https://www.elbalad.news/upload/photo/news/415/4/600x338o/759.jpg

خالد الشناوي يكتب: سيدة أهل التصريف

by

في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي تنتشر مراقد وقباب آل بيت المصطفى على جدهم وعليهم الصلاة والسلام.فلا تكاد ترى شارعا أو حيا في مصر القديمة إلا وقد حوى مشهدا للطاهرين الأطيبين سلام الله عليهم... حتى أن بعض شوارع المحروسة بهم قد عرفت.
فتتصاعد في الآفاق روائح طيبهم الفواح الذي يأخذ بالروح والألباب إلى حيث عالم النور الأبدي ....فكم تتحرك نحو ديارهم الأرواح؛وتشتاق القلوب لملامسة برازخ حوت بداخلها الطهر والشرف المؤبد لآل محمد.
فهم جنة الدنيا وأبوابها المتسعة حين تضيق على الناس دنياهم؛فيهرعون إلى روضاتهم ضاربين بهموم دنياهم عرض الحائط؛فلا يلبسوا حتى يشعروا بالراحة والاطمئنان ... فتقضي لهم الحاجات ... وتزال عنهم الهموم والكروبات ....
كيف لا وهم أبواب الحق بين الخلق؟... سر قول المعصوم عليه أفضل الصلوات والتحيات:(النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي).
وإن من صفوة القوم الكرام سيدة تربعت على عرش الولاية الربانية علما وحالا...وصالا وسلوكًا ... ربيبة البيت النبوي الشريف ... وحلقة من حلقات نورانيته الفياض ... كريمة الدارين سدادة الدين ..أم الزاهدات نفيسة العلوم ناصرة المظلوم ذات الحلم والأنوار والجود ... مقصد العارفين ... ووجهة الشافعي في السابقين ... تحت قبتها الدعاء يجاب ...
...كان لأخيها يحيى (المتوّج) بنت واحدة اسمها (زينب) انقطعت لخدمة عمتها، تقول: (لقد خدمت عمتي نفيسة أربعين سنة، فما رأيتها نامت بليل أو أفطرت بنهار، إلا في العيد وأيام التشريق) وتقول: (كانت عمتي تحفظ القرآن وتفسّره وتقرأه وتبكي) وهكذا عاشت في مصر معزّزة مكرّمة، ينتهل من نمير علومها أهالي مصر. وكانت مثال الحديث الشريف: (عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم، وإن متّم بكوا عليكم)، وهكذا ما أن حلّ عام 208هـ - ولم تكد تدخل سنتها الرابعة والستين - حتى أحست بدنو أجلها، فكتبت إلى زوجها تطلب حضوره.
وكانت السيدة نفيسة صائمة كعادتها، فألحوا عليها أن تفطر رفقًا بها، فرفضت فانصرف الأطباء، وقد شدّهم الإعجاب بقوة يقينها وثبات دينها، فسألوها الدعاء، فقالت لهم خيرًا ودعت لهم.
وشاءت السيدة نفيسة أن تختم حياتها بتلاوة القرآن وبينما كانت تتلو سورة الأنعام، حتى إذا بلغت آية : (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) الأنعام/ 127 غشي عليها. تقول زينب - بنت أخيها - فضممتها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في السماء.
ولما فاضت روحها أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدها عليه الصلاة والسلام ولكن أهل مصر تمسكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأبى ولكنه رأى في منامه الرسول يأمر بذلك فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر.
ومما وقع لي وأنا كاتب هذه السطور في غضون سنة ٢٠١٢ كنت مكلفا بكتابة مقال عن السيدة نفيسة رضي الله عنها لمجلة التصوف الإسلامي وتزامن أن في هذا اليوم مولد مترجمتنا سلام الله عليها فقررت عدم الذهاب إلى القاهرة والاكتفاء من منزلي بالكتابة عنها_ طيب الله ثراها_ وفي وقت القيلولة أخذني النوم فنمت ورأيت كما يرى النائم هاتفا يأمرني بالسفر إلى القاهرة لزيارة السيدة نفيسة والاحتفال بمولدها المبارك ثم أردف قائلا: كي تستطيع أن تكتب عنها المقال الذي تريد ! فاستيقظت من نومي مسرعا إلى السفر حيث أبعد عن القاهرة قرابة الثلاث ساعات من السفر ... وبالفعل وصلت فناء المسجد قبيل صلاة العشاء وفي طريقي لشق الصفوف للدخول للمقام الأنور وفي لجة الزحام الشديد والعرق يتصبب من وجهي إذا بأحد باعة الكتب الجائلين في المسجد يعرض علي شراء كتاب في يده فأخذني الغضب ... وهل هذا وقت لشراء الكتب وسط هذا الزحام الشديد؟ فأسرعت أشق الصفوف وإذا به يسير خلفي ويقول لي خذ هذا الكتاب عن السيدة نفيسة حتى تستطيع الكتابة عنها ...  فأخذني الذهول ووقفت والكتاب في يدي مندهشا ....!
 وهممت بإعطائه ثمن الكتاب فالتفت فلم أجده بين الصفوف المتلاحمة من البشر فدخلت المقام والكتاب في يدي وتحققت رؤياي وقد جعلها ربي حقا ....!