الأدب الإيراني.. حضور خاص في "معرض القاهرة للكتاب"

يلفت السعيد إلى أنه يعد ترجمة الأدب الإيراني عن الفارسية دوراً وطنياً، لأنه "من الضروري أن يتعرف العرب على الطريقة التي يفكر بها الإيرانيون".

by

مئات دور النشر، وعشرات آلاف العناوين. هذه هي الحال مع "معرض القاهرة الدولي للكتاب" في دورته الــ 51. لكن من يمر في القاعة رقم (2) في المعرض لا يستطيع غضّ الطرف عن الرواية الإيرانية التي تستقر في أحد أجنحة المعرض. فقد أخذت "منشورات الربيع" على عاتقها نقل الأدب الإيراني إلى القراء، ما منحها نكهتها الخاصة من بين 900 دار نشر في المعرض الذي ينتهي في الرابع من شباط/فبراير. 

الميادين الثقافية زارت الدار، واطلعت على ما يحتويه من الأدب الفارسي وعادت بهذا التقرير. 

الأدب الإيراني.. حضور مميز 

يقول أحمد السعيد، مدير "منشورات الربيع" إن الأدب الإيراني "لا يختلف كثيراً عن السينما الإيرانية من حيث أهميته وجدَّته"، مضيفاً في حديث للميادين الثقافية "إنه دائماً يعدّ غريباً ومختلفاً عن أي أدب آخر، ومن هنا جاء اهتمامنا بالأدب الإيراني، وقد ألف الجمهور المصري ربما ترجمة الأدب الروسي من ناحية، والأدب الغربي من ناحية أخرى، وربما كان ذلك بسبب رغبة تلك الدول بإيصال ثقافاتها، وهو ما يحدث عكسه بالطبع تجاه الأدب الإيراني"، في ظل طبيعة العلاقات بين بعض الدول العربية وإيران. 

ويتميز الأدب الإيراني بحسب السعيد في أن تقنيات السرد وآليات الكتابة لا تشبه الموجودة في الأدبين الروسي والغربي. ذلك أن "السرد الإيراني نسيج وحده، لكن ما يوفر لهذا الأدب قدراً من التفاعل مع القارئ العربي هو أن واقع المواطن الإيراني يشبه إلى حد كبير الواقع العربي، وعليه فهو قريب في قضاياه وواقع شعبه الذي يطرحه من قضايانا العربية وواقع الكثير من شعوبنا إلى حد كبير".

ويلفت مدير "منشورات الربيع" إلى أن اهتمام الدول الأوروبية بترجمة أعمال الأدباء الإيرانيين دليل على أهميته، وعلى "سيرنا في الطريق الصحيح، وأغلبهم ممن ترجم الدار أعمالهم إلى العربية، مثل جلال آل أحمد، غلام حسين ساعدي، بهرام صادقي، ورضا قاسمي وغيرهم من الكتاب أصحاب النفس السردي والتكوين الثقافي الخاص". 

وهنا يلفت السعيد إلى أنه يعتبر ترجمة الأدب الإيراني عن الفارسية دوراً وطنياً، لأنه "من الضروري أن يتعرف العرب على الطريقة التي يفكر بها الإيرانيون، عن أزماتهم وطموحاتهم وثقافتهم". 

عراقة وتطور 

اهتمت الدكتورة أماني حسن بإلقاء الضوء على تطور الأدب الإيراني الحديث والمعاصر إلى جانب تاريخه العريق وامتداد جذوره إلى بدايات دخول الإسلام إلى إيران، وما قبل تلك الفترة أيضاً. 

وفي حديث للميادين الثقافية تشير مدرّسة الأدب الفارسي بكلية الألسن في جامعة عين شمس في القاهرة، إلى أن الأدب الإيراني "اتخذ رونقاً جديداً بعد الثورة الإسلامية، حيث تأثر بشكل كبير بالأدب الغربي في صوره وأغراضه، ثم ظهرت بعدها دعوة للحفاظ على الهوية الفارسية في الأدب واللغة على حد سواء، وهذا لم يقلل مطلقاً من شأنه كأدب راق وله ذوق رفيع ويسعى دوماً إلى الإفادة من الآداب الأخرى، ومن ذلك الاهتمام بالتبادل الثقافي مع الأدب العربي من خلال الترجمة منه وإليه، وكذلك الاهتمام بالترجمة عن الأدب الغربي".

وهنا تؤكد حسن على الأثر السياسي في الأدب الإيراني، شأنه شأن غيره من الآداب، ذلك أن "الشعب الإيراني بطبيعته شديد التأثر بالأحداث السياسية الداخلية والخارجية، ويظهر هذا واضحاً في أدبهم حيث تنشد قصائد الرثاء لقتلى هجوم ما، أو تكتب قصص ملحمية تحكي أحداث حرب ما، أو مقالات رافضة للعقوبات الأميركية، وغير ذلك الكثير". 

أحكامنا على الأدب الإيراني إلى الآن "منقوصة بشكل كبير"، هذا ما تخلص إليه الأستاذة في جامعة عين شمس، وتشرح قائلة إن "ما وصلنا من هذا الأدب أعمال لا تذكر، فلا يمكن الحكم عليه بشكل قاطع. وأغلب ما نعلمه عنه هو ما اصطبغ منه بصبغة عربية، بعد دخول الإسلام إيران وانتشار اللغة العربية فيها وتأثر اللغة الفارسية بها في شتى النواحي بدأ الأدب الإيراني يتأثر بدوره بالأدب العربي، حيث أخذ عنه الأعراض الشعرية والبحور، والأشكال الأدبية المختلفة من قصة ورواية وغيرها، فاصطبغ الأدب الإيراني في هذه الفترة بصبغة عربية إلى حد كبير"، وتضيف "لكن بعد الثورة الإسلامية اتخذ الأدب الإيراني منحى مختلفاً تماماً حيث اصطبغ بصبغة دينية فظهرت قصائد رثاء الحسين عليه السلام وأهل كربلاء على سبيل المثال، وغير ذلك من المظاهر. أما الآن وقد انفتح العالم وصار قرية صغيرة فقد اشتمل الأدب الإيراني على مختلف التوجهات والصبغات، فنجد فيه الصبغة المذهبية والسياسية حيناً، والاجتماعية أحياناً أخرى مما يزيد من ثرائه وقوته وانتشاره بين القراء في مختلف دول العالم".

وتتمثل أهمية الأدب الإيراني في قدرته على الحفاظ على خصوصيته الشديدة، من خلال ظهور التراث الديني لملايين الإيرانيين والاعتماد على التاريخ وصياغته بشكل أدبي، وغير ذلك من الملامح التي يشترك فيها مع غيره من الآداب مثل ظهور الصبغة الاجتماعية بشكل واضح، عن طريق تصوير المشاكل الاجتماعية وهموم الإيرانيين وصياغتها بشكل قصة أو رواية أو قصيدة، إضافة إلى الاهتمام الكبير بالنقد الأدبي، من خلال إنشاء هيئات وجمعيات لهذا الغرض تقوم بمناقشة الأعمال الأدبية الجديدة على الساحة الإيرانية.

 "في الصدارة" 

 "في الصدارة".. هكذا علّق السعيد عند سؤاله عن موقع الكتب والروايات الإيرانية في قائمة (الأكثر مبيعاً) لإصدارات الدار، وهو ما يؤكد وعي الجمهور، وأن الكتاب الذي ينجح في تحقيق مبيعات لا يشترط فيه بالضرورة أن يكون منتمياً إلى شكل أو تيار معين، لذلك فهو لم يعتنِ فقط بالإبداع الإيراني، بل قامت الدار بنشر (ربيع كتماندو الأزرق) وهو كتاب يضم لائحة بالكتاب الإيرانيين وأهم إبداعاتهم. 

وتتنوع الموضوعات التي تتناولها الروايات الإيرانية من الأحداث الغرائبية، إلى "الثورة الدستورية" ونضال ثوار "إقليم تبريز" ضد الحكومة القاجارية، وانضمام عشائر "شاهسون" للمقاومة ضد "القوزاق" وغيرها من العناوين. 

ويأتي هذا الحضور للأدب الإيراني في "معرض القاهرة الدولي للكتاب" داعماً لوجوده في الخريطة العربية، حيث يرتاد المعرض سنوياً ما لا يقل عن 3 ملايين زائر، ومن المتوقع ألا يقل عدد زوار الدورة الــ 51 عن العام الماضي، إضافة إلى 900 فعالية يشارك فيها 3 آلاف مبدع وفاعل ثقافي، إضافة إلى العشرات من أنشطة الأطفال وعروض السينما وقاعات الفنون التشكيلية وغير ذلك. 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً