نيويورك تايمز: صفقة ترامب ليست إلا حرفا للأنظار عنه وعن نتنياهو
لندن – “القدس العربي”:
تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن خطة سلام الشرق الأوسط للرئيس دونالد ترامب وفيما إن كانت نقطة البداية أم النهاية؟
وقالت إن من الخطط والمقترحات السلمية لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، على مدى العقود الماضية، تقدم الظروف التي أعلن فيها الرئيس دونالد ترامب عن خطته يوم الثلاثاء صعوبة في التعامل معها بجدية. وقدم ترامب ما أسماه “رؤية” للسلام في الشرق الأوسط في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض المطلية بالذهب ووسط موجات من التصفيق قامت به مجموعة مختارة من الحضور، في وقت كانت فيه محاكمته تطن أصداؤها في الكونغرس.
على السطح تبدو الرؤية أنها قائمة على خطط سلام سابقة وتحيي حل الدولتين الهامد وتغطي معظم الموضوعات
وعندما كان يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الواقف إلى جانب ترامب بأنه “أعظم صديق لإسرائيل يدخل البيت الأبيض أبدا”، كانت أخبار قراره التخلي عن طلب الحصانة ومواجهة المحاكمة في تهم الفساد تتردد في إسرائيل.
ومع كل المظاهر فـ”صفقة القرن” كما تم تقديمها ليست إلا حرفا للأنظار عن مشاكل يواجهها سياسيان ومداهنة إلى قواعدهما من أجل إعادة انتخابهما؛ نتنياهو في آذار (مارس) وترامب في تشرين الثاني (نوفمبر). ووصفت كوكبة من المحللين الخطة بأنها جاءت ميتة وأسوأ من هذا فهي تؤكد تخلي الولايات المتحدة عن دورها كوسيط في المستقبل.
وترى الصحيفة أن النزاع طال والمعاناة أيضا، ولا يمكن والحالة هذه رفض مبادرة جديدة بدون النظر إليها. فرؤية تحسين حياة الفلسطينيين والإسرائيليين تم العمل عليها لثلاثة أعوام حيث قام صهر الرئيس جارد كوشنر ومحاميه السابق جيسون غرينبلات بالتشاور المكثف مع القادة العرب لكي يدفعوا الرئيس عباس إلى طاولة المفاوضات.
وعلى السطح تبدو أنها قائمة على خطط سلام سابقة وتحيي حل الدولتين الهامد وتغطي معظم الموضوعات: وضعية القدس وأمن إسرائيل والمستوطنات وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وحزمة 50 مليار دولار للاستثمار للفلسطينيين لو قبلوا بالخطة، على افتراض أن تقوم دول النفط العربية الثرية التي جندها ترامب بتمويلها. ومن خلال تسميتها بالرؤية وليس خريطة طريق أو خطة سلام فهي مفتوحة للمقايضات التي يعتبر الرئيس نفسه عبقريا فيها.
وأشارت الصحيفة لتصريحات ترامب التي قال فيها إن رؤيته قد تكون “الفرصة الأخيرة” لدولة يمكن للفلسطينيين الحصول عليها أو أحسن صفقة يمكنهم الحصول عليها. وفي ضوء وضع الفلسطينيين ومزاعمهم التاريخية بالأرض فالنتيجة قد لا تكون عادلة ولكنها الحل الواقعي.
الفلسطينيون الذين تجاهلهم حلفاؤهم العرب باتوا بخيارات قليلة
وتقول الصحيفة إن الفلسطينيين الذين تفوقت عليهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وأصبحوا منقسمين وتجاهلهم حلفاؤهم العرب باتوا بخيارات قليلة. لكن هذه الصفقة سيكون من الصعب حتى على البراغماتيين الفلسطينيين المجهدين قبولها. ويعتقد ترامب أنه يقدم لهم صفقة لا يمكنهم رفضها. ولكن بالطبع يستطيعون.
ومن الصعب رؤية الطريقة التي ستستفيد إسرائيل منها على المدى البعيد. ولا يحتاج الواحد إلا لإلقاء نظرة سريعة على الخريطة المقترحة لـ”الدولة الفلسطينية” وقراءة بعض التفاصيل ليعرف أنها لن تكون دولة بالمطلق، بل ستكون مجموعة من الرقع الإثنية سيتم على ما يقال ربطها بجسور وطرق وأنفاق وكلها عرضة للإجراءات الأمنية وتحت إشراف إسرائيل. وستكون مشابهة لما هو موجود الآن. وتعطي خطة ترامب إسرائيل الحق لضم كل المستوطنات الإسرائيلية ووادي الأردن. فكيف يمكن التعامل مع خطة كهذه بحسن نية في المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث قال نتيناهو حالا إنه طلب من حكومته التصويت على قرار الضم نهاية هذا الأسبوع، مع أن التحرك قد يتم تأجيله؟
وبناء على شروط الخطة، يطلب من إسرائيل خلال السنوات الأربع تجميد الاستيطان، على الأقل خارج الكتل الاستيطانية. وسواء التزمت بهذا القيود أو حاول ترامب إجبارها عليها، سيكون ذلك بمثابة امتحان لجدية جهوده.
ولاحظت الصحيفة أن الفلسطينيين لم يعطوا إلا أرضا قليلة مقارنة مع الخطط السابقة. ومقابل عمليات الضم، قد تبادل إسرائيل مناطق في وسط إسرائيل تعيش فيها الأقلية العربية، وهي خطوة للأمام من جانب القوميين اليهود الذين يريدون تخفيض عدد المواطنين العرب في إسرائيل. وتم منح القدس كاملة لإسرائيل، فيما منح الفلسطينيون حق إقامة عاصمتهم في الأحياء المحيطة بها. و”الدولة” التي تقترحها الخطة ستظل تحت رقابة إسرائيل. وسيتم الإعلان عنها بعد أربعة أعوام عندما يقوم الفلسطينيون بتطبيق شروط مشددة، وعندها ستقرر إسرائيل إن تم تنفيذ الشروط، أي منحها فيتو على ولادة الدولة.
وتعبر رؤية ترامب عن تبنيه أماني المتطرفين اليهود والمتبرعين الإنجيليين اليهود وعن موقف يحتقر الفلسطينيين. ومع أن الخطط السابقة عبرت عن أهمية تلبية المصالح الأمنية الإسرائيلية إلا أنها لم تتحدث علانية عن الضم بل وأشارت إلى “تأجير” الأراضي.
الخطة وتفاصيلها المدروسة واضحة في عدم منح الفلسطينيين أي أمل في السيادة على أرضهم أو تحسين ظروف شعبهم
وترى الصحيفة أن الخطة وتفاصيلها المدروسة واضحة في عدم منح الفلسطينيين أي أمل في السيادة على أرضهم أو تحسين ظروف شعبهم. وعلينا ألا نندهش بعد القرارات التي اتخذها ترامب من طرف واحد، مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان واعتباره المستوطنات الإسرائيلية قانونية حسب القانون الدولي، وكل القرارات التي تخلت عن سياسة التزمت فيها أمريكا منذ عقود وينقصها أي نوع من الإنصاف. ولم يستطع نتنياهو إخفاء فرحه عندما أعلن وبدون شك قبوله للرؤية.
وتقول الصحيفة: “لم يكن هناك حاجة لأن تصل الأمور إلى هذا الحد، فعندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض وكلف صهره بالعمل على “أقوى صفقة” من بين الصفقات شعر الفلسطينيون بالدهشة. فقد فشلت الإدارات السابقة بعقد صفقة سلام دائم. وبدا حل الدولتين ميتا وغطس في المياه منذ وقت. واقترح مسؤول فلسطيني في حينه أن خلفية ترامب في التجارة وطريقته غير التقليدية هي الأمور المطلوبة لكسر الجمود. ففي أيار (مايو) 2017 استقبل ترامب عباس في البيت الأبيض وبعد شهر آخر نقل السفارة لمنح السلام فرصة.
وتغير كل هذا عندما أصبحت إدارة ترامب تعيش حالة استقطاب وتعاني من الفوضى والتناحر. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2017 عبر الرئيس عن تحول كبير في السياسة وأمر بنقل السفارة إلى القدس التي تعتبر في مركز النزاع بين العرب واليهود. واعتبر التنازل فيها مفتاحا للحل وأصبحت خارج النقاش. وعندما رد عباس غاضبا وأوقف الاتصالات مع واشنطن رد ترامب بقطع كل المساعدات الأمريكية.
ومنذ ذلك الوقت لم يكن للفلسطينيين أي رأي في الخطة. وأجل الإعلان عن الخطة نظرا لعدم قدرة بنيامين نتنياهو على الفوز بغالبية في جولتين انتخابيتين العام الماضي، وهناك جولة ثالثة في 2 آذار (مارس)، وبعد ذلك جاءت الاتهامات ضد نتنياهو. وبالنسبة لترامب الذي يواجه محاكمة فقد كان بحاجة لتعبئة أنصاره وخلق هالة رجل دولة حول نفسه، ومن هنا تم تجهيز المسرح في الغرفة الشرقية.
وتعتقد الصحيفة أن توقيت الإعلان عن الخطة وتجاهل المصالح الفلسطينية وسجل ترامب الفقير في عدم متابعة المقترحات الجريئة (كوريا الشمالية مثالا) لا يعتبر نذيرا لبداية فترة من المحادثات المتعددة الأطراف وتحقيق سلام حقيقي. ومن الواضح أن ترامب أو نتنياهو لم يذكرا المحاكمة في الكونغرس ولا التهم الجنائية أثناء الإعلان عن الخطة. وهذا رهان آمن، وقاما باستغلال أمر له آثاره على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لتحقيق غايات سياسية، وهو ما يكشف عن إساءة حقيقية للسلطة يتهم بها الرجلان.