https://www.elbalad.news/upload/photo/news/415/4/600x338o/770.jpg

إبراهيم عطيان يكتب: مثلث برمودا الجزء الرابع عشر‎

by

بدأت الأم حديثها عن العادات الريفية والتقاليد المصرية الأصيلة التي يتمتع بها أهل الريف الذين يغلب عليهم طابع البساطة والهدوء والترابط مقارنة بسكان المجتمعات المدنية، حيث تربطهم الألفة والحب واحترام الصغير للكبير، فهم غالبًا يعيشون في بيوت كبيرة بها شخص يلتف حوله الجميع، كما هو الحال في بيت الشيخ سالم جد أميرة.
تجد الأم دائمًا ما يدعو إلى الفخر عندما تروي لابنتها عن والدها الذي استشهد أثناء أداء واجبه، وتربيته بين أفراد تلك الأسرة الريفية المترابطة، والتي تنحدر من إحدى قرى محافظة كفرالشيخ، ومن ثم الوصية التي تركها جدها الشيخ سالم أمانة في عنق ابنه الأكبر الحاج أمين قبل أن تنتقل روحه إلى بارئها حزنًا على فراق ابنه البار بأهله وبلده، الذي فارق الحياة وهو يواجه الإرهاب.
تُحدِّث الأم ابنتها بفخر شديد عن وصية الشيخ سالم لولده الحاج أمين، وأنها أمر واجب النفاذ، لا يمكن التهاون فيه، أوالتكاسل عنه مهما بلغت الصعاب. 
"وصية جدك الشيخ سالم الله يرحمه هي الأمل الوحيد اللي مصبرني على فراق أبوكي الله يرحمه، وعارفه إن حقه هيرجع في يوم من الأيام، عارفة ليه يا أميرة؟ لأني متأكدة إن كلام الكبير في العيلة دي لازم يتنفذ، فما بالك أنتي لو كانت وصية".
كان حديث الأم المفعم بالأمل عن وصية الجد محطة توقفت عندها أميرة، فبادرت بالسؤال في لهفة عن فحوى تلك الوصية:
وبماذا أوصى جدي الشيخ سالم قبل وفاته يا أمي؟
فنظرت الأم إلى صورة زوجها وقد ذابت دموع الحزن في ابتسامة رضا على وجهها قبل أن تجيب أميرة عن سؤالها.
تعجبت أميرة بشدة، وتصلبت عيناها عندما نظرت إلى أمها فتجد الفرحة وقد ظهرت عليها، وأشرق وجهها فجأة رغم البكاء!!
فتقدمت أميرة خطوات قليلة نحو الأم قبل أن تجلس بجوارها وقد اختلطت بداخلها مشاعر الدهشة بسبب الفرحة التي تبدو على الأم، مع الفضول الذي يتملكها كي تعرف وصية الجد وعلاقتها بالموقف الحالي."ماذا بك يا أمي؟ ما هي وصية جدي؟ ولماذا هذه الفرحة؟"
تلك هي الأسئلة التي شغلت أميرة، وأثارت بداخلها الفضول، فطرحتها متتالية على أمها دون فواصل، في انتظار إجابة الأم عنها بسرعة، لكن جرس الباب لم يمهل الأم الفخورة مزيدًا من الوقت كي تجيب عن أسئلة ابنتها المتلهفة للاستماع، وتوقف الحوار فيما بينهما بشكل مؤقت عندما طلبت الأم من ابنتها الهدوء قليلًا؛ حتى يتعرفا على طارق الباب أولًا.
إنه ماجد الذي يدق الباب بعد أن حاول الاتصال مرارًا بـ أميرة؛ كي يخرجا معًا في نزهة قبل أن تنتهي أجازته القصيرة، لكن هاتفها الذي أغلقته قبل قليل منع الطبيب ماجد من الوصول إليها، فما كان منه إلاّ أن يذهب إلى البيت فهي فرصة لرؤية زوجة عمه التي يفخر بها وبتربيتها الحسنة لأميرة، وعدم قبولها الزواج مرة أخرى، واكتفائها بما قسمه الله بعد وفاة زوجها.
طلبت الأم من أميرة أن تقوم بغسل وجهها سريعًا واللحاق بها إلى الخارج. "يلا يا حبيبتي اغسلي وشك الأول وحصليني، وأنا رايحه أشوف مين على الباب".  في جانب غرفة أميرة باب صغير مغلق توجهت أميرة نحوه، ثم خرجت منه بعد قليل وهي تحفف الماء عن وجهها، ثم ألقت بالمنشفة على السرير وأغلقت باب الحمام الخاص بها داخل غرفتها. 
كانت الأم قد خرجت إلى ردهة المنزل وتوجهت إلى باب البيت قبل قليل، فتبعتها أميرة على الفور، ثم جلست على مقعد في صحن المنزل في انتظار عودة أمها.
وما أن فتحت الأم الباب حتى علت وجهها الصبوح ابتسامة عريضة أخفت من خلفها أثار الحزن والبكاء وكأنها لحظة النصر، دخل ماجد إلى بيت عمه سعيدًا يحمل بيده بعض الهدايا، ثم بادر بتقديمها إلى أميرة زوجة المستقبل، لكن أميرة لم تلتفت إلى تلك الهدايا، ولم تهتم بما بداخلها، ثم كررت السؤال مرة أخرى " أنا عايزه أعرف وصية جدي سالم كانت ايه يا ماما"
تعجب ماجد من ردة فعل أميرة، وطريقتها الغريبة في استقباله، فدعته الأم الى الجلوس أولًا " اقعد يا ماجد واقف ليه " ثم أجابت عن السؤال لاحقًا بعدما نظرت أولًا في عين ماجد.  
" الوصية عند حضرة الظابط ماجد، ممكن تسأليه هو أحسن" لقد أوصى الجد أن يثأر الحاج أمين والد ماجد انتقامًا لأخيه، ولأن الحاج أمين رجل بسيط لم يستطع تنفيذ وصية أبيه بنفسه فقد نقلها إلى ابنه ماجد وهذا ما دعاه لإلحاق ماجد بالجيش؛ كي يثأر لمقتل عمه، وينفذ الوصية التي فشل أبوه في تنفيذها. 
فتسألها أميرة: وكيف يا أمي؟
ثم تستدير أميرة نحوه موجهة حديثها لماجد علها تجد الإجابة" ماجد ظابط أه، بس دكتور مش مقاتل عشان يجيب حق عمه، ممكن تفهمني ازاي هتجيب حق عمك؟"تصلبت عيناه نحوها ودقق النظر إليها للحظات، ثم أجاب في حزم شديد " ساعة الحق جايه جايه متخافيش، وحق عمي أنا هجيبه يا أميرة، ورحمة عمي لازم أرجع حقه وحق كل شهيد في البلد  "
انصرف ماجد بعد أن عاهد أميرة أن يقتص من الإرهاب. 
لكنها مازالت تشعر بالحيرة، فهي لا تدري بما سيفعله ماجد،  لكن الأم الواثقة تقول: أنا كذلك مثلك يا أميرة، لا أعرف كيف، لكني على يقين تام بأن ذلك سيحدث قريبًا، ألم أخبرك من قبل بأن وصية كبير العائلة أمر واجب النفاذ لا يمكن التهاون به؟
ماجد الذي يحمل على عاتقه مهمة تنفيذ ما أوصى به جده لم يدخر وقتًا أو جهدًا في تنفيذ مشروعه العلمي.
فمن أهم الصفات التي يتميز بها ماجد الثقة بالنفس والمقدرة على تطوير أفكاره وتحويلها إلى أعمال، والشعور الدائم بالقدرة على تحقيق إنجاز ما.
بالفعل هو يمتلك صفات الشخصية الابتكارية ويسعى لتحقيق حلمه، وتحويله إلى شيء حقيقي ملموس يمكن الاستفادة منه ليعود بالنفع عليه والمجتمع.
إلى جانب قدرته العالية على التشارك والتفاعل مع الآخرين.
هذه الصفات أهلت ماجد إلى تحقيق إنجاز علمي عظيم حيث توصل إلى عقار من الممكن أن يساعده في توظيف مجموعة من الإرهابيين تم القبض عليهم من قبل واستخدامهم في العمل لصالح البلاد، كما أن ثقة القيادة في العقلية الفذة التي يتمتع بها ماجد جعلتهم يفكرون في الأمر بشكل جدي وتجربته خاصة وأن هذا العقار لن يؤثر بالسلب على الحالة الصحية أو العقلية لتلك المجموعة المستهدفة.