رجل "تويتر".. حارب الصحفيين وقتل المؤتمرات الصحفية

الرئيس الأميركي الحالي الأكثر جدلية في تاريخ بلاده، يعمل على إلغاء تقاليد تعود إلى عشرات السنين. فكانت أولى هذه التغييرات من داخل البيت الأبيض.

by

لم يتوانَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ توليه الرئاسة عن التهديد بإلغاء المؤتمرات الصحافية للبيت الأبيض. قلّص مهام المتحدّثين باسم البيت الأبيض، حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها في عام 2018.

وبحسب دراسة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" فقد تراجع عدد المؤتمرات الصحافية للمتحدثين الرئاسيين من 270 إلى 70 بين عامي 1993 و2018. فيما لم تنظم المتحدثة باسم البيت الأبيض الحالية ستيفاني غريشام أي تصريح صحافي منذ نحو 6 أشهر.

المؤتمرات الصحافية التي تعود بداياتها إلى عام 1929، في عهد الرئيس الأميركي هربرت هوفر، بدأت تتلاشى اليوم حتى أضحت سيطرة ترامب على الخطاب السياسي أقوى من أي وقت مضى.

هذا التراجع في دور المتحدثين باسم البيت الأبيض قد يكون نتيجة العلاقة السيئة التي بناها ترامب مع المؤسسات الإعلامية منذ قدومه إلى البيت الأبيض عام 2017. فلم يوفر ترامب جهداً في مهاجمة كبريات الصحف الأميركية ونعت ما تقدمه بـ"الأخبار الكاذبة".

عوضاً عن الحديث أمام وسائل الإعلام التقليدية وإعطاء المنبر لمتحدثيه، لجأ الرئيس الأميركي إلى "تويتر"، "صديقه" الذي سانده طوال حملته الانتخابية وكان له الدور الأكبر في الفوز بمقعد الرئاسة.

"تويتر" كان المنصة الدائمة لترامب لإطلاق التصريحات وشن الهجمات على الدول أو السياسيين والصحافة، وحتى الاعلان عن استقالة أحد أفراد إدارته.

إلاّ أنّ أسلوب ترامب الجديد بالتوجه نحو "تويتر" عوضاً عن الوسائل التقليدية لم يلقَ استحسان بعض نظرائه، كما وسائل الإعلام المحلية. 

ففي وقت سابق، أعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن امتعاضه من أسلوب ترامب في التخاطب مع نظرائه، قائلاً إنه لم يعد قادراً على "تتبع" تصريحات ترامب المتبدلة على "تويتر". وأضاف "وصلنا إلى نقطة فقدنا فيها القدرة على تتبع تغريداته".

استخدم الرئيس المثير للجدل منصة "تويتر" أيضاً لانتقاد فريقه الإعلامي، حيث أعرب عن عدم إعجابه بأدائهم؛ ففي إحدى المرات غرد على "تويتر" قائلاً "كرئيس نشط جداً وفي ظل الأحداث الكثيرة التي تحصل، لا يمكن لبديل أن يقف على المنصة بدلاً مني ويعبر بدقة كاملة عني!"، وأضاف "قد يكون من الأفضل إلغاء المؤتمرات الصحافية في المستقبل وتوزيع إجابات مكتوبة من أجل الدقة".

المتحدث باسم الرئاسة الأميركية السابق، بن لابولت، يرى أنّ "المشكلة الأساسية ليست في أداة المراسلة المفضلة للإدارة، إنما في الإدارة نفسها".

من جهته، يُرجع آلان ليتشمن، الأستاذ المحاضر في التاريخ السياسي، سبب انخفاض انعقاد المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض إلى وجود أزمة داخل إدارة ترامب. 

صاحب شعار "أميركا أولاً" خالف السائد في البيت الأبيض، حتى ذهبت وسائل الإعلام إلى حد المقارنة بينه وبين أسلافه في عدد التصريحات الصحافية، وفي الحرية المعطاة للمتحدثين باسم البيت الأبيض للإجابة على أسئلة المراسلين.

الدراسة الأميركية التي نشرتها "نيويورك تايمز" تشير إلى أن المتحدثة السابقة، سارة ساندرز، أخذت أسئلةً من المراسلين أقل من أسلافها خلال المؤتمرات الصحافية، فضلاً عن أنها نظمت مؤتمرات صحافية شهرية أقل من المتحدثين الـ13 السابقين.

عندما سُئلت ساندرز، في أيلول/سبتمبر 2018، عن سبب اختفاء التصريحات الصحافية في البيت الأبيض، أجابت حينها أنها تحدثت قبل بضعة أيام على قناة "فوكس نيوز". واعتبرت أنه "إذا استطعت الحصول على إجابة مباشرة من الرئيس، وأن يكون للصحافة فرصة الحديث مع رئيس الولايات المتحدة فإن ذلك أفضل بكثير من الحديث معي".

ستيفاني غريشام التي تولت مهام ساندرز بعد استقالة الأخيرة عام 2018، لم تقم بالإدلاء بأي تصريح صحافي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من قدومها إلى البيت الأبيض.

وخلال حلولها ضيفة في برنامج "هوست اوف فوكس اند فرندز"، برّرت الأمر بأنّ "التصريحات الصحافية لن تعود إلا عندما يقرر ترامب ذلك". وأضافت "ما أعنيه، في النهاية ، إذا قرر الرئيس أن هذا شيء يجب أن نفعله، يمكننا أن نفعل ذلك، لكنه الآن على ما يرام".

ووصفت التصريحات الصحافية التي كان يؤديها زميليها، ساندرز وسبايسر، بالـ"مسرحية" وأنّ الصحافيين يستغلون فرصة توجيه أسئلة بهدف الشهرة.

وكالة "بلومبرغ" الأميركية قالت إنّ إدارة ترامب خصصت نصف الوقت للمؤتمرات الصحافية التي سجلها البيت الأبيض مقارنة بتلك التي خصصها باراك أوباما خلال ولايته الأولى.

وقالت مارتا جوينت كومار، أستاذ فخري للعلوم السياسية بجامعة تاوسون، "أعتقد أنه أمر مهم أن تعقد مؤتمرات صحافية منتظمة. أنت بذلك تجعل البيت الأبيض يعرف أنه تحت طائلة المسؤولية في ما يفعله".

ورأت أنّ ترامب "يستطيع تغيير رأيه بشأن شيء ما، من حيث الأولوية، أو ما ينوي القيام به. وبالتالي هذا الأمر يعقّد عمل المتحدث باسم الرئيس، لأن أحد أهم الأشياء في هذا المنبر هو مصداقيتك".

وتلفت كومار إلى أنّ غياب دور المتحدثين باسم البيت الأبيض يعكس "ستايل" ترامب، قائلةً إنّ "المتحدث باسم البيت الأبيض هو انعكاس لتصريحات الرئيس عندما يتحدث. إذا نظرت إلى أوباما وبوش، كلاهما، وثقا بالمتحدثين الرئاسيين للتكلم نيابة عنهما. أعتقد أن ترامب يحب التحدث عن نفسه".