https://www.eremnews.com/wp-content/uploads/2020/01/25-2-1-330x186.jpg

طلاق بعد نصف قرن ..“البريكست“ وحسابات الربح والخسارة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي

by

بحلول منتصف الليل، تكون بريطانيا قد غادرت رسميا الاتحاد الأوروبي، في حدث تختلط فيه مشاعر الحماسة والأسى والغموض بشأن مستقبل القارة العجوز التي كافحت لأجل وحدتها طوال عقود، بعد أن انهكتها الحرب العالمية الثانية وتداعياتها المدمرة، فكان لا بد من تضامن يرمم الشرخ العميق.

ويمثل (البريكست) بالنسبة لبريطانيا أكبر تحول سياسي في تاريخها منذ أفول نجم الإمبراطورية البريطانية، التي قيل بأن الشمس لم تغب عنها، غير أن وريثتها الحالية بدت أكثر اندفاعا نحو الانكفاء على الذات، إذ فضلت أن يكون بحر الماش حاجزا طبيعيا يفصلها عن أوروبا، واختارت في الاستفتاء التاريخي الشهير العام 2016 وبفارق ضئيل أن تجرب مشوارها بعيدا عن النادي الأوروبي الذي انضمت إليه في العام 1973.

حقبة جديدة

ومن المنتظر أن يقول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أحد أبرز عرابي البريكست، في خطاب تلفزيوني، إن البريكست هي ”اللحظة التي ينبلج فيها فجر حقبة جديدة“، لتبدأ مرحلة غير محددة المعالم بالنسبة لبلاده التي أدارت ظهرها لعمقها الجغرافي والتاريخي والحضاري.

وفي حين يرى مؤيدو ”البريكست“ أن الخطوة تمثل حلم يوم الاستقلال وتبشر بفجر جديد، فإن المعارضين، من جانبهم، يعتقدون أن البريكست حماقة من شأنها أن تضعف الغرب، وتنسف ما تبقى من النفوذ العالمي لبريطانيا، وتقوض اقتصادها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تحويلها لمجموعة من الجزر المنعزلة في شمال المحيط الأطلسي.

وما يدلل على مثل هذا التباين الحاد هو إرجاء بريكست لثلاث مرات، كما أن الخروج الرسمي، الليلة، الذي ينطوي على مقدار كبير من الرمزية السياسية، ليس سوى بداية فصل ثان من مسلسل بريكست الطويل، الذي سيشهد في المرحلة المقبلة مفاوضات معقدة حول العلاقات التي ستربط لندن وبروكسل مستقبلا.

وستخوض بريطانيا، كذلك، مفاوضات موازية مع الحليف الأمريكي التاريخي، على الضفة الأخرى للأطلسي، بعدما أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حماسة لهذا الانفصال، معتبرا أنه يشكل آفاقا اقتصادية جديدة.

وأعلن كبير المفاوضين الأوروبيين حول بريكست ميشال بارنييه، الذي بات مكلفا بالمباحثات حول العلاقة المستقبلية مع لندن: ”أشعر بالأسف لأن تكون اختارت بريطانيا الانعزال بدل التضامن. إنه بالطبع يوم حزين ودراماتيكي. يساهم ذلك في إضعاف الجانبين“.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، فقد خاطبت البريطانيين قائلة: ”سنحبكم دائما، وسنكون دائما قريبين منكم، وسنفتقدكم“.

وباستثناء الإجراءات الشكلية والإدارية المعروفة المتعلقة بجواز السفر والعملة والإعلام وغيرها التي ستتغير، تلقائيا، بخروج بريطانيا من الاتحاد، غير أن الانعكاسات والنتائج الاقتصادية والتجارية والأمنية والسياسية لهذه الخطوة على المدى الطويل تبدو غير معروفة، وفقا لخبراء يرون أن السنوات المقبلة ستحدد مثل هذه النتائج.

خسارة مزدوجة

ورغم أن بعض البريطانيين المؤيدين للانفصال يبالغون في التفاؤل، ويتطلعون لجني ثمار وفيرة من وراء هذه الخطوة، وتحقيق منافع تجارية لبريطانيا التي ستخوض مفاوضات مع مختلف دول العالم لعقد صفقات تجارية واقتصادية خاصة بها، غير أن محللين يرجحون أن هذا الإفراط في التفاؤل قد يتحول إلى مجرد وهم في ظل الحروب التجارية القائمة حاليا.

ويرجح الخبراء أن بريطانيا التي ظلت على مدى عقود الفردوس الموعود للعمال المهرة بأجورهم المنخفضة القادمين من أوروبا الشرقية، التي خرجت في التسعينات من تحت الستار الحديدي للشيوعية، ستفقد هذه الميزة، وستبحث عن ترتيبات وبدائل ستكون مكلفة.

الاتحاد الأوروبي، بدوره، سيحرم، وبضربة واحدة، من 15 بالمئة من حجم اقتصاده، كما سيفقد أحد أكثر الدول الأعضاء إنفاقا على التسلح، وسيحرم من العاصمة المالية الدولية لندن.

ويرى الخبراء أن الاتحاد الأوروبي لن يكون بمنأى عن الخسارة، ذلك أن بريطانيا كانت ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، ومساهما رئيسيا في ميزانيته، وقوة عسكرية رئيسية، وواحدة من قوتين نوويتين في الاتحاد، إلى جانب فرنسا، وعضوا دائما في مجلس الأمن، ومع خروجها من الاتحاد الأوروبي يخسر الأخير أحد أكثر أعضائه قوة على المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

اسكتلندا الحائرة

ومن التداعيات السلبية التي يشير إليها المحللون، هو البعد السياسي لهذا الانفصال الذي قد يشجع اسكتلندا على الانفصال، بدورها، عن لندن، مقابل الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي الأكبر، وهو ما قد يغرق الدولة الخارجة حديثا من الاتحاد بتعقيدات ومشاكل داخلية.

وكان الناخبون في اسكتلندا قد صوّتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، كما أن عناوين صحفها التي صدرت يوم الجمعة جاءت مختلفة النبرة عن صحافة لندن، إذ عنونت صحيفة ادنبره، ”سكوتسمان“، بالقول: ”ليس وداعا، بل إلى اللقاء“، وكتبت العبارة بـ 24 لغة أوروبية.

صحيفة ”ديلي ريكورد“ الصادرة كذلك في اسكتلندا لخصت مشهد بريطانيا ما بعد بريكست بتشاؤم: ”منعزلة، أقل ازدهارا، أضعف ومنقسمة“.

غير أن عناوين الصحف البريطانية الصادرة يوم الجمعة، قبيل ساعات من الطلاق المنتظر، حملت عناوين سياسية تشيد بمكانة بريطانيا، لكن بعضها لم تخلُ من العبارات الوجدانية.

وعنونت ”ديلي اكسبرس“ المؤيدة بشدة للانفصال: ”نعم، فعلناها، مرفقة العنوان بخريطة للمملكة المتحدة، أما ”ديلي ميل“ المؤيدة بدورها لبريكست، فكتبت على صفحتها الأولى: ”فجر جديد لبريطانيا“.

أما صحيفة ”الغارديان“ اليسارية فقد عبرت عن تفضيلها للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وعنونت ”جزيرة صغيرة“، ووصفت بريكست بأنّه ”أكبر رهان منذ جيل“.

https://www.eremnews.com/wp-content/themes/eremnews-v5/images/mailto-desk.png