعرف من الحب إلا تلك الصورة الشهوانية، والتي يظنونها دائما في غير محلها، فينظرون للمناسبة، وكأن المحتفل بها، قد غادر حظيرة الإسلام، وفارق الهوية الإسلامية إلى غير رجعة. 
إن الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي ابتكرها الإنسان الواعي لقيمتها، إنما هو لتجديد الطاقات، وخلق ظروف لإعادة علاقات الحب لحالتها الأولى، تلك التي تتأثر كثيرا بما يمر به الإنسان عبر عام من أحداث وظروف، ربما تحول بينه وبين التعبير عما يختلف في النفس من مشاعر فيأتي هكذا يوم ليكون مناسبة لإصلاح ما أفسدته صعاب الحياة، التي تدعونا للاحتفال بعيد الحب وغيره من الأعياد الأخرى.